تركيا بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط

تركيا بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط

[escenic_image id="5515447"]

تعثرت مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة، ولكن في تحول غير مألوف، تستخدم تركيا الآن نفس الأفكار التي جلبت الاستقرار إلى أوروبا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك في محاولة لتهدئة الانقسامات المريرة في الشرق الأوسط.

وانضمت أخيرًا سوريا والأردن وليبيا ولبنان إلى إيران ودول أخرى في المنطقة التي تتمتع بتأشيرة حرة للسياحة والأعمال التجارية مع تركيا. كما تبذل أنقرة كل ما بوسعها من أجل خلق تكامل في البنية التحتية الإقليمية، ولقد نجحت في دعم التجارة مع جيرانها، وهي الآن تجمع الحكومات معًا من أجل عقد اجتماعات مشتركة تضم مسئولين رفيعي المستوى في مجالس الوزراء.

هذا التحول إلى فكر الاتحاد الأوروبي الأساسي، وهو فكر التقدم من خلال الاعتماد المتبادل بين الدول، لا يزال في مراحله الأولى. ويرجع ذلك جزئيًا إلى طبيعة الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط التي تخاف من التكامل الإقليمي وتراه يشكل تهديدًا سياسيًا. وقد اعتنقت تركيا أيضًا هذا الاتجاه لفترة طويلة، انتهت بنهاية الحرب الباردة بعدها ازداد شعورها بالأمان وبدأت تستغل الفرص التجارية. تخضع تركيا إلي حكم  حزب العدالة والتنمية اليميني الذي تولى السلطة منذ عام 2002، وقام  بتنمية علاقات تركيا مع روسيا وأفريقيا والدول المجاورة، وخاصة جيران تركيا المسلمين في الشرق الأوسط.

وخلال نفس الفترة، تعززت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بسرعة. وعلى الرغم من العقبات الكثيرة، بما في ذلك  المتشككون الأوروبيون في تركيا، وبطء وتيرة الإصلاح الداخلية التركية، والجمود في حل قضية قبرص، لا تزال أنقرة في عملية تفاوضية كاملة يمكن أن تمكنها من الفوز بعضوية الاتحاد الأوروبي خلال عقد أو عقدين.

هذه الديناميكيات المتناقضة ظاهريًا، أعادت فتح الجدل حول مسألة ما إذا كانت تركيا أصبحت "أوروبية" أو "أورآسيوية" أو "عثمانية جديدة"، أو حتى "إسلامية". والقلة القليلة هي التي تأخذ في الاعتبار جوانب القصور التي تتعلق بمن يرون أن تركيا تزداد تشابهًا مع الإمبراطورية العثمانية السابقة، وكذلك السياق التركي الحديث الذي يمكن التنبؤ به نسبيًا. وهذا الجدل يعد أيضًا في كثير من الأحيان بديلًا عن الهموم السياسية المحلية؛  سواء كانت خشية أوروبا من ارتفاع معدل البطالة بين مواطنيها والهجرة والإسلام والمُعلَّقين العرب الذين يرغبون في الحصول على عصي ليتمكنوا من معاقبة حكوماتهم، أو النشطاء المؤيدين لإسرائيل ويسعوا لفرض ضغوط أمريكية على تركيا.

في الواقع، الاتحاد الأوروبي والغرب عمومًا، على عكس ما يعتقد بعض الأوروبيين، يحتاجون تركيا جزئيًا بهدف تحقيق الاستقرار الذي يرجون انتشاره بين جيرانهم الشرقيين. إن أولويات أنقرة ليست العودة للخلاف، ولكن التوسع في الاقتصاد الذي يمثل بالفعل أكثر من نصف حجم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالكامل. وعندما يدلي رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، بتصريحات تنطوي على حماسة زائدة عند قيامه بزيارة الخرطوم أو طهران أو دمشق، فإنه يفكر جزئيًا في  العقود التي سيوقعها مئات من رجال الأعمال الذين يؤيدونه ويرافقونه. وبالمثل، عندما زار أردوغان الولايات المتحدة في ديسمبر/ كانون أول الماضي، وكانت النتيجة العامة الرئيسية تشكيل لجنة مشتركة لتعزيز التجارة.

إن قادة حزب العدالة والتنمية، حتى وإن كانوا طرحوا جانبًا قضية أسلمة شبابهم ، فإنهم يشعرون بالدفء حيال القادة المسلمين. بل إن بعض قادة الحزب يعتبرون أردوغان ممثلًا لـ 1.5 مليار مسلم. ولكن تركيا بأكملها ترغب في الاندماج في أوروبا حتى إن الزائر للمكتبات التركية سوف يبحث جاهدًا حتى يجد أي شيء خاص بالشرق الأوسط.

ومبيعات تركيا للشرق الأوسط أقل نسبيًا مما كانت عليه في العقدين الماضيين، حتى إن هذه المبيعات تمثل أقل من ربع صادرات تركيا. فالاتحاد الأوروبي يحظي بنصف التجارة التركية وحوالي 90% من الاستثمار الأجنبي في 2008. وهناك حوالي 4 ملايين تركي يعيشون في أوروبا، في حين أن تعدادهم لا يتجاوز سوى عشرات الألوف في الشرق الأوسط. وشركات الطيران التركية تعمل في شبكة عمل مكثفة إلى المدن الأوروبية، كما تخدم مناطق كثيرة داخل تركيا أكثر من إيران والدول العربية. فبينما تطير طائرات علي الخطوط التركية مرتين في اليوم الواحد لتصل بين أسطنبول ودمشق، تطير طائرات من نفس هذه الخطوط أربع مرات يوميًا لتصل بين أسطنبول وتل أبيب.

وينبغي ألا نسيء فهْم الإطراء غير العادي الذي أوردته الصحف العربية بشأن أردوغان، عندما واجه إسرائيل، فهذا ليس معناه موافقة العرب على الهيمنة الإقليمية لتركيا. فقد قال المبعوثون العرب لتركيا، إنهم سعداء بأن يجدوا دولة سنية مسلمة تتصرف كمتحدث رسمي عن همومهم، وكذلك تعمل كقوة موازية أو معادلة لدولة إسلامية شيعية مثل إيران. ولكنهم أردفوا قائلين: إن حكوماتهم لا تشعر بارتياح تجاه تفجر غضب أردوغان الذي ينم عن شعبوية معادية لإسرائيل، وأنهم سيرفضون أي جهود تركية تزيد على درجة الوساطة في النزاعات الإقليمية.

وزيادة اهتمام تركيا بجيرانها أقنع مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية بسؤال 2000 شخص في سبع دول عربية عن آرائهم. وفي شهر نوفمبر/ تشرين ثان، أعلنت النتائج، حيث وجد أن ثلاثة أرباع المشاركين يفضلون أن يكون لتركيا دور أكبر في القضية الإسرائيلية الفلسطينية، وقضايا أخرى من قضايا الشرق الأوسط. ولكن أعرب 57 % منهم عن رغبتهم في رؤية دولة إسلامية في الاتحاد الأوروبي، ورأى 64%، منهم 62% من المملكة العربية السعودية، أن عملية التفاوض التركي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لها أثر إيجابي على دورها في العالم العربي.

وتعتقد تركيا أيضًا أن أفكار الاتحاد الأوروبي يمكن أن تساعد في رأب الصدع وإنهاء الانقسامات في المنطقة. والشهرة المؤخرة لمطربين أتراك ومسلسلات تركية في العالم العربي ليست لمجرد أن الاثنين قد أصبحا أكثر تقاربًا من جديد. فالمنافسة والإصلاحات التي يريد الاتحاد الأوروبي أن تتحقق في تركيا، قد أدت إلى انفتاح المجتمع التركي، وكذلك انفتاح ثقافته واقتصاده، وأصبحت الأفلام والموسيقى التركية على مستوى عال، واستطاعت أن تحصد جوائز عديدة في أوروبا أيضًا.

هوجو بوب – مدير مشروع جماعة الأزمات الدولية حول تركيا وقبرص ومقره أسطنبول. ومؤلف العديد من الكتب عن تركيا والعالم التركي، وكتابه القادم "العشاء مع القاعدة ": ثلاثة عقود توضح العوالم الكثيرة للشرق الأوسط ".

font change