حين خرجت من معرض الفنان الإسباني رييرا إي أراغو كنت كمَن عاد من رحلة بالطائرة لم ير فيها سوى الفضاء على الرغم من أن هناك لوحات كانت احتوت على قوارب في أسفلها كما أن هناك لوحات أخرى ظهرت فيها أجزاء من مراوح هوائية بدت بقيا لأثر حركتها. الأشياء القليلة التي لم يستطع الرسام إخفاءها كانت أشبه بالرموز التي تنطوي على قوة سحرية. ولأن المعرض حمل "الأدويسة الخالدة" عنوانا له، فإن الإحالة على القصيدة المنسوبة إلى هوميروس لا بد أن تلزمنا برؤية شعرية يغلب فيها الشغف بخيال الرحلة على التفكير في إمكان وقوعها في عالم ما بعد حرب طروادة بلغة القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد الإغريقية.
الصرامة في لوحات أراغو هي الأساس، فهو فنان لا تسليه العاطفة الباذخة. رحلته التي قام بها من خلال تماهيه مع رحلة أوديسيوس، فيها من الكثافة التأملية ما يجعلها أشبه برحلة عبر الزمن، وهو ما يغني عن الحاجة إلى الإستعانة بصور المفردات التي هي أدوات السفر.
يذهب الفنان الذي يقف في طليعة الفنانين الإسبان المعاصرين، إلى عالمه بطريقة يغلب عليها طابع السرد الشعري الذي يتخلى عن كل حمولة لغوية فائضة. فلكي يحصل على نتائج صافية، لا بد من أن تكون لغته خالية من الشوائب، وهذا ما فعله أراغو وهو يمضي في رحلته المعاصرة بحثا عن أثر أوديسيوس عبر الزمن.
التجريد بمزاج إسباني
على الرغم من أن رييرا إي أراغو استعمل في لوحاته مفردات أو أجزاء من مفردات مستعارة من عالم السفر والحركة، فإن فنه لا يُعتبر تشخيصيا. المساحة الكبيرة التي يحتلها الفراغ في لوحاته، تجعله قريبا من التجريد. كان من الممكن أن يقوده اعجابه بالنحت، إلى أن يكون شبيها بالأميركي ألكسدنر كالدر، لكن علاقته بالحركة يغلب عليها الطابع التأملي. فهناك ايحاء بالحركة وسط سكون مطلق. لا يزال ينتج منحوتات (ضم المعرض عددا منها)، غير أنها تبدو مستعارة من لوحاته، في هذا المعرض بشكل خاص. ولا أعتقد أن تأثيرها البصري سيكون كبيرا إذا ما عُرضت وحدها.