مقتدى الصدر رجل الدين و زعيم جيش المهدي

مقتدى الصدر رجل الدين و زعيم جيش المهدي

[escenic_image id="5516683"]

ربما لم يتم التقليل من قدْر أي من الشخصيات العراقية التي برزت بعد الغزو الأمريكي للعراق بنفس الدرجة التي حدثت مع مقتدى الصدر. وكان الصدر، الذي يعد رجل دين شيعيًا مناهضًا للولايات المتحدة، وزعيمًا لجيش المهدي، قد برز كواحد من أهم الزعماء الشيعة في التاريخ الحديث للعراق. ومنذ أن سُلِّطت الأضواء عليه، اشتهر الصدر بأنه شاب متهور عنيف، بل وحتى بأنه ذو ذكاء محدود، لكن عُرف عن الصدر أيضًا قدرته على حشد التأييد للتيار الذي يمثله ضمن تيارات المعارضة الشيعية.

ويصعب تفسير نفوذ الصدر باعتباره رجل دين شيعيًا شابًا في بلد يحظى فيه الزعماء الدينيون الشيعة بمزيد من الاحترام كلَّما تقدم بهم العمر، وذلك على الأقل بالنسبة لأولئك الذين لا يدركون أهمية الدور الذي تلعبه العلاقات الأسرية في الحياة السياسة العراقية، لكن قدراته الماكرة، وفهْمه لقوى الدفْع في الحياة السياسية، مكّناه من حشد دعم كبير من قطاع معين من السكان في العراق؛ وهو قطاع الفقراء وسكان المناطق الحضرية، كما يعد معظم الشباب الشيعي مؤيدين رئيسيين لحركته، وأسهم قيام الصدر بالمزج بين الفكر القومي العراقي وبين الأصولية الشيعية، على وجه الخصوص، في جعْله زعيمًا مهمًا للمسلمين الشيعة في العراق، وذلك رغم حداثة سنه.

وفي الواقع، تمكن الصدر من تعزيز شهرته بوصفه لتياره السياسي بتيار المعارضة الرئيسي للقوات الأمريكية وقوات التحالف، وبالتالي الاستفادة من المشاعر القومية المناهضة للولايات المتحدة، التي برزت ليس فقط في العراق بل في معظم أنحاء الشرق الأوسط، وذلك نتيجة للغزو الذي تزعمته الولايات المتحدة للعراق، كما  عارض الصدر بشدة القوى الشيعية المتنافسة في البلاد.

وتمكن الصدر الذي؛ كان بمثابة معجزة في الحياة السياسة العراقية، أيضًا من تجاوز عقبة مهمة أخرى كانت تقف كحجر عثرة في طريق نفوذه، والتي تمثّلت في الانخفاض النسبي لرتبته الدينية، فإدراكًا منه لأهمية تعزيز ثقله الديني، أعلن الصدر في أواخر عام 2007، عن خططه للالتحاق بالدراسة الدينية في مدينة قم الإيرانية، وهو ما أدى إلى اختفائه عن الحياة العامة لأكثر من عام كامل، وأثار تساؤلات مهمة حول النفوذ الإيراني على توجهاته السياسية.

وبشكل عام، فإن شخصية مقتدى الصدر يغلب عليها الغموض، وكذلك مواقفه السياسية. فأحيانًا نجد الصدر يدعو إلى تمرد قومي ضد القوات الأجنبية، وأحيانًا أخرى نجده يرسل جيشه لمواجهة الشرطة العراقية. وقد عُرف عنه أنه يتنازل ويقاتل، مما جعل المراقبين يعتقدون أن أولويته السياسية هي تعزيز موقعه على الساحة العراقية بأي وسيلة كانت. وقد اشتهر الصدر بمكره ودهائه، مما يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بأي إجراء سوف يتخذه.

بيْد أنه في خطبه وحواراته العامة، يمكن التعرف على الصدر بسهولة. فهو دائمًا يلتزم خطابًا وطنيًا شيعيًا مناهضًا للولايات المتحدة داعمًا لحركته. ومنذ صعود نجمه في السياسة العراقية، تراوحت مطالبه بين انسحاب قوات التحالف التي تقودها أمريكا وقوات الأمم المتحدة، و بين تأسيس حكومة عراقية ليس لها أدنى ارتباط بحزب البعث. كما دعا إلى تشكيل حكومة شيعية أشبه ما تكون بإيران؛ في نفس الوقت الذي أكد فيه على استقلالية هذه الحكومة عن طهران.

وبالرغم من أن قدرة الصدر على كسب تأييد الشيعة الفقراء في العراق يرجع إلى قدرته على خلق حوار يضم كلًا من الإيديولوجية الوطنية والشيعية باعتبارهما الركنين الأساسيين لهذا الحوار، فمن غير المحتمل أنه لم يكن ليصل إلى السلطة لو أن خلفيته كانت مختلفة. فأصوله العائلية معروفة بأنها لعبت دورًا مهمًا في كسب الدعم لحركته.

الصدر هو؛ ابن الراحل، آية اللـه العظمى محمد صادق الصدر، وصهر آية اللـه، محمد باقر الصدر. ووالد مقتدى كان من بين أقوى رجال الدين الشيعي في العراق، وذلك في أواخر التسعينيات. وبالإضافة إلى ذلك، من بين أبناء عم والده من صلة قرابة غير وثيقة، آية اللـه العظمى، محمد باقر الصدر، الذي كان ناشطًا شيعيًا رائدًا. وقد أوضح مجلس العلاقات الخارجية أن "كلا الرجلين يرجع لهما الفضل في تشكيل الفكر الشيعي المعاصر وجبهة المعارضة لأنظمة بغداد، ولا شك أن الصدر اعتمد على موروثه الأسري في بناء قوته ونفوذه.

وكلٌّ من أبيه وحماه قُتلا بأوامر من صدام حسين، وقد شكل الصدر من وفاتهما رواية للشهادة تتناسب بشكل جيد مع تاريخ الشيعة. وشدد الصحفي الأيرلندي، باتريك كوكبيرن، على هذه النقطة في سيرة الصدر التي قام بكتابتها، عندما ذكر أن الصدر وأتباعه شديدو التدين، ويعتبرون أنفسهم أتباعًا لسيرة الشهداء في مواجهة الطغيان الذي حدث عندما قُتل كل من الحسين والعباس على أيدي الأمويين في سهول كربلاء منذ 1400 عام.

 وبالرغم من أن رواية الشهادة هذه كان لها تأثير مهم في تقريب الصدر من عدد هائل من الشيعة في البلاد، فإن إرثه لعدد كبير من المدارس والجمعيات الخيرية التي أنشأتها أسرته، جعله يكسب تأييد الكثيرين. 

واستطاع الصدر أن يعتمد على المحيط الاجتماعي لأسرته وعلاقاتها في الانخراط في سياسة الشارع، فيما وُصف بأنه منهج يشبه منهج حزب اللـه؛ باعتباره تكتيكًا أثبت نجاحًا في انتخابات ديسمبر/ كانون أول 2005، التي فازت فيها حركته بـ 32 مقعدًا من أصل 275 في البرلمان. ورأى فالي نصر، أن هذا الحدث حوَّل الصدر إلى "صانع للملوك"، وكان له دور مهم في وصول المالكي لمنصب رئيس الوزراء.

وبالرغم من التوسع الذي شهدته حركة الصدر، وأنها أصبحت تمثل الآن إحدى أهم جبهتين شيعيتين في البلاد، فإن احتفاظه بنفوذه مثار جدل. وذلك يرجع إلى أن نظام دخل الحركة يتسم بالضعف وعدم الاستقرار، حيث يُعتقد أن هذا الدخل يأتي  من خلال أعمال إجرامية تشمل تهريب النفط والسرقة وتقديم خدمات مقابل المال، بما في ذلك الحماية المسلحة للتجار والأعمال كما ذكر جريج برونو. ويُعتقد أن مقاتلي المهدي عارضوا دعمه للنظام السياسي، وعلاوة على ذلك، فإن قاعدة دعمه يبدو أنها في تراجع مستمر، بسبب ما اقترفه جيش المهدي من أفعال إجرامية وتأثيرها على السكان المدنيين.

واختفاء الصدر بشكل مفاجئ عن الحياة العامة، ربما يكون أوضح دليل على تراجع نفوذه في السياسة العراقية؛ بالرغم من أن مجلة "التايم" أشارت إلى ظهوره من جديد في أنقرة منذ عدة شهور، حيث تباحث مع الزعماء الأتراك حول الوضع في العراق. ويتسم أتباعه بنفس غموضه فيما يتعلق بمصير خططه في الأشهر القادمة. وفي حين أن دراساته أعطته سلطة دينية أكبر تحتاج إليها حركته للنهوض من جديد، فإن قوته العقلية التي هي محل جدل وشك، وكذلك انهماكه في السياسة العراقية، يمكن أن يؤديا إلى قطعه لتعليمه الديني. وفي كلتا الحالتين، من غير المحتمل أن يستخف العالم من جديد بقدرته على زعزعة الاستقرار في العراق، حيث إنه لا يزال يمتلك مصدرين مهمين للدعم، وهما جيشه وكتلته الضخمة من الموالين له في البرلمان.

font change