طريق من الوحدة أمام المرشد الأعلى في إيران

طريق من الوحدة أمام المرشد الأعلى في إيران

[escenic_image id="5514925"]

كانت شرعية المرشد الأعلى، آية اللـه علي خامنئي، من بين الضحايا العديدين لانتخابات إيران الرئاسية المشكوك فيها في عام 2009. وبينما حاول خامنئي خلال عقدين من الزمن أن يشكل صورته على أنه مرشد نزيه وسمْح، يسمو فوق الخلافات السياسية، فإن دعمه العلني الجريء للرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد - في خضم الانتفاضات الشعبية الضخمة والانقسامات غير المسبوقة بين النخب السياسية في البلاد - كشفته باعتباره مستبدًا قليل الشأن ومتحزبًا.
وعلى المستوى الشعبي، تحطمت المحرمات المقدسة سابقًا، حيث تحدى مئات الآلاف من الإيرانيين تهديدات خامنئي المستترة ضد المتظاهرين بالخروج إلى الشوارع وهم يهتفون "الموت للديكتاتور" وحتى "الموت لخامنئي". وانتشرت صور على نطاق واسع من المعاملة الوحشية للمدنيين بمباركة الحكومة، مثل القتل المروع لندا أغا سلطان، ذات السبعة وعشرين عامًا، فضلًا عن المزاعم المتكررة لعمليات التعذيب، والاغتصاب، والاعترافات القسرية في السجن. وقوّضت كل هذه الأمور صورة خامنئي كزعيم روحي "عادل" بين الطبقات المتدينة في إيران. وانتشرت مزاعم واسعة النطاق عن الدور المتنامي لابنه مجتبي، والذي يعتبرونه حليفًا رئيسيًا لأحمدي نجاد، في أجهزة الأمن القمعية لإيران لتزيد من تشويه الصورة الشعبية لخامنئي.

وعلى الصعيد السياسي، يتحدى المرؤوسون الذين كانوا يكنُّون الاحترام له من قبل، وبينهم القادة الإصلاحيون مثل محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي، خامنئي الآن علنًا، ويرفضون نبذ دعاوى التزوير الانتخابي والوحشية. وتحول النقاد الملتزمون بضبط النفس من قبل إلى صاخبين. وندد آية اللـه الأكبر منتظري الراحل، وهو أكبر رجال الدين في إيران، والوريث لآية اللـه الخميني من قبل، بخامنئي باعتباره مرشدًا "غير مؤهل وغير شرعي".

وانتقد عبد الكريم سروش، وهو أبرز مفكر ديني في إيران (يعيش حاليًا في المنفى)، خامنئي باعتباره "قاتلًا غشاشًا وغادرًا وملعونًا". وجاءت المعارضة غير المسبوقة حتى من داخل مجلس الخبراء، وهو المنظمة المشكلة من 86 رجل دين، ولديها سلطة دستورية لتنصيب وتنحية المرشد الأعلى ويرأسها منافس خامنئي، هاشمي رافسنجاني.

ورغم الضرر الذي لحق بسمعته، لا تزال شبكة خامنئي الواسعة والقوية سليمة في الوقت الراهن. ولا تزال أقوى مؤسسات الدولة مثل الحرس الثوري  والرئاسة والبرلمان ومجلس صيانة الدستور والسلطة القضائية تحت قيادة أفراد، إما يعينون مباشرة من قِبل خامنئي أو مخلصين له بشدة. كما يحتفظ خامنئي بتأثير هائل على الاقتصاد الإيراني. ويتمتع بقول نافذ أكثر من أي شخص آخر في كيفية إنفاق عائدات البلاد الضخمة من النفط (نحو 300 مليار دولار خلال فترة الولاية الأولى لأحمدي نجاد) ولديه صلاحيات في المؤسسات الدينية التي تسيطر عليها الدولة وتمتلك مليارات الدولارات من الأصول، بالإضافة إلى ملايين أخرى يستقبلها مكتبه في صورة تبرعات خيرية تقدمها جهات لمزارات إيران المقدسة.

ونظرًا لانعدام ثقته في القوى الأجنبية وفي شعبه، فإن خامنئي، رغم مظهره الديني، تعوَّد على الاعتماد على دعم الاستخبارات والأمن والجهاز العسكري أكثر بكثير من اعتماده على رجال الدين. وبصفته قائدًا للحرس الثوري، فهو ينتقى بنفسه القيادة العليا في المنظمة ويغيرهم بانتظام، ويشرف على صعودهم السريع ليصبحوا أقوى مؤسسة سياسية واقتصادية في إيران.

ومع الدعم الذي يبدو راسخًا من قِبل أجهزة البلاد الأمنية، رفض خامنئي التنازل عن أي مكانة سياسية منذ الانتخابات، لشدة اعتقاده بأن التنازل يظهر الضعف ويفتح الباب أمام مزيد من الضغط. غير أن تحديه لا يخلو من ثمن. طوال العقدين الماضيين، كان أسلوب عمله يعتمد على القبض على زمام السلطة دون مساءلة. ورغم تمتعه بنصيب الأسد من سلطة إيران الدستورية، ونظرًا للمكانة المرموقة للرئيس الإيراني سواء في الداخل أو في الخارج، لم يتحمل خامنئي المسئولية عن ضعف إيران الاقتصادي، والقمع السياسي، والقيود الاجتماعية. إلا أنه بعد انتخابات يونيو/حزيران، لم يعد خامنئي يتمتع بهذه الحصانة.

بالإضافة إلى متاعبه الداخلية، يواجه خامنئي تدقيقًا دوليًا لم يسبق له مثيل. بينما خلال إدارة بوش، انتقد جزء كبير من المجتمع الدولي واشنطن لعدم التواصل مع طهران، في حين يمكن القول إن باراك أوباما بذل أكثر من محاولة لتغيير لهجة وسياق العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران أكثر من أي رئيس أمريكي منذ 1979.

بالإضافة إلى العديد من مبادراته الخطابية تجاه "جمهورية إيران الإسلامية"، فهو أول رئيس أمريكي يعترف باسم إيران بعد الثورة، فقد بعث أوباما برسالتين خاصتين لخامنئي، مكررًا رغبة واشنطن في التغلب على انعدام الثقة في الماضي وبناء الثقة مع طهران. كما تعامل أوباما بحذر وحرص خلال مرحلة انتفاضة ما بعد الانتخابات في إيران، وقاوم الدعوات لدعم المعارضة هناك.

غير أن استجابات خامنئي للمبادرات الأمريكية كانت في أحسن الأحوال غير ملتزمة، إن لم تكن ساخرة بشكل صريح. ففي رسائله العلنية، سخر خامنئي من شعار أوباما للتغيير على أنه مجرد تحول تكتيكي، قائلا: إنه يجب على واشنطن تغيير تصرفاتها أولًا، عن طريق رفع العقوبات والإفراج عن الأصول الإيرانية، وتقليص تأييدها لإسرائيل، والتوقف عن انتقاد إيران، وذلك لإظهار جديتها. وفي رسائله الخاصة، يدَّعى مسئولون أمريكيون أن تأخر رد خامنئي على خطاب الرئيس أوباما، والذي ورد بعد شهر، لم يقدم "أي شيء ملموس للتصرف على بنائه".

خلف الأبواب المغلقة، يقر كبار المسئولين الإيرانيين بأن مبادرات أوباما كانت مقلقة لخامنئي، ووضعت ضغوطًا عليه لتبرير استمرار عداء طهران تجاه الولايات المتحدة. وقال احد المسئولين الإيرانيين: "إذا لم نعامل باراك حسين أوباما بلطف، والذي ينادي بالاحترام المتبادل كل أسبوع، ويرسل إلينا بالتحيات في عيد النيروز، فإنه سيكون من الواضح تمامًا أن المشكلة تكمن في طهران وليس واشنطن ".

في حين بدا قبل الانتخابات الرئاسية أن خامنئي سيظل المرشد الأعلى مدى الحياة، فإن مصيره تحوطه كثير من الشكوك اليوم. وبغض النظر عن الأسئلة المقلقة حول ضعف صحته المزعوم، فإن خامنئي لم يظهر أبدًا نفس الولاء والاحترام لأقرانه كما فعل مع سلفه آية اللـه الخميني. وينتظر منافسه الرئيسي رافسنجاني، والذي تعرض لإهانة علنية بأنه خائن فاسد من قِبل أحمدي نجاد، فرصة للانقضاض عليه. وفي دولة يشار إلى أكبر انتماء سياسي فيها باسم حزب الرياح على سبيل الدعابة، فإن أنصار خامنئي الحاليين يمكنهم أن يتخلوا عنه بسرعة إذا شعروا بهبوب رياح سياسية أقوى في مكان آخر.
  
بغض النظر عن عمق الاستياء الشعبي والغضب، فإنه من الصعب تصور سيناريو يتخلى بموجبه خامنئي عن السلطة سلميًا أو يذهب إلى المنفى، كما فعل الشاه منذ ثلاثة عقود مضت.

 وفي الواقع، فإن أحد الدروس المهمة التي تعلمها خامنئي أثناء الثورة ضد الشاه هو؛ ألّا تقدم تنازلات أبدًا تحت الضغط. وعندما حاول الشاه تهدئة المتظاهرين عندما ظهر على شاشة التليفزيون في أواخر عام 1978، واعترف بتجاوزات الماضي حين أعلن اعترافه الشهير "أنه سمع صوت الثورة"، فإنه شجعها دون أن يدري.

والأكثر من ذلك، أنه بينما تلقت العديد من النخب السياسية والعسكرية، والاستخبارات، بما في ذلك الشاه نفسه، تعليمها في الولايات المتحدة وأوروبا وكان أمامها خيارات أخرى، عندما بدأ نظام بهلوي الملكي ينهار، فإن نخبة الجمهورية الإسلامية بما في ذلك خامنئي نفسه، أمضوا سنوات تكوينهم في الحوْزات العلمية في مدينة قم، وفى ساحة المعركة ضد العراق. ولأنهم افتقروا إلى الخيارات في الخارج، ساد الافتراض دائما بأنهم لن يتخلوا عن السلطة دون قتال دموي.

لم تعد إيران تحت سلطة خامنئي هي الجمهورية الإسلامية، ولكنه اتحاد متماسك للغاية من رجال الدين المتشددين ورجال الحرس الثوري الأثرياء حديثًا.

في الواقع، على الرغم من ادعاءاته كزعيم ديني، فإن مستقبل خامنئى اليوم يعتمد إلى حد كبير على الحرس الثوري. وبينما يثير تزايد الانشقاق والتصدع بين كبار آيات اللـه في قم، قلق خامنئي بالتأكيد، فإن الانشقاق والتصدع بين كبار قادة الحرس الثوري سيكون قاتلا بالنسبة له. ورغم أنهم في الحاضر يبدون موالين له، وحيث إن الحالة الاقتصادية في تدهور مستمر والغضب الشعبي لا يزال قائما، فلا بد لخامنئي نفسه أن يعلم أن منصب المرشد الأعلى يبدو أقل علوًا من أي وقت مضى.

كريم سادجابور- زميل في مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي. ويسهم بشكل منتظم في تليفزيون وإذاعة بي بي سي الدوليين وشبكة سي إن إن. وكتب أيضًا مقالات لجريدة الأيكونوميست والواشنطن بوست ونيويورك تايمز والهيرالد تريبيون الدولية.

font change