السعودية والهند… أبعاد استراتيجية واقتصادية

شراكة متنامية

واس
واس
نائب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير سعود بن مشعل يستقبل رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، جدة، السعودية

السعودية والهند… أبعاد استراتيجية واقتصادية

يشكّل الدور المهيمن للمملكة العربية السعودية في سوق الطاقة العالمي عامل جذب اقتصادي كبيرا لأي دولة. وبالنسبة للهند، اتسمت هذه الشراكة على مدى عقود بميزتين رئيستين: استيراد النفط السعودي، والتدفق المنتظم للتحويلات المالية من العمالة الهندية في المملكة.

ومع استمرار هذا الجانب الأساسي من العلاقة التجارية بين البلدين، اتسع نطاق التعاون بين الجانبين بشكل أكبر. ففي النظام العالمي المتغيّر اليوم، حيث تعزز كل من المملكة والهند نفوذهما الاقتصادي والسياسي، باتت الاعتبارات الجيوسياسية تلعب دورا متزايدا في صياغة الحوار بين الطرفين.

لدى حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي دوافع متعددة لتعزيز علاقاتها مع الرياض. فإلى جانب كون المملكة مصدرا رئيسا للطاقة، فإن نفوذها في العالم الإسلامي يُعد عاملا استراتيجيا مهما لنيودلهي التي تسعى للاستفادة منه. وتكتسب هذه الرغبة بُعدا خاصا في ظل الأجندة الداخلية المتشددة لحزب "بهاراتيا جاناتا"، وعلاقاته المتوترة مع المسلمين في الهند، الذين يُقدّر عددهم بنحو 210 ملايين نسمة. وتُنتج هذه العلاقة المضطربة تحديات فريدة أمام السياسة الخارجية الهندية، ولا سيما في تعاطيها مع العالم الإسلامي. ومن هذا المنظور، تأتي اللقاءات الدبلوماسية رفيعة المستوى مع السعودية، أو مع أي دولة ذات أغلبية مسلمة، لتؤدي دورا داخليا محوريا، إذ تتيح لحكومة مودي استعراض شرعية خارجية لسياسات قد تُعدّ تمييزية في نظر كثيرين داخل البلاد.

ولا تزال مؤسسات السياسة الخارجية الهندية تشعر بعدم ارتياح حيال حالة الغموض الاقتصادي العالمي والتحالفات الدولية المتقلبة. فالتحديات وفيرة: من تدهور العلاقات في جنوب آسيا، إلى الاضطرابات في الشرق الأوسط نتيجة العدوان الإسرائيلي، ثم الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، والسياسات الحمائية التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرضها منذ عودته إلى البيت الأبيض. وفي خضم هذا المشهد المضطرب، توفّر العلاقة المتينة والمجزية اقتصاديا مع السعودية مصدر طمأنينة للهند، لا تستطيع سوى قلة من الدول أن توفره.

في خضم هذا المشهد المضطرب، توفّر العلاقة المتينة والمجزية اقتصاديا مع السعودية مصدر طمأنينة للهند، لا تستطيع سوى قلة من الدول أن توفّره

في مؤتمر صحافي عُقد في 19 أبريل/نيسان، قبل أيام قليلة من زيارة مودي إلى المملكة المقررة في 22 و23 من الشهر ذاته، شدد وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري على الأهمية البالغة التي توليها نيودلهي لعلاقاتها مع الرياض.

وأوضح ميسري أهمية الزيارة نظرا "إلى المكانة الواضحة للمملكة كشريك استراتيجي للهند. أنتم تدركون مدى أهمية هذه العلاقة لأمن الطاقة في البلاد، والمملكة تستضيف جالية هندية ضخمة، ربما ثاني أكبر جالية من نوعها في العالم".

وأضاف أن "السعودية تمثل صوتا محوريا في العالم الإسلامي، وتلعب دورا متزايدا في التطورات الإقليمية. ومن هذا المنظور، توفر الزيارة فرصة لتعزيز العلاقات القائمة مع هذا الشريك الاستراتيجي".

وتتسم العلاقة بين الهند والمملكة بوجوه متعددة؛ منها ما يُطرح علنا، ومنها ما يُدار بوسائل دبلوماسية ناعمة، ومنها ما يتداول في الوعي العام ومجال التواصل الاجتماعي.

واس
نائب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير سعود بن مشعل في حديث ثنائي مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي

روابط اقتصادية

بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين، وفقا لبيانات الحكومة الهندية، 43 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024 (من أبريل/نيسان 2023 حتى مارس/آذار 2024). وتعد المملكة خامس أكبر شريك تجاري للهند، بينما تمثل الهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة. وفي الفترة نفسها، بلغت قيمة تجارة الطاقة وحدها 25.7 مليار دولار، ما جعل السعودية ثالث أكبر مورد للنفط الخام إلى الهند.

وتبدي الرياض اهتماما واضحا بتوسيع وجودها الاستثماري في قطاع الطاقة الهندي، غير أن هذه الطموحات اصطدمت بتعقيدات مناخ الأعمال في البلاد. ففي عام 2018، وافقت أرامكو السعودية على الاستحواذ على حصة بنسبة 50 في المئة في مشروع ضخم لتكرير النفط والبتروكيماويات بقيمة 44 مليار دولار في ولاية ماهاراشترا، إلا أن المشروع تعثّر بسبب صعوبات في تخصيص الأراضي. وفي 2019، أبرمت "أرامكو" اتفاقا غير ملزم للاستحواذ على 20 في المئة من أعمال النفط إلى الكيماويات التابعة لشركة "ريلاينس"، لكنه أُلغي لاحقا بسبب خلافات على التقييم المالي.

تعد المملكة خامس أكبر شريك تجاري للهند، بينما تمثل الهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة

ووفقا لوثيقة صادرة عن بنك الاحتياطي الهندي، شكّلت التحويلات المالية الواردة من المملكة 6.7 في المئة من إجمالي 118.7 مليار دولار تلقتها الهند في 2023-2024.

وفي موازاة ذلك، تسعى الهند إلى تعزيز شراكة دفاعية مع السعودية، ضمن رغبتها في لعب دور أمني أوسع في الشرق الأوسط، وتوسيع صادراتها من المعدات العسكرية.

ومع وجود قرابة 2.7 مليون هندي يقيمون في السعودية، تسعى نيودلهي إلى توظيف ثقل جاليتها هناك لتعزيز العلاقات الثنائية بما يتجاوز الاقتصاد والتجارة.

وعلى أي حال، فإن نجاح زيارة مودي إلى المملكة لن يُقاس، من منظور الحكومة الهندية، فقط بمدى ما تحققه من نتائج دبلوماسية ملموسة، بل بقدرتها على إنتاج مشاهد بصرية قوية موجّهة للرأي العام المحلي، تكرّس صورة القيادة السياسية الراهنة في الهند وتُعزّز مشاعر الفخر القومي.

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "عرب نيوز" التي تصدر باللغة الإنجليزية قبل زيارته الثالثة إلى السعودية،  قال مودي إن الممرّ الاقتصادي بين بلاده والشرق الأوسط وأوروبا الذي أُطلق عام 2023 "سيرسم مستقبل الترابط بجميع أشكاله لقرون قادمة، وسيُصبح المُحفز الرئيس للتجارة والنمو".

وقال مودي: "المملكة أحد أهم شركاء الهند، وصديق موثوق، وحليف استراتيجي"، مشيرا إلى أن "مجلس الشراكة الاستراتيجية شكّل محطة بارزة في علاقات الدولتين المتجذرة على مدى قرون، حيث توسّعت آفاق تعاونهما في عدة مجالات منذ إنشائه".

font change