أي إصلاح رئيسي في لبنان يمكن أن يعيد التوتر من جديد

أي إصلاح رئيسي في لبنان يمكن أن يعيد التوتر من جديد

[escenic_image id="5514419"]

جاء تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان بعد جولات طويلة من المفاوضات، ليؤسس لتوازن هش يمكن أن يهتز بسبب العديد من العوامل. ونجح سعد الحريري في تشكيل سلطة تنفيذية معتمدًا على صيغة تقاسم للسلطة تميزت بحصة من المناصب الوزارية تحت نفوذ الرئيس. وسمح هذا الحل الوسط لزعيم تحالف 14 مارس/ آذار، بتلافي أن ترشح المعارضة الحكومة مما كان سيعطيها فعليًّا حق نقض قرارات السلطة التنفيذية الجديدة. ومع ذلك، لا تزال المعارضة قوية، ويمثلها في الحكومة عشرة وزراء، بما في ذلك مناصب رئيسية مثل وزارتي الشئون الخارجية والاتصالات والطاقة.

 ويخضع الاستقرار في الحكومة اللبنانية لقيود داخلية عدة، ستحبط في جميع الاحتمالات محاولات إدخال أي تغييرات رئيسية. فالواقع يؤكد أن أي إصلاح رئيسي مثل إلغاء النظام الطائفي، وإصلاح القانون الانتخابي، أو الاعتراف بالحقوق الممنوحة للسكان الفلسطينيين المقيمين سوف يؤدي بسهولة إلى تصعيد في التوتر وسينتهي على الأرجح إلى العنف.

وبشكل أكثر تحديدًا، يدلل إبعاد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من تحالف 14 مارس/ آذار، على التوترات الداخلية في البلاد، ليصبح عنصرًا آخر من عدم الاستقرار وإضعاف الأغلبية. وفسر المحللون تغيير مكان جنبلاط داخل الساحة السياسية؛ على أنه نتيجة لتجدد أهمية دمشق كطرف إقليمي رائد. وهذه حقيقة أصبحت واضحة واكدها قيام رئيس الوزراء سعد الحريري بزيارة رسمية إلى سوريا بوساطة سعودية بعد أيام قليلة من تصويت البرلمان اللبناني بالثقة في السلطة التنفيذية، في محاولة لتطبيع العلاقات اللبنانية السورية.

 وعلى الجبهة الداخلية، هناك مشكلة أخرى أمام الحريري وهي؛ استياء الطائفة المسيحية نتيجة تقديمه تنازلات للمعارضة. ولم تكن الكتائب والقوات اللبنانية راضية تماما عن حصتها الوزارية. وينتابهم القلق إزاء تزايد أهمية الطائفة المسيحية في المعارضة، بقيادة ميشيل عون، والذي اعتمد نهجًا متعنِّتًا في المفاوضات التي سبقت تشكيل الحكومة الحالية. وكان المسيحيون في ائتلاف 14 مارس/ آذار، أشد المعارضين أيضًا لاعتماد المادة رقم 6 في بيان السياسات الوزارية والذي شرع المقاومة كحق من حقوق اللبنانيين. فبدون هذه النقطة، لم تكن المعارضة، وخصوصًا حزب اللـه، لتقبل الحلول الوسط، لكن المادة 6 سهلت عملية الثقة في البرلمان في العاشر من ديسمبر/كانون أول.

 ولكن هذه الموضوع الأخير يمثل تحديًا خطيرًا آخر أمام السلطة التنفيذية الحالية. فربما يؤدي الاعتراف شرعية المقاومة إلى استفزاز إسرائيل، خصوصًا إذا كان الهجوم الإسرائيلي ضد إيران ينطوي على تحييد حزب اللـه. فيما تسمح المقاومة لحزب اللـه بالحفاظ على قواته العسكرية وأجهزته الأمنية. وسوف يؤدي هذا السيناريو حتمًا إلى عواقب وخيمة على لبنان. والحقيقة المطمئنة نسبيًّا فيما يتعلق بهذه القضية هو؛ البيان السياسي الأخير لحزب اللـه الذي يضعه داخل مصالح لبنان، على الرغم من الحفاظ على موقفه الحازم بشأن أهمية المقاومة.

وهناك عمليتان رئيسيتان تحاولان تحقيق التقارب بين المقاومة اللبنانية ومصلحة البلاد الوطنية. الأولى هي "الحوار الوطني"، والذي يعتمد على آلية تبادل المشاورات بين الفصائل اللبنانية المتنافسة. والثانية تأتي من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، والذي يقضي بوجود قوة دولية لحفظ السلام، ومد السيطرة على الأراضي في جنوب البلاد. وقد تمت مناقشة احتمال الدمج  التدريجي للمقاومة داخل القوات المسلحة اللبنانية، ولكن حزب اللـه يشك في قدرة الجيش الفعلية على  حماية مصالح المقاومة. وبالإضافة إلى ذلك، حدثت حالات لهروب أفراد من الجيش إلى إسرائيل مما  يثير الشك في أن يؤدي دمج المقاومة في صفوف الجيش إلي  تعرض سرية وأمن زعماء حزب اللـه للخطر. ولذلك سيكون بناء علاقة من الثقة المتبادلة بين الجيش اللبناني وبين المقاومة مهمة صعبة بالنسبة للحكومة.

ولا تخضع أّيٌّ من هاتين العمليتين للسيطرة المباشرة للحكومة، حيث إن الرئيس يرعى العملية الأولى، وتدير العملية الثانية قوة اليونيفيل لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالمشاركة مع القوات المسلحة اللبنانية. وفي هذا الصدد، يعتبر إصلاح الجيش اللبناني نقطة رئيسية للمناقشة، رغم أن هذا الأمر أيضًا يواجه مشاكل عديدة، مثل التردد الأمريكي في إمداد الجيش اللبناني بالأسلحة.

وفي الواقع، يمثل الأمن الداخلي جبهة أخرى يتعيَّن على السلطة التنفيذية اللبنانية معالجتها. فمنذ تشكيل الحكومة، شهدت البلاد عددًا من الحوادث مثل؛ إطلاق الصواريخ والانفجارات ذات الطابع الغامض. وعند الإشارة إلى إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، تلوم الروايات الرسمية في كثير من الأحيان تنظيم القاعدة واسع الانتشار. في حين لم يتم تفسير الانفجارات الغامضة في جنوب البلاد (على سبيل المثال في خربة سلم وتاير فاليسيا)، ولكن إسرائيل جذبت الاهتمام الدولي لهذه الأحداث كدليل مزعوم على انتهاك حزب اللـه للقرار 1701.

وفي الآونة الأخيرة، تم ربط الانفجار الذي وقع في حريت هريك في جنوب بيروت بوجود الفصائل الفلسطينية في ضاحية بيروت. وليست هذه سوى أمثلة قليلة تبين تعقيد قضية الأمن الداخلي تحت سيطرة وزير الداخلية زياد بارود، والذي أعيد تثبيته في منصبه من قِبل الحكومة السابقة في الحصة الرئاسية.

ولكن إذا كان الأمن والسيادة يمثلان أكثر المشاكل صعوبة أمام الحكومة اللبنانية، فإن الإصلاح المؤسسي يمكن أن يكون التركيز الرئيسي لبدء نهج عملي لهذه القضايا. ومع ذلك، يعتبر الإصلاح المؤسسي أيضا مثيرًا للشقاق بشكل كبير. وثمة حاجة ملحة للإصلاح المؤسسي في العديد من القطاعات مثل القضاء، والقانون الانتخابي والتعليم على سبيل المثال لا الحصر. وأخيرًا تم أيضًا إحياء فكرة إلغاء الطائفية في لبنان، وهي قضية تواجه معارضة واسعة وربما تثير المرارة وسط الأطراف الطائفية.

وربما تكون هذه الفرصة لإجراء مزيد من السياسات التنموية المتوازنة، رغم أن أي توقعات بإجراء أي تغييرات كبرى ستكون في غير محلها. فالحكومة اللبنانية مشتتة للغاية لأنها تفكر ببقائها، وتستطيع فقط اتخاذ خطوات حذرة على طريق الاستقرار الوطني المحفوف بالمخاطر.

فيليبو ديونيجي -- باحث متخصص في شئون  لبنان وحزب اللـه.

font change