انتكاسة القاعدة تكشف فشل الفكر الإرهابي الجديد

انتكاسة القاعدة تكشف فشل الفكر الإرهابي الجديد

[escenic_image id="5519890"]

لقد أبلغ رؤساء وكالات الاستخبارات الأمريكية، إحدى لجان الكونجرس بأن محاولة القيام بهجوم إرهابي ضد الولايات المتحدة داخل أراضيها خلال الشهور المقبلة بات "مؤكدًا".

وكان أسامة بن لادن قد أعلن في شريطي فيديو في توقيت تزامن مع الذكرى الأولى لتولِّي باراك أوباما الرئاسة، مسئولية تنظيم القاعدة عن محاولة تفجير طائرة يوم عيد الميلاد، وهدد بالقيام بالمزيد من الهجمات، كما ألقى باللوم على الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى الأخرى في ارتفاع درجة حرارة الأرض، ودعا إلى مقاطعة الدولار الأمريكي. وقد حاولت الحكومات والمحللون الغربيون الوصول إلى فحوى ما قاله بن لادن، وحل الألغاز التي تضمنتها تسجيلات الفيديو القصيرة الخاصة به، فعلى مر السنين شددت الرسائل التي يبثها بن لادن والرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري وحلفاؤهما، على محنة المسلمين المضطهدين في العالم بداية من فلسطين وانتهاء بكشمير، ويحرض بن لادن وحلفاؤه الشباب على القيام بهجمات ضد الغربيين.

ومضمون التسجيلات الأخيرة لأسامة بن لادن لا يتسم بنفس درجة أهمية كشف تلك التسجيلات عن أنه ما زال حيًا ومستمرًا في بث رسائله، حيث يكمن داخل صوته الهادئ مسعى منظم لنشر أيديولوجية القاعدة العابرة للحدود الوطنية، وهي الأيديولوجية التي تجد صدى عند قطاع صغير من الشباب المسلم الذي يتسم بالراديكالية السياسية في مختلف أنحاء العالم. وتقوم أيديولوجية القاعدة العابرة للحدود الوطنية على أمرين متداخلين، الأول: هو الزعم بأن الغرب - خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا - يشن حرب صليبية على الإسلام والمسلمين، والأمر الثاني: هو أن الانضمام للجهاد ضد أعداء الإسلام يعد واجبًا شخصيًا يوجب على كل مسلم تضحيته بالدم والمال.

والسبب وراء سقوط بعض النشطاء الذين اتخذوا طريق الراديكالية من تلقاء أنفسهم في شباك أيديولوجية القاعدة، هو أنها الأيديولوجية الأكثر شيوعًا فيما يتعلق بمباركة قتل أعداء الإسلام، بما في ذلك المدنيون منهم، كما أنها أيديولوجية تتوافق مع أمزجة وخلفيات متنوعة، وقد حل محل تجنيد ذوي النزعات الإرهابية من القمة إلى القاعدة عملية تجنيد من القاعدة للقمة، وهي العملية التي يصعب جدًا تتبعها. ورغم أن القاعدة تكونت في التسعينيات في بيئة أفغانية في إطار هيكل يتسم بالمركزية الشديدة ويتسم بالتدرج الهرمي، تطور التنظيم وتشكل ليأخذ شكل تنظيم فضفاض عالمي ذا أيديولوجية تتسم بالاتساع الشديد، وهذه الأيديولوجية التي يسهل الانضمام إليها تعد محل قبول وموضع اختيار لنطاق متنوع من النشطاء الدينيين الراديكاليين الذي يشعرون بأن هويتهم وثقافتهم الإسلامية عرضة للهجوم.

وتجد أيديولوجية القاعدة العابرة للحدود الوطنية موطنًا لها اليوم في الحارات الفقيرة في المناطق الحضرية في العالم الإسلامي، وفي معسكرات اللاجئين في فلسطين ولبنان والسودان والصومال واليمن والجزائر، وكذلك بين عدد قليل من المهنيين وطلاب الجامعات في منطقة الخليج وبريطانيا والولايات المتحدة وأماكن أخرى، حيث يخترق إغراء الجهاد الدولي الحواجز الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية.

وتظهر الحالات الأخيرة بوضوح؛ كيف أن أيديولوجية القاعدة العابرة للحدود الوطنية أزالت الانقسام الطبقي وقربت المسافات، لتصبح بمثابة عامل جذب للمتفوقين مثل النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والذي حاول تفجير طائرة يوم عيد الميلاد، فهو خريج هندسة من جامعة لندن، والرائد بقاعدة فورت هود، نضال حسن مالك، وخمسة مسلمين أمريكيين من ولاية نورث فرجينيا كانوا مندمجين في المجتمع الأمريكي، والطبيب الأردني همام البلوي، الذي نفذ تفجير انتحاري قتل سبعة من المخابرات الأمريكية بقاعدة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في إقليم خوست بالقرب من الحدود الأفغانية الباكستانية.

إن ما يشترك فيه هؤلاء الأفراد هو أنهم أصبحوا راديكاليين من تلقاء أنفسهم عن طريق الإنترنت، وذلك في الوقت الذي كانوا فيه يحيون حياة تتسم بالاندماج في مجتمعاتهم، والتي كانت في الغالب في الغرب.

وكانت حرب إسرائيل في غزة عام 2008 ، هي التي أغضبت الدكتور البلوي، وذلك على حد قول عائلته، وهي التي اقتادته إلى التعصب، وأعرب الرائد حسن عن غضبه الشديد علنًا للغزو الذي تزعمته الولايات المتحدة للعراق والقيام باحتلاله، وحرب الولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان هي التي أدت إلى ذهاب المسلمين الخمسة من ولاية نورث فرجينيا إلى ميادين القتال في باكستان. لقد تولى هؤلاء الأفراد، مثل الداعية المتطرف اليمني الأمريكي المولد والتعليم، أنور العولقي، وبعد أن اعتنقوا الفكر الراديكالي من تلقاء أنفسهم، دورًا توجيهيًا في القاعدة، حيث يقدمون الإرشاد والدعم الديني للآخرين، وشرعوا في تكوين اتصالات ونفذوا أعما إرهابية من تلقاء أنفسهم. ومن المفارقات، أن عائلات الرجال الخمسة الذين ينتمون إلى ولاية فرجينيا، ووالد عبد المطلب هو الآخر، هم الذين حذروا السلطات الأمريكية من تطرف أبنائهم، وفي حالة الرائد حسن، كان هو شخصيًا قد طلب بشكل غير مباشر إخضاعه للعلاج الطبي، وذلك قبل أن يقوم بقتل زملائه.

والخبر الجيد - إذا كانت هناك فعليًا أي أخبار جيدة - هو أن التجنيد من القاعدة إلى القمة يعد ظاهرة هامشية، ويعد مؤشر ضعف وليس قوة، فالشخص الذي حاول تفجير طائرة بمفرده كشف عن أزمة هيكلية في تنظيم القاعدة المركزي، حيث عانى تنظيم بن لادن من انتكاسة عسكرية كارثية، ويواجه أزمة كبيرة فيما يتعلق بالصلاحيات داخله وفيما يتعلق بالشرعية التي يتمتع بها، ويعاني على وجه الخصوص من تراجع في تأييد الرأي العام الإسلامي له.

وفي الوقت الذي كان تنظيم القاعدة في ذروة قوته في أواخر التسعينيات، كان يضم ما بين 3000 إلى 4000 مقاتل، أما اليوم فقد انخفض عدد الموجودين في صفوف بن لادن القتالية إلى ما بين 400 إلى 500 مقاتل، ووفقًا لأكثر التقديرات الاستخباراتية مصداقية، هناك 100 من نشطاء القاعدة في أفغانستان، و 300 آخرون في باكستان المجاورة، وتعرض معظم قيادات القاعدة الميدانيين المحنكين إما للأسر أو القتل، وحل محلهم أعضاء يفتقرون إلى المهارة والكفاءة، وأصبح من الصعب استقطاب مجندين جدد يتمتعون بنفس المهارة. والشيء المهم الآن أيضًا هو، أن المزيد والمزيد من المسلمين ينظرون إلي تنظيم القاعدة برؤية تركز على وحشية قتله المدنيين غير المقاتلين، حيث أظهر أحدث استطلاعات الرأي أن الأغلبية الساحقة من المسلمين أصبحوا غير متعاطفين مع فكر بن لادن وأتباعه، بل ويلقون باللائمة عليه بشكل كامل في الضرر الذي لحق بصورة الإسلام، وفي الضرر الذي ألحقه تنظيمه بالمجتمعات الإسلامية.

وتُظهر هذه الرؤية جيدًا مدى التقوض الذي يعانيه تنظيم القاعدة على المستوى الخلقي في عيون المسلمين، وتُظهر فشل الجهاد الدولي بصفة عامة، فلا يوجد أي دليل على وجود دعم ملحوظ من المسلمين للفكر الإرهابي الجديد، وكي يتم تجنب تفريخ كوادر إرهابية جديدة تتصرف من تلقاء نفسها، ينبغي التعاون مع الشبكات الاجتماعية الإسلامية لرصد مؤشرات الخطر بشكل استباقي قبل أن تتفاقم، فخط الدفاع الأول والأكثر فاعلية ضد الإرهاب هو المجتمع الإسلامي نفسه.

والإرهاب الذي ارتكبه تنظيم القاعدة وأيديولوجيته العابرة للحدود الوطنية، سوف يستمران خلال العقد القادم، بما في ذلك المحاولات الإرهابية التي تستهدف الولايات المتحدة أو بريطانيا، ولكن هذه الحقيقة، ورغم أنها مخيفة، ينبغي ألا تحول انتباهنا عن طبيعة القاعدة التي تتسم بمحدودية التأثير، حيث يجب أن تقاوم الحكومات الغربية رد الفعل المبالغ فيه، وينبغي أن تتجنب المبالغة في تضخيم التهديدات، ويجب أن تتجنب التمييز ضد المسلمين العاديين، فمثل هذه الأمور تأتي بنتائج عكسية، لأنها تعزز من أيديولوجية القاعدة العابرة للحدود الوطنية.

font change