البروفيسور جاديش باجواتى زعيم النضال من أجل التجارة الحرة

البروفيسور جاديش باجواتى زعيم النضال من أجل التجارة الحرة

[escenic_image id="5515421"]

خلال أوقات الأزمات المالية تخضع عملية تحرير التجارة لتدقيق أكثر. ويؤدى الخوف من المنافسة خلال الأوقات التي يمر فيها السوق بصعوبات في كثير من الأحيان إلى ادعاءات تقول بأن فرض الحمائية هو الحل للظروف القاسية الحالية. إلا أنه في مجال الاقتصاد، كرس جاديش باجواتي حياته المهنية ليثبت أن العكس هو الصحيح.


ونظرًا لأنه مستقل بطبعه، يدرك باجواتي أن طرحه حول سياسات تحرير التجارة لا يحظى بشعبية في بعض الأحيان، لكنه لا يخاف أبدًا التعبير عن رأيه في هذا الموضوع. ويقول باجواتي "لقد كنت بمفردي، ولكننى تماسكت. فعادة ما يتغير العالم". ونظرًا لأنه مسلح بالرغبة والتهكم (لا شك أنهما إرث من أيامه التي قضاها في إنجلترا)، تصدر عمل البروفيسور جاديش باجواتى الأبحاث الخاصة بتحرير التجارة.


وحيث إنه أصدر أكثر من ثلاثمائة منشور حول هذا الموضوع، اشتهر باجواتي بأطروحاته المختلفة حول مزايا تحرير التجارة، وجلب له كتابه الأخير "دفاعًا عن العولمة" إشادة دولية. غير أن البروفيسور باجواتي ليس مجرد أستاذ أكاديمي ينصح من فوق برج عاجي. فبالإضافة إلى منصبه كأستاذ في جامعة كولومبيا، يعمل باجواتي، أيضًا، كباحث كبير في الاقتصاد الدولي في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. ونظرًا لأنهم وصفوه بأنه من أكثر أصحاب نظريات التجارة الدولية إبداعًا في جيله، فإن إنجازاته الأكاديمية والسياسية جعلت منه زعيمًا للنضال من أجل تجارة حرة.   


ولد باجواتي في مومباي في عام 1934، لكنه واصل دراسته الجامعية في الاقتصاد في كلية سانت جون بجامعة كامبردج. بعد حصوله على درجته العلمية في عام 1956، تقدم للحصول على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. وحين حصل على درجة الدكتوراه عاد إلى بلده الأصلي، الهند، للتدريس في معهد الإحصاء الهندي، وفى كلية دلهي للاقتصاد. ورغم أنه غادر الهند في وقت لاحق للتدريس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كولومبيا، فإن جزءًا مهمًا من أبحاثه ركزت على الاقتصاد في وطنه. ويبلغ باجواتي الآن السادسة والسبعين من العمر، ووضعته إنجازاته على القائمة النهائية من المرشحين لنيل جائزة نوبل في الاقتصاد.


ولا تعد بحوث باجواتي جديرة بالثناء لتعمقها فقط، بل تنال الاحترام أيضًا لالتزامه بالدفاع عن أفكاره في مواجهة أشد منتقديها. ووصف الخبراء كتابه "دفاعًا عن العولمة" بأنه إجابة مفصلة عن الأسئلة التي طرحها منتقدو تحرير التجارة. وفي مقابلة مع مجلة "ريزون" أوضح باجواتي أن أحد أهداف الكتاب المهمة هو التصدي للمخاوف التي يشعر بها الناس تجاه العولمة.


ويقول باجواتي: "عندما كنت في سياتل في عام 1999، كان هناك نوع من التخبط في كل شيء يتعلق بمحاولة عقد جولة جديدة من المفاوضات التجارية. وأدركت أن الناس الذين كانوا يحرضون لم يكونوا مهتمين بمزايا التجارة بالنسبة للدخل القومي والازدهار، وكانوا يدعون أن العولمة تؤثر سلبًا على القضايا الاجتماعية، وكانوا قلقين من أن العولمة تفتقر إلى الوجه الإنساني".


في كتابه، ينجح باجواتي في إثبات أن تحرير التجارة يمكن أن تكون له آثار إيجابية على حياة الأفراد. ومن بين الأمثلة العديدة التي يضربها في كتابه "دفاعًا عن العولمة" كيف يساعد تحرير التجارة في تقليص الفجوة بين الجنسين في عدم المساواة في الأجور. وحين ينجح في إثبات مزايا الاقتصاد الكلي من تحرير التجارة وتطمين الجمهور بالشكل الذي يطلبونه من دعاة الإصلاح الاقتصادي، يميز باجواتي نفسه عن غيره من الأكاديميين في مجال الاقتصاد.


في الواقع، ربما يكون هذا هو ما جعله أستاذًا يحظى بشعبية كبيرة في جامعة كولومبيا. ويوضح الطلاب هناك أنه بالإضافة إلى مساهمته في أبحاث عالية المستوى، فإن قدرته على تبسيط النتائج المعقدة هي التي تجعل دروسه مرغوبة جدًا. ومثال على هذه المهارة هو مساهمته الحاسمة في نظرية التجارة. وإذا كان في مقابلات سابقة قد وصف نظريته بأنها "بسيطة"، فهذا يرجع إلى أن لديه القدرة على استخلاص المعلومات الرئيسية من عمليات اقتصادية معقدة بطريقة تجعل استنتاجاته تبدو بديهية. وتوضح نظريته أن التجارة الحرة تعرضت لانتقادات لفترة طويلة لأن مناصري الحمائية قالوا إن مزايا التجارة الحرة يمكن أن تتواجد فقط عندما تتسم الأسواق بالمثالية، أي أنه فقط عندما تعكس الأسعار التكاليف الاجتماعية الحقيقية فيمكنها أن توجه عملية التخصيص بشكل صحيح. وأثبتت أبحاثه أنه بدلًا من استبعاد التجارة عندما لا يكون السوق مثاليًا، فإن ما تستطيع عمله هو "إصلاح السوق" بحيث يعكس التكاليف بدقة.


وتعتبر قدرة باجواتي على شرح أبحاثه بطريقة مفهومة بلا شك ميزة مهمة لهذا المناصر للتجارة الحرة. فمن خلال جعل أبحاثه سهلة التناول، وضع نفسه كساعد أيمن لصانعي السياسات والعديد من المنظمات الدولية المسئولة عن وضع السياسات التجارية. وبالإضافة إلى موقعه في مجلس العلاقات الخارجية وجامعة كولومبيا، يشغل باجواتي منصب مستشار السياسة الاقتصادية للمدير العام لاتفاقية التجارة الحرة "الجات"، ويعمل أيضًا كمستشار خاص للأمم المتحدة حول العولمة، ومستشار خارجي لمنظمة التجارة العالمية، ومستشار أكاديمي لمنظمة "حقوق الإنسان في آسيا". وكل هذه المناصب تتحدث عن قدرته على التعاون مع قطاع صنع السياسات.


ورغم سمعة باجواتي باعتباره من طلائع تحرير التجارة، فإنه لا يربط نفسه بأي تسمية سياسية أو أيديولوجية معروفة. وبدلًا من ذلك، قال هذا الرجل المتوهج لصحيفة "نيويورك تايمز": إنه يفضل أن يعتبر نفسه "مصدر إزعاج الجمهور"، أي أنه شخص تحدى السياسات الراسخة واختار الأفكار غير التقليدية.


ونظرًا لأنه يصعب تحديد توجهه السياسي بدقة، يدَّعي منتقدوه فعلا بأن توصياته كاقتصادي متناقضة أيضًا. ويشيرون بشكل خاص إلى ابتعاده عن الاقتصاد الحر، ومعارضته لسياسات مثل تطبيق حقوق الملكية الفكرية في بلدان مثل البرازيل والهند.


بيد أن وجهة نظره متسقة وقوية، إذا اعتبرته متمسكًا بفلسفة نسبية للإصلاح الاقتصادي. ويقول باجواتي: إن الدول المختلفة تضع أولويات مختلفة، واحتياجاتها هي التي ينبغي أن تملي السياسات مثل تطبيق حقوق الملكية الفكرية، بدلًا من الالتزام بسياسات عامة حول هذا الموضوع. وأيًا كانت التسمية التي يعطيها أتباع ونقاد البروفسير باجواتي، كل ما نستطيع أن نتأكد منه أن توصياته للسياسات تقوم على اعتقاد أن الديمقراطية والتجارة الحرة معًا يستطيعان تشجيع كل من النمو والإصلاح الاجتماعي.

font change