ديون دبي أدت إلى زيادة التدقيق في هياكل سوق رأس المال والشفافية على المنطقة

ديون دبي أدت إلى زيادة التدقيق في هياكل سوق رأس المال
والشفافية على المنطقة

[escenic_image id="5519557"]

لا شك أن إعادة جدولة ديون دبي العالمية كان لها صدى واسع في الصحف ووسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم. فقد عنونت صحيفة الإيكونوميست مقالتها عن الإنقاذ المالي لأبو ظبي بالعنوان التالي: "ديون دبي: أزمة تحبس الأنفاس". كما نشرت مجلة الجارديان أخيرًا مقالة عن افتتاح برج خليفة في دبي تحت عنوان "بعد تعثرها وإنقاذها ماليًا: دبي تفتتح أعلى ناطحة سحاب في العالم". ولم يحقق هذا البرج قدر الإثارة والانبهار اللذين كان يأملهما من قاموا بإنشائه. كل هذه الأخبار توضح مدى الصعاب التي تنتظر الاقتصاد الإقليمي. وبالرغم من اقتصار هذه الأخبار على دبي، فإنها يمكن أن تجعل المستثمرين ينصرفون عن المنطقة.

 وتجربة الأرجنتين التي واجهت فيها الحكومة أزمة التخلف عن سداد الديون السيادية في عام 2002، ممن الممكن أن تساعدنا في استخلاص أوجه تشابه مع موقف دبي. فالإمارات العربية المتحدة ومجلس التعاون الخليجي بوجه عام سوف يواجهان تحديات مماثلة فيما يتعلق بحماية بيئة الاستثمار في الاقتصادات المحلية.

لقد خاضت الأرجنتين عددًا من الإصلاحات في فترة التسعينيات بعد أزمات مالية متعاقبة. ونتيجة لهيكلة الاقتصاد الأرجنتيني بربط عملة البلاد بعملة أخرى للإسهام في الحد من التضخم، حدثت أزمة سبقت العجز عن سداد الديون. وأصبحت المسئولية المالية مهمة بشكل أساسي من منظور اقتصادي. ومن الناحية السياسية، كان لغياب مرونة السياسة النقدية انعكاسات سلبية، حيث إن المستويات المرتفعة من البطالة في الأرجنتين أدت إلى مزيد من الاضطراب.

وفي أعقاب الانحدار السياسي والاقتصادي في عام 2001، عجزت الأرجنتين عن سداد الديون في عام 2002. وما تلا ذلك من مفاوضات بين المستثمرين أدت إلى كثير من المشكلات التي استمرت لوقت طويل. ولم تتم التسوية إلا في عام 2005، وخلال هذه الفترة لم تكن الأرجنتين قادرة على اقتراض رأسمال دولي. وكان من بين التحديات الكبرى عدم وجود سابقة قانونية يمكن أن يُهتدَى بها في التفاوض حول التخلف عن سداد الديون السيادية. 

ثمة تحدٍ آخر نجم عن تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها وهو تأثير تلك الأزمة على الاستثمار في البرازيل. ففي عام 2002، اضطرت البرازيل للتفاوض حول قرض من صندوق النقد الدولي عندما بلغ خطر الأزمة المالية ذروته. ومما لا شك فيه أن التحديات الداخلية كانت أساس هذه المشكلة، لكن تخلف الأرجنتين عن سداد الديون لفت مزيدًا من الاهتمام لجوانب القصور في الاقتصاد البرازيلي وأدى إلى تفاقم الضغط المالي على الاقتصاد المحلي.

 وكانت إعادة جدولة الديون العالمية لدبي وتدخل أبو ظبي بمثابة دليل على صحة ما كان يؤمن به الكثير من المستثمرين وهو أن الاستثمارات الأساسية كانت تقودها الحكومة وكان يتم ضمانها في نهاية الأمر من قبل خزائن الدولة. وكان قرار حكومة أبوظبي دعم شركة دبي العالمية ماليًا قرارًا صعبًا اضطرت إلى اتخاذه مثلما تحدث التدخلات الحكومية في الأنظمة المصرفية الغربية. وقد اعتمد مستقبل مناخ الاستثمار واستقرار الاقتصاد المحلي على الإنقاذ المالي.

 وقد ألقت الروابط الأكثر قوة بين الحكومة والسوق بمزيد من الغموض على الحواجز والوصول إلى السياسات المالية. ويبدأ المستثمرون في ربط الدخل الحكومي والسياسة بشكل مباشر مع مدى الأهلية الائتمانية لاستثماراتهم. وهذا يمثل دلائل سوء بالنسبة للمخططين الاقتصاديين الذين يأملون في تنويع اقتصاداتهم.

ومن منظور قانوني، فإن عدم وجود حالات سابقة مماثلة في الاقتصادات الإقليمية سبب منطقي للانزعاج. فكما أن تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها السيادية أحدث أزمة في البلاد، فإن التخلف عن سداد الديون المؤسسية يمكن أن يخلق قدرًا كبيرًا من الهلع بين المستثمرين في منطقة الخليج. فمن المتوقع أن يقوم المستثمرون بتتبع هذا الحدث كي يفهموا الطريقة التي سوف يتم بها التعامل مع أصولهم. وكانت إعادة هيكلة شركة دبي العالمية أقرب شيء إلى إفلاس ضخم كان المستثمرون الأجانب قد شهدوه؛ فالأزمة أدت إلى مزيد من التدقيق في الحماية القانونية في المنطقة.

 وبالرغم من أن الاقتصادات الأخرى في المنطقة قد لا تعاني نفس تحديات دبي، فإن الأحداث الأخيرة أدت إلى مزيد من التدقيق في هياكل سوق رأس المال والشفافية. وكما أن البرازيل شهدت تفاقمًا لمشكلاتها في أعقاب أزمة الأرجنتين، فإن الاقتصادات الإقليمية الأخرى التي تعاني جوانب ضعف داخلية سوف تجد أنفسها أكثر عرضة للمخاطر نتيجة لزيادة التدقيق.

  وحتى وقتنا هذا، يمكننا القول إنه بفضل تدخل حكومة أبو ظبي والحوار النشط بين المستثمرين وشركة دبي العالمية، فإن الأحداث في دبي قد هدأت. وبالرغم من ذلك فإن هذا الحدث بمثابة فرصة للمخططين الاقتصاديين الإقليميين كي يستوعبوا بعض المشكلات التي عانتها اقتصادات ناشئة أخرى فيما يتعلق بسداد الديون. وعلى إثر الأخبار الأخيرة، فإن المستثمرين سوف يبدءون في التأكيد بقدر أكبر على الشفافية والحماية القانونية. وعلاوة على ذلك، فإن التدخل لإنقاذ شركة دبي العالمية بمثابة سابقة يحتمل أن تتكرر في اقتصادات إقليمية أخرى كما يتوقع المستثمرون .. كذلك، فإن عدم وجود خطوط فاصلة وواضحة بين الشركات المحلية الرئيسية والحكومة سوف يعوق التنمية الاقتصادية طويلة الأمد.

font change