طهران وبيونج يانج .. مصدر الخطر القادم

طهران وبيونج يانج .. مصدر الخطر القادم

[escenic_image id="5515419"]

في مايو/آيار 2009، أجرت  كوريا الشمالية ثاني تجاربها النووية. وكان أحد أهداف تلك التجربة إظهار تفوق بيونج يانج النووي للمسئولين الإيرانيين. وفي يوليو/تموز 2009، فرضت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 1874،عقوبات على ثلاث شركات كورية شمالية وشركة تتخذ من إيران  مقرًا لها. وفي أغسطس /آب من نفس العام، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بالامتثال للقرار رقم 1874، واستولت على سفينة كورية شمالية تحمل أسلحة إلى إيران. وفي نهاية العام وبالتحديد في ديسمبر/أيلول 2009، احتجزت تايلاند طائرة تحمل أسلحة لكوريا الشمالية. وأعلن مسئولون أمريكيون أن الشحنة التي احتجزتها تايلاند كان مقصدها المرجح إيران.

هذه الأحداث، سواء كانت حقيقية أو مزعومة، تبرز أحد أكبر مخاوف المسئولين الغربيين والإسرائيليين وخبراء الأمن وهو التعاون في مجال تطوير البرامج النووية والصاروخية بين طهران وبيونج يانج. أو بشكل أكثر تحديدًا،  نقل كوريا الشمالية للمواد النووية وتكنولوجيا الصواريخ  والتكنولوجيا الفنية النووية لإيران.

ويرجع التعاون النووي بين كوريا الشمالية وإيران إلى فترة التسعينيات على أقل تقدير. والحرس الثوري الإسلامي أو الحرس الثوري الإيراني، كان بمثابة المنظمة المسئولة عن التعامل مع بوينج يانج فيما يتعلق بالمسائل النووية منذ ذلك الوقت. ولأنه فرع من فروع القوات المسلحة الإيرانية، التي تشارك بنشاط في تطوير البرنامج النووي الإيراني، كان الحرس الثوري في  وضع جيد يؤهله للتفاوض مع القوات المسلحة الكورية الشمالية، فهي المحرك الرئيسي وراء أنشطة كوريا الشمالية النووية. وقد وردت أنباء عن وجود محادثات بين البلدين للمرة الأولى خلال الأزمة النووية الكورية الشمالية في الفترة ما بين  93-1994. وكان القادة الإيرانيون يشعرون بالقلق من احتمال بدء سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط في خضم الشكوك التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، ولذلك اتخذوا القرار باللجوء إلى دولة آسيوية بعيدة (كوريا الشمالية) لمساعدتهم  في برنامجهم النووي الخبيث.

ومن منظور السوق،تعتبر إيران وكوريا الشمالية بمثابة شريكين مثاليين في النشاط النووي. فطهران تمتلك الأموال وموارد الطاقة الوفيرة، وهما  العنصران التي  تعتبر بيونج يانج بحاجة ماسة إليهما. وفي الوقت نفسه، فإن برنامج كوريا الشمالية النووي أكثر تطورًا من إيران، مما يجعل من عملية نقل التكنولوجيا والخبرة النووية شيئًا ثمينًا في هذه الدولة الشرق أوسطية. وعلاوة على ذلك، تم رصد ما لا يقل عن 2003 خبراء ومسئولين كوريين شماليين في إيران، حيث كانوا يعملون في طهران على تعديل صواريخ"شهاب" لتتلاءم مع الرءوس الحربية النووية. وتشير التقارير أيضًا إلى أن الخبراء الكوريين الشمالية شاركوا بنشاط في تطوير منشآت إيران النووية تحت الأرض. وأبرز هؤلاء، ميونج ليو دو،  وهو متخصص كوري شمالي معروف جدًا في تطوير هذه المنشـآت، وقد توالت سفرياته إلى إيران منذ مطلع عام 2005.

وقد تم تناول التعاون بين هذين البلدين في المجال النووي على المستوى الدولي، مما زاد من مخاوف الخبراء الأمنيين الغربيين والإسرائيليين. وعمل المسئولون الإيرانيون والكوريون الشماليون معًا من أجل تطوير مفاعل  البلوتونيوم النووي "الكبار"  في شمال شرق سوريا، الذي قصفته إسرائيل في  سبتمبر 2007. وتشير تقارير استخباراتية إلى أن عددًا غير معلوم من الحرس الثوري وعشرات الكوريين الشماليين قُتلوا في القصف. ويعد اكتشاف أي عمل مشترك في منشآت أخرى في أنحاء منطقة الشرق الأوسط احتمالًا قائمًا.

ويعتبر نقل الصواريخ من كوريا الشمالية إلى إيران ثاني مصدر لقلق المسئولين الدوليين والخبراء الأمنيين. فنقل هذا النوع من الأسلحة أحد المصادر الرئيسية لرأس المال التي تعاني كوريا الشمالية من نقصه بشدة. وكانت إيران واحدة من كبار عملاء كوريا الشمالية منذ منتصف الثمانينيات عندما نقلت بيونج يانج صواريخ سكود بي إلى إيران . هذا بالإضافة إلى الصواريخ التي قدمتها لـ" ليبيا" وسوريا، وكل هذا ساعد طهران على البدء في تطوير برنامجها الخاص بالصواريخ.

منذ أكثر من عقدين، كانت كوريا الشمالية أكبر مورد لتكنولوجيا الصواريخ والمواد الخام والتقنية الفنية لإيران. وصواريخ شهاب تتضمن صواريخ متوسطة وطويلة المدى وصواريخ تعمل بالأقمار الصناعية ، وهذه الصواريخ، إلى حد كبير، تتخذ صواريخ نودونج وتايبودونج الكورية الشمالية أساسًا لها. وكما هو الحال بالنسبة للتعاون النووي، يعتبر الحرس الثوري الإيراني هو نقطة الاتصال الرئيسية مع القوات المسلحة الكورية الشمالية فيما يتعلق بعمليات نقل الصواريخ . في الواقع، التعاون في مجالات الصواريخ والتعاون في مجال الأسلحة النووية يرتبطان ارتباطًا وثيقًا.  وصواريخ شهاب 3  هي صواريخ متوسط المدى يصل مداها  إلى 1,600 كيلومتر ، وهذه الصواريخ يحاول الفنيون الإيرانيون ونظراؤهم الكوريون الشماليون تعديلها لتناسب الرءوس الحربية النووية. وتستطيع صواريخ  شهاب 3 ضرب إسرائيل، وهو ما يفسر استعدادات تل أبيب لتوجيه ضربات للمنشآت النووية ومنشآت الصواريخ الإيرانية.

وحزب اللـه هو أحد أهم المستفيدين من التعاون بين إيران وكوريا الشمالية. فعلاقات حزب اللـه مع الحرس الثوري الإيراني وثيقة ومعروفة. حيث كان الحرس الثوري يعمل كوسيط بين حزب اللـه وكوريا الشمالية منذ أواخر الثمانينيات . وقامت كوريا الشمالية بنقل أسلحة إلى تنظيم حزب اللـه الذي يتخذ لبنان مقرًا له  وعملت على تدريب أعضاء التنظيم لأكثر من عقدين حتى الآن. والتعاون بين الاثنين تطور منذ عام 2000،عندما جلبت شركة تنمية التعدين الكورية، التي تسيطر عليها الحكومة الكورية، خبراء ومعدات إلى جنوب لبنان من أجل بناء منشآت تحت الأرض. والخبراء الأمنيون الغربيون والإسرائيليون يتفقون على أن هذه المنشآت يمكن في نهاية المطاف أن تكون نووية.

التعاون النووي والصاروخي بين إيران وكوريا الشمالية على رأس الأجندة الأمنية في الولايات المتحدة وإسرائيل. والخوف من حدوث هجوم نووي أو صاروخي من كوريا الشمالية على الولايات المتحدة ليس مطروحًا بقوة. وفي المقابل، انتشار الأسلحة النووية في إيران لا يزال مستمرًا منذ أكثر من عقدين. ولذلك، فإنه ليس هناك ما يدعو للدهشة عندما نجد باراك أوباما وهيلاري كلينتون قد دعوا كلا البلدين لوقف برامجهما النووية، وطالبا كوريا الشمالية بالامتناع عن نشر الأسلحة النووية، مما يوحي ضمنًا بأن القضيتين مترابطتان. وبالمثل، فإن القرار 1874 الذي كان للولايات المتحدة دور أساسي في صياغته ركز على وقف بيونج يانج لعمليات نقل الأسلحة.

 وفي وقت سابق، سلطت كوندوليزا رايس الضوء على الارتباط بين كوريا الشمالية من حيث نشر الأسلحة النووية والبرنامج النووي الإيراني، وربطت المحادثات التي تهدف إلى الحد من البرنامج النووي لبوينج يانج بحل للقضية النووية الإيرانية.

ويمكن القول بأن إسرائيل هي البلد الذي يتمتع بأكبر قدر من الاهتمام في وقف التعاون بين إيران وكوريا الشمالية. فبينما تركز الولايات المتحدة، إلى حد كبير، على بلد منشأ الأسلحة النووية وتكنولوجيا الصواريخ والمواد الخام (كوريا الشمالية )، تركز إسرائيل على الطرف الآخر (إيران). وبينما كانت الولايات المتحدة تؤكد ضرورة الحوار، دعت إسرائيل إلى شن غارات جوية على المنشآت العسكرية الإيرانية. فتل أبيب تدرك أنها لا تمتلك قدرة التأثير على بيونج يانج، لذلك ركزت على الخطر الأقرب إليها وهو إيران  .

وفي نهاية المطاف نقول: إن إدماج كوريا الشمالية ضمن الاقتصاد العالمي يبدو أنه السبيل الوحيد والمعقول لوضع حد لانتشار الأسلحة النووية والتعاون مع إيران. فبرنامج بيونج يانج النووي لا يعزز أمن كوريا الشمالية بشكل كبير من هجوم عسكري أمريكي محتمل.  فأسلحة الولايات المتحدة الدفاعية والهجومية وأسلحة الدمار الشامل تكفي لهذا الغرض. ومع ذلك، فإن وجود برنامج نووي متطور يعتبر أداة ممتازة لزيادة رأس المال. فالمنافسة غابت عن شبكة عبد القادر خان.. وكوريا الشمالية هي اللاعب الرئيسي في مجال الانتشار النووي. فإذا أُدمجت كوريا الشمالية في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الوصول إلى الأسواق الأمريكية واليابانية، سيكون شبه مؤكد أن تتخلى بيونج يانج عن الانتشار النووي. ومع ذلك، طالما ظلت بيونج يانج معزولة عن الاقتصاد العالمي، فإن التعاون النووي والصاروخي الإيراني الكوري الشمالي سيستمر.

رامون باتشيكو باردو -- باحث في مجال مكافحة انتشار الأسلحة النووية وسياسة شرق آسيا

font change