إستراتيجية الملك عبد اللـه لمواجهة الأفكار المتطرفة

إستراتيجية الملك عبد اللـه لمواجهة الأفكار المتطرفة

[escenic_image id="5514411"]

بصفتي غير مسلمة مقيمة في المملكة العربية السعودية، أتأثر دائما عندما يهنئني صديق سعودي قائلا "عيد ميلاد سعيد" أو "عام جديد سعيد". وهذا العام، تلقى صندوق بريدي الإلكتروني عددًا غير قليل من مثل هذه الرسائل. ورغم أننا لا يمكن أن نستخلص نتائج علمية من هذه العينات الصغيرة، فإنني أعتقد أن زيادة رسائل التهاني هذا العام كانت ترجع، على الأقل جزئيا، إلى المؤشرات الصادرة عن البلاط الملكي السعودي.

 فمنذ اعتلاء الملك عبد اللـه، عاهل المملكة العربية السعودية، العرش في عام 2005، أطلق العديد من المبادرات التي تهدف إلى تخفيف الأفكار الدينية المتزمتة التي هيمنت على المملكة منذ عقود. فقد شدد الملك عبد اللـه على تسامح الإسلام ونشر التعاطف بدلا من الكراهية لغير المسلمين والأجانب. كما أظهر عبد اللـه بغضه لضيق أفق المتشددين ..
وكان الملك يؤكد ضمنا من خلال مساعيه على حقيقتين: هما أن المملكة لا يمكن أن تزدهر في العالم الحديث المتنافس إذا كانت تتبنى مثل هذه الآراء المتشددة. وأن المواقف المتشددة تجعل العالم يربط بين الشكل الرسمي للإسلام في المملكة العربية السعودية، والمعروف للغرباء بالوهابية أو السلفية من ناحية، والفكر المتطرف الذي يتبناه الجهاديون ذوو الميول العنيفة مثل الموجودين في تنظيم القاعدة من ناحية أخرى. وكان الفصل بين هذين التيارين هو الشغل الشاغل للعاهل السعودي.

 إذن، ماذا كان تأثير سياسات الملك؟ أعتقد أنه أعطى دفعة مطلوبة بشدة لمن لديهم رؤية أسلامية عصرية ومنفتحة على العالم مقارنة بتلك التي سادت خلال السنوات الماضية.

وقد كتبت نجلاء سعود، وهي امرأة شابة تدرس القانون في الرياض " يستخدم الناس بالتأكيد لهجة مختلفة عند الحديث عن قضايا الإسلام. لم تكن هذه هي الحال منذ عدة سنوات ماضية. تنتشر حاليًا صيغة أكثر تسامحًا واعتدالًا عن الإسلام، بعكس الأفكار المتشددة التي كان الناس يعظون بها ويسيئون استخدامها على مدى عقود".

  وكمثال على ذلك استشهدت نجلاء "بالموجة الأخيرة من تهاني العام الهجري الجديد (التقويم القمري)، ومن المفارقات أن الذين بعثوا بها عن طريق الرسائل القصيرة والبريد الإلكتروني يعدون من المحافظين. وأشارت إلى أنه في الماضي "كان هذا أمرًا مرفوضًا بشدة، لأن صاحبه سيُتهم بتقليد غير المؤمنين في فعل سوف يغضب اللـه. ولكن الآن أصبح ذلك من الممارسات التي تحدث سنويًا دون أي اعتراض على الإطلاق ".

ويسمح شكل الإسلام الأكثر "تسامحًا واعتدالًا" عند الملك عبد اللـه للسعوديين، باستخلاص أن هذه التهاني هي تفاعلات بشرية معتادة لا تمس المعتقدات الدينية للمرء. وقد تربى السعوديون على أن المسلم يُغضب اللـه إذا قال "عيد ميلاد سعيد" أو "عام جديد سعيد".

وقال جريجوري جوس، من جامعة فيرمونت، والذي كتب عن المملكة العربية السعودية على نطاق واسع، إنه رغم أن الملك لم يغيِّر على الأرجح كيف ينظر معظم السعوديين إلى الإسلام، فقد تمكن من تغيير الخط الرسمي لماهية الإسلام. وجعله بالتأكيد أكثر قبولًا. وأصبح رجال الدين والناس العاديون من أصحاب وجهات النظر الأكثر تقدمية، الآن أكثر رغبة في التعبير عن أنفسهم. وحدث أوضح مثال على ذلك في أوائل ديسمبر/ كانون أول، عندما أعلن رئيس مكتب مكة المكرمة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقابلة أجريت معه، أن الفصل المشدد بين الجنسين الذي يطالب به الكثير من العلماء السعوديين ليس جزءًا من الإسلام في الحقيقة.

وأضاف الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي، أن هؤلاء العلماء يقودون المسلمين بعيدًا عن نموذج النبي صلى اللـه عليه وسلم الذي يرى أن اختلاط الجنسين جزء طبيعي من الحياة. وتكاد تكون تعليقات الغامدي ثورية بالنسبة للمجتمع السعودي. ولم يكن ممكنًا طرح هذه التعليقات علنًا دون أن تنال الغامدي حماية من قبل مبادرات الملك.

وشملت هذه المبادرات مشروع الملك للحوار بين الأديان، واعترافه العلني في عدة مناسبات بأن المتطرفين المسلمين أعطوا سمعة سيئة للإسلام في جميع أنحاء العالم. وأثار هذا الاستعداد لانتقاد التفسيرات الخاطئة للإسلام بشكل علني الوعي بين السعوديين حول تفسيرهم الخاص للإسلام.

وكان تأسيس جامعة الملك عبد اللـه للعلوم والتكنولوجيا مهما أيضا، ليس لمجرد أنها أول جامعة للتعليم المختلط بالمملكة. ولكن أيضا لأنها تروِّج لمفهوم؛ أن العلم موضوع مشروع للدراسة في حد ذاته، ويجب أن يكون خاليًا من الرقابة أو التدخل الديني.

وقال الملك للضيوف في افتتاح الجامعة في سبتمبر/ أيلول الماضي: "على مر التاريخ، ربطت القوة نفسها، بعد اللـه، بالعلم. وتعلم الأمة الإسلامية جيدًا أنها لن تكون قوية إلا إذا اعتمدت، بعد اللـه، على العلم. فالإيمان والعلم لا يمكن أن يتعارضا إلا في النفوس المريضة".

وفيما يتعلق بالمرأة، كان الملك عبد اللـه أول ملك يضم نساء إلي وفده الرسمي في رحلة خارجية، كما أنهن يعملن في مجلس وزراءه. كما ظهر الملك عبد اللـه في الكثير من الصور الفوتوغرافية مع نساء، وظهرت بعض هذه الصور في وسائل الإعلام المحلية. وألقى الملك عبد اللـه بثقله وراء حملة شعبية لوقف العنف المنزلي.

وأخيرًا، عندما جعل الملك عبد اللـه يوم السعودية الوطني في 23 سبتمبر/ أيلول، عطلة رسمية للدولة، مما يشجع على الاحتفال به، فهو بذلك أدخل بذكاء عنصرًا آخر بخلاف الدين في الهوية السعودية. وكما أشار الخبير جوس، فإن الملك عبد اللـه يحاول التشجيع علي وجود حس قومي سعودي. و من هنا إذا جاز التعبير، فإن الملك عبد اللـه يقوم بإبطال كثير من فتاوى الشيوخ السعوديين التي نهت لأعوام طويلة عن الاحتفال باليوم الوطني لأن ذلك يعتبر تقليدًا للكفار.

وخلقت كل هذه المبادرات بيئة جديدة تفضل ظهور نوع جديد من الإسلام السعودي. إلا أن تحقيق هذه المهمة بشكل كامل يحتاج لسنوات طويلة ويتطلب تعليم جيل كامل.

كاريل ميرفي -- فائزة بجائزة بوليتزر في الصحافة عام 1991، وهى صحافية مستقلة في الرياض. وألّفت كتاب "حب الإسلام".

font change