تعتمد آمال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إنهاء الحرب في أوكرانيا من خلال خطته المؤلفة من سبع نقاط إلى حد كبير على قدرته على إقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقبول شروط تنتهك بعضا من أهم الخطوط الحمراء بالنسبة لكييف، خاصة ما يتعلق بمستقبل وضع شبه جزيرة القرم.
ورغم أن ترمب أوحى أن الخطة التي وضعها المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف تُعد بمثابة "عرضه النهائي"، فإن هناك مساحة كبيرة للمفاوضات. إذ لا يزال كل من زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدرسان تبعات التوقيع على الاتفاق.
وقد أشار بوتين إلى احتمال قبوله وقف إطلاق النار على خطوط المواجهة الحالية في ساحة المعركة الأوكرانية، مقابل تنازلات كبرى من الولايات المتحدة، مثل الاعتراف الرسمي بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم وتخفيف العقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة منذ عام 2014.
أما زيلينسكي فقد بدا أكثر حذرا، مشيرا إلى أن أولويته الأولى تكمن في التوصل إلى وقف إطلاق النار، على أن تُترك مناقشة القضايا الأخرى، كمسألة شبه جزيرة القرم والمناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية في شرق أوكرانيا، للجولة المقبلة من المفاوضات.
وفي الواقع، فإن رفض زيلينسكي مناقشة خطة ترمب المؤلفة من سبع نقاط بكاملها اعتُبر السبب الرئيس وراء قرار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إلى جانب ويتكوف، بالانسحاب من المحادثات التي كان من المقرر عقدها في لندن هذا الأسبوع لبحث المبادرة الأميركية للسلام.
وينبع تركيز زيلينسكي على وقف إطلاق النار فقط من قلقه العميق إزاء الشروط المطروحة في إطار خطة ترمب للسلام، والتي تتطلب من كييف التخلي عن سيادتها على كل من شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية المحتلة من قبل روسيا.
دفعت مواقف زيلينسكي المتصلبة ترمب إلى توجيه انتقاد جديد له، إذ ألقى باللوم باستمرار على الزعيم الأوكراني واعتبره العقبة الرئيسة أمام التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا
وقد سبق لزيلينسكي أن استبعد تماما قبول الاحتلال الروسي للقرم، وكذلك احتلال روسيا لأجزاء من أربع مناطق شرقية في أوكرانيا كانت موسكو قد استولت عليها خلال غزوها الأول عام 2014.
وصرح مسؤول أوكراني رفيع المستوى، عقب الكشف عن تفاصيل خطة ترمب للسلام، بأن الاتفاق من وجهة نظر أوكرانيا يميل بشكل واضح لصالح موسكو وأن "الخطة توضح بجلاء ما ستحصل عليه روسيا من مكاسب ملموسة، لكنها تتحدث بعبارات عامة وغامضة عما ستحصل عليه أوكرانيا".
وبموجب الشروط التي صيغت بعد محادثات استمرت أربع ساعات بين ويتكوف وبوتين الأسبوع الماضي، ستوافق الولايات المتحدة على الاعتراف القانوني بسيطرة روسيا على القرم، والاعتراف الفعلي بسيطرة القوات الروسية على مساحات واسعة من الأراضي في شرق أوكرانيا خلال العقد الماضي.
كما طمأنت واشنطن موسكو بأن أوكرانيا لن يُسمح لها بالسعي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وإن كانت قادرة على التقدم بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي مقابل قبول هذه الشروط، ستوافق واشنطن على رفع العقوبات عن روسيا، كما ستبدي استعدادها لتعزيز التعاون الاقتصادي معها في مجالات مثل الطاقة.
أما الشروط المطروحة على أوكرانيا فتُعد متواضعة للغاية، إذ يُطلب من روسيا فقط إعادة منطقة صغيرة من إقليم خاركيف تسيطر عليها حاليا. كما وافقت الولايات المتحدة على تقديم "ضمان أمني قوي" لكييف لحمايتها من أي عدوان روسي مستقبلي، دون الإشارة إلى التزامات عسكرية أميركية. وهناك أيضا التزام مبهم بتقديم تعويضات ومساعدات لإعادة الإعمار، من دون تحديد آلية تمويل هذا البرنامج.
ولم يكن مستغربا أن يُظهر زيلينسكي عدم ارتياحه العميق إزاء شروط السلام المطروحة، محذرا واشنطن من أن أوكرانيا لن تعترف أبدا بسيادة روسيا على القرم. حيث قال زيلينسكي: "أوكرانيا لا تعترف قانونيا باحتلال القرم. لا مجال للنقاش. هذا يتعارض مع دستورنا".
وقد دفعت مواقف زيلينسكي المتصلبة حيال هذه القضية الأساسية ترمب إلى توجيه انتقاد جديد له، إذ ألقى باللوم باستمرار على الزعيم الأوكراني واعتبره العقبة الرئيسة أمام التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا. وبعد أن تفاخر في البداية بأنه سينهي النزاع الأوكراني "خلال 24 ساعة" من توليه المنصب، أصبح ترمب أكثر إحباطا مع بطء التقدم، معتبرا زيلينسكي العائق الأكبر.
وردا على تعليقات زيلينسكي الأخيرة، هاجم ترمب نظيره الأوكراني واتهمه بـ"الإضرار" بالمفاوضات وإطلاق تصريحات "تحريضية"، بعد أن قال الرئيس الأوكراني إن كييف لن تقبل بسيادة روسيا على القرم.
وقال ترمب إن أوكرانيا في وضع بائس "ولا تملك أي أوراق تفاوضية".
وقد تلقت آمال ترمب في التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا قبل بلوغه اليوم المئة من رئاسته، الذي يصادف يوم الثلاثاء المقبل، ضربة إضافية بعد أن شنت روسيا غارة جوية ضخمة على كييف صباح الخميس، أسفرت، وفقا لخدمة الطوارئ الأوكرانية، عن مقتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص وإصابة أكثر من ستين آخرين.
وفي واحدة من أعنف الضربات التي طالت العاصمة منذ اندلاع الحرب قبل ثلاث سنوات، تعرضت خمسة أحياء لأضرار، وأُدخل 42 شخصا إلى المستشفى، بينهم ستة أطفال.
ورغم استمرار الأعمال العدائية في أوكرانيا، لا يزال ترمب واثقا من إمكانية التوصل إلى اتفاق، بصرف النظر عن المخاوف التي أثارها زيلينسكي.
وفي حديثه للصحافيين في البيت الأبيض، زعم ترمب أنه جرى التوصل إلى اتفاق مع روسيا وأوكرانيا، ولفت إلى إمكانية عقد لقاء قريب مع بوتين، ملمحا إلى أن زيلينسكي كان أصعب في التعامل من نظيره الروسي.
ومع استعداد ويتكوف للسفر إلى موسكو لجولة جديدة من المحادثات مع بوتين، سيظل مصير خطة السلام التي طرحها ترمب معلقا إلى حين التوصل إلى مقترح يُرضي الطرفين.