القرصنة بين صيادين صغار وشركات تأمين عالمية

القرصنة بين صيادين صغار وشركات تأمين عالمية

[caption id="attachment_711" align="aligncenter" width="620" caption="القرصنة بين صيادين صغار وشركات تأمين عالمية"]القرصنة بين صيادين صغار وشركات تأمين عالمية[/caption]عندما تتحدث وسائل الإعلام عن القراصنة، ما زالت أذهان الناس تستدعي اللحى السوداء، والببغاوات والأرجل الخشبية وربما حتى الكابتن جاك سبارو ( بطل سلسلة أفلام قراصنة الكاريبي الذي قام بدوره النجم جوني ديب). وبعد الإفصاح عن المزيد من المعلومات، اتضح أن مصطلح «القراصنة» يطلق على الميليشيات الخاصة التي بدأت تحتل خطوط الشحن وترهب سفن الشحن. وينطبق مثل ذلك النوع من سوء الفهم على الطريقة التي عرضت من خلالها شركات التأمين المتمركزة في لندن وشركات الشحن أن تحل تلك المشكلة.

إن العيب لم يكن يكمن في الجهود العملية التي تم اتخاذها للتخلص من مشكلة القرصنة ولكنه يكمن في الافتقار إلى رد فعل عالمي متماسك لعلاج المشكلات الحقيقية التي أدت إلى القرصنة في المقام الأول. فلن تفيد الحلول السطحية إلا في التغطية المؤقتة على المشكلات العميقة التي إما أسيء فهمها أو تم تجاهلها نظرا لتعقيدها.

فقد أصبحت القرصنة في خليج عدن والمناطق المحيطة مصدرا هائلا للدخل، حيث ارتفع معدل تواترها ومدى دقة الهجمات التي يقومون بها. وتعد عمليات الاختطاف جزءا من العمليات الجوهرية التي يقومون بها؛ حيث ارتفع متوسط الفدية حتى وصل إلى أربعة ملايين دولار في الصفقة الواحدة. وكنشاط تجاري، يصبح للقرصنة منطق مفهوم؛ حيث إن نسبة المخاطرة في مقابل العائدات تعد مقبولة. فمن خلال قدر قليل من الاستثمارات، يستطيع فريق مكون من عدة أفراد تحصيل ثروة لا يمكن تخيلها. كما أن القراصنة ليس لديهم اقتصاد حقيقي لكي يعودوا إليه وقد علمتهم التجربة أنهم إذا استمروا في البقاء على الشواطئ، فإن الآخرين سوف يستغلون مواردهم الساحلية.

وعلى نحو مفارق، وجدت شركات الشحن وشركات التأمين نفسها في مأزق مشابه. فإذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، سوف يستمر القراصنة في تحصيل أموال الفدية. ومن جهة أخرى، فإن اتخاذ أي إجراء سيكون بمثابة مغامرة مكلفة ربما لا تسفر عن تحقيق أي نتائج. ويشير معدل تكرار الهجمات إلى أنه يجب على الشركات أن تنظر للقراصنة باعتبارهم مسؤولية مشتركة؛ حيث تتراوح تكلفة التأمين على سفن الشحن المسافرة عبر مياه يهيمن عليها القراصنة بين 75 ألف دولار و500 ألف دولار للرحلة الواحدة. وفي رد فعل للتهديدات و(التكلفة)، قررت شركات التأمين وعملاؤها تكوين قوات بحرية خاصة تجوب المنطقة. ويأتي ذلك الاقتراح بعدما ثبت عدم فعالية القوات التقليدية والدوريات المشتركة بين عدد من جيوش الدول (جدير بالذكر أن العديد من المصادر قد أشارت إلى أن استسلام السفن الأخيرة للهجمات لم يخضع للبروتوكولات المتعارف عليها). وسوف يقلل تكوين قوات بحرية خاصة، نظريا، من تكلفة التأمين من خلال الحد من مخاطر القرصنة.

وبترك الجدال حول شرعية وقانونية المنظمات العسكرية الخاصة جانبا للحظة، يظل هناك العديد من المعضلات العملية في طريق مثل تلك الحلول التي تتسم بالمغامرة. فأولا، تكلفة تنظيم أسطول بحري مرتفعة للغاية؛ حيث تشير التقديرات المبدئية، كما يقول الممثلون، إلى نحو 16 مليون دولار وهو الرقم الذي لا يشتمل إلا على تكلفة التأسيس، فيما يجب أيضا وضع تكلفة العمليات في الحسبان. وثانيا، يجب أن يكون حجم الأسطول أكبر بكثير من الحجم المقترح حاليا. فقد قال أحد الخبراء العسكريين في حوار حديث مع قناة «الجزيرة» القطرية إنه يجب الحصول على 83 سفينة لكي يمكن القيام بدوريات في كافة أنحاء المنطقة. وتتناقض تلك التقديرات بشدة مع عدد السفن المقترح في العرض الحالي التي تقدر بعشرين سفينة فقط.

وتشير المبادئ الأساسية للعلوم الاقتصادية إلى السبب الثالث الذي يجعل ذلك الحل المتعلق بتكوين جيش خاص مشكوكا في نجاحه؛ حيث تظهر الاعتبارات المتعلقة بمبادئ العرض والطلب عدم فعالية الخطة المقترحة. كما أن سوق القرصنة في المياه الدولية غير الخاضعة لسيادة أي دولة والمحاطة بالصومال، وهي دولة منهارة، واليمن التي لديها مشكلات تتعلق بسيادتها، أقرب لشكل من أشكال السوق الحرة تماما بالقدر الذي يمكن أن يسمح به العالم المعاصر. وبالتالي فإن المزيد من الرقابة يمكن أن يقلل عدد السفن التي يستحوذ عليها القراصنة ولكن رد فعل السوق بالتأكيد على كل عملية استحواذ ناجحة سيكون المطالبة بفدية أكبر نظرا لأن قيمة الاستحواذ يجب أن تزيد في النموذج الذي يقل فيه العرض ويتسم فيه الطلب بعدم المرونة.

والسؤال المنطقي الآن هو كيف يمكن السيطرة على الطلب (كيف نردع القرصنة)؟ لسوء الحظ، سوف تظل الإجابة مرهونة بمشكلات أكبر، كما يجب أخذ العديد من مناحي المشكلة في الاعتبار.

والخطوة الأولى هي تحديد ومعالجة السبب الرئيسي للمشكلة. فقد بدأت القرصنة على الساحل الشرقي لأفريقيا عندما قرر الصيادون الصوماليون في تولي الأمر بأيديهم والقتال ضد الاستغلال. فقد استغل العديد من الأطراف الدولية الفوضى الإقليمية. فمن دون بحرية يمكنها حماية المياه الإقليمية، بدأت مراكب الصيد الأجنبية الكبيرة سرقة السمك من الساحل الصومالي وبيعها في الأماكن الأخرى. بالإضافة إلى ظهور مستويات غير مقبولة من المخلفات السامة على السواحل الصومالية وقد تم نسبة معظم تلك المخلفات إلى القارة الأوروبية عبر المافيا الإيطالية. ومن ثم فقد تشكلت ألوية القرصنة الأولى كإلحاح دفاعي.

ومن الواضح أن الموقف تطور إلى حد كبير منذ ذلك الوقت، ومن المشكوك فيه أن يتم الخلط الآن بين القراصنة، الذين يرهبون السفن، وبين الصيادين. وتعد القرصنة مجال عمل جذابا ومربحا بالنسبة للشباب (والصيادين) الذين ليست لديهم آفاق اقتصادية أخرى. وبالتالي فإن معدل التوسع في أعمال القرصنة ليس مفاجئا.

ويعد الافتقار للقانون في شرق أفريقيا عرضا لأزمة أكبر وهي انهيار العولمة. فقد تم ترك الصومال لنزاعاتها الخاصة في أعقاب معركة مقديشو المحتومة (المعروفة باسم سقوط الصقر الأسود)؛ حيث إن فكرة التعامل مع دولة منهارة ليست بالأمر السهل وبالتالي تم تجاهل الأمر ببساطة. وعلى الأقل، كان على المجتمع الدولي ألا يسمح بالاعتداءات التي دفعت إلى ظهور الصيادين - القراصنة في المقام الأول. والآن فإن التحدي هو أن نجد حلا معقولا. فكلما قدمنا حلولا اصطناعية مثل تكوين بحرية خاصة، كلما تزايد ابتعادنا عن المشكلات الحقيقية.

فالحل الذي قدمته شركات التأمين والشحن ليس حلا ملائما للمشكلة. وربما تكون الدعاية المصاحبة لذلك العرض هي الغرض الأساسي؛ وذلك من خلال دفع وسائل الإعلام لتغطية القضية من خلال مناقشة قضايا تلقى صدى في الغرب مثل تكوين جيش خاص (واحتمالية وجود صلات غير شرعية بين القراصنة والإرهابيين). وهناك الحاجة إلى توجيه الانتباه إلى تلك الدولة المنهارة التي ما زال اقتصادها المتشظي يقضي على حياة الملايين من البشر. ويلقي الوضع الراهن بالضوء على التداعيات التي يمكن أن تخلفها المشكلات الخاصة بعدد قليل من البشر على نطاق واسع. ففي العصر الحديث للعولمة، ننسى في بعض الأحيان أن حتى هؤلاء البعيدين كل البعد عن الشبكة العالمية هم في الحقيقة ذوو أهمية حيوية للنظام العالمي، ومن ثم، لا يجب تجاهلهم.



* راجيف سيبال - خبير اقتصادي يعيش في لندن ومستشار بفنريكس بالإضافة إلى أنه زميل بـ«الحوكمة العالمية» 2020.
font change