حل "لواء العودة"... هل تبدأ دمشق حملة توحيد الجيش السوري؟

لا يمكن اعتبار ما حدث مع قوات العودة نموذجا قابلا للتعميم

حل "لواء العودة"... هل تبدأ دمشق حملة توحيد الجيش السوري؟

شكّل حل اللواء الثامن، بقيادة أحمد العودة، في 13 أبريل/نيسان، نقطة تحول بارزة في المشهد الأمني السوري، إذ أزاح الرئيس المؤقت أحمد الشرع خصمه الأبرز في الجنوب، وفتح المجال أمام دمشق لتعزيز قبضتها على محافظة درعا.

وربط مراقبون هذه الخطوة بزيارة الشرع الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة، التي تجمعها بالعودة علاقات وثيقة. وعلى الرغم من أن التوافق الإقليمي ساهم في تسهيل العملية، فإن العامل الحاسم كان في الاستراتيجية الميدانية المحكمة التي انتهجتها دمشق.

فقد اتبعت الحكومة الانتقالية نهجا بات مألوفا بالنسبة لها، فبادرت إلى بناء مراكز قوة بديلة، ثم شرعت في عزل اللواء وإضعافه بشكل تدريجي، قبل أن توجه الضربة النهائية في الوقت المناسب، عبر مزيج مدروس من التهديد العسكري والضغوط المجتمعية. ثم تكللت هذه المقاربة باتفاق تفاوضي أدى إلى تفكيك اللواء دون أن تندلع مواجهات دامية تُذكر.

ويحاكي هذا النهج إلى حد كبير أسلوب "هيئة تحرير الشام" في تصفية خصومها بإدلب ومناطق الشمال السوري، ما يطرح تساؤلا جوهريا: هل تعتزم دمشق تطبيق الآلية ذاتها لاستيعاب بقية الفصائل المسلحة، التي تخضع شكليا لوزارة الدفاع، ضمن هيكل القوات النظامية الخاضعة بالكامل للدولة؟

تصاعد التوترات والانهيار

وكان اللواء الثامن قد حافظ، كغيره من الفصائل التي وافقت على الاندماج تحت قيادة وزارة الدفاع، على درجة غير مسبوقة من الاستقلالية في اتخاذ القرار، ولكنه انفرد بموقفه الصارم الرافض لتمركز أي قوات غير محلية موالية لدمشق في معقله بمدينة بصرى الشام.

وازدادت التوترات حدة بعد فشل المفاوضات المتعلقة بدمج اللواء في البنية العسكرية الرسمية، إذ تحولت الخلافات بشأن توزيع الرتب، وترسيم مناطق النفوذ، وتحديد الصلاحيات، إلى أزمة ثقة متفاقمة، حالت دون ترسيخ نفوذ دمشق في درعا.

وانتهجت الحكومة الانتقالية، على غرار "هيئة تحرير الشام"، سياسة القضم التدريجي لنفوذ اللواء، من خلال عزله وتوسيع شبكة تحالفاتها المحلية. وجاءت الخطوة المفصلية بتعيين بنيان أحمد الحريري- وهو من أبناء المنطقة وينتمي إلى عائلة ذات وزن عشائري- على رأس الفرقة العسكرية في المحافظة، ما أفضى إلى تحييد مجموعات كانت تشكل ركيزة أساسية في قوة العودة.

يمثل نجاح دمشق في تفكيك اللواء الثامن، باستخدام أدوات سياسية وميدانية تحاكي أساليب "هيئة تحرير الشام"، سابقة قد تُستنسخ في التعامل مع فصائل أخرى ترفض الاندماج الكامل في صفوف الجيش النظامي

وفي مسعى موازٍ، اخترقت دمشق معقل العودة ببصرى الشام بدعمها للمنافس المحلي بلال الدروبي، الذي كُلّف بإنشاء خلية تابعة للأمن العام، بهدف تقويض هيمنة العودة وتعزيز حضور الدولة في المنطقة.
وقد أسفرت هذه الإجراءات، إلى جانب عوامل أخرى، عن تآكل ملحوظ في قوة اللواء الثامن، الذي انكمشت عناصره إلى ما بين 300 و400 مقاتل فقط، محاصرين في جيب بصرى الشام، ومعزولين تدريجيا عن حلفائهم الإقليميين وشبكات دعمهم الخارجية.

الضربة القاصمة


بلغت استراتيجية دمشق ذروتها في لحظة مدروسة، حين اختارت تفجير الأزمة في توقيت محسوب بعناية. وكانت الشرارة الأولى مواجهة مسلحة اندلعت بين قوات أحمد العودة وبلال الدروبي، تحت غطاء عملية لمكافحة المخدرات. لكن التحول الفاصل وقع عندما قُتل الدروبي خلال الاشتباكات، وهو ما أثار غضب أنصاره وأشعل موجة من المواجهات العنيفة.
اغتنمت دمشق الفرصة، فدفعت بـ1200 عنصر من قوات الأمن العام إلى أطراف بصرى الشام، في استعراض قوة ينذر بعملية عسكرية وشيكة. لكنها بدلا من اللجوء الفوري إلى السلاح، فتحت قنوات تفاوض مع وجهاء المنطقة. ولتعزيز الضغط الشعبي، تأخر دفن الدروبي، فيما استُخدمت المساجد لتنظيم مظاهرات تندد باللواء الثامن.
وتحت الضغط المجتمعي الغاضب، وفي ظل التهديد بتدخل عسكري، رضخ قادة اللواء الثامن للأمر الواقع. وفي 13 أبريل/نيسان، وافقوا على شروط تضمنت نزع السلاح، وتسليم السيطرة الأمنية لقوات الأمن العام، وتعيين قائد مؤقت للإشراف على دمج اللواء في هيكل وزارة الدفاع. وبذلك، طُويت صفحة النفوذ الذي مثّله أحمد العودة في المنطقة.

نموذج محتمل أم سابقة استثنائية؟


يمثل نجاح دمشق في تفكيك اللواء الثامن، باستخدام أدوات سياسية وميدانية تحاكي أساليب "هيئة تحرير الشام"، سابقة قد تُستنسخ في التعامل مع فصائل أخرى ترفض الاندماج الكامل في صفوف الجيش النظامي. غير أن مدى فعالية هذه الاستراتيجية يظل مرهونًا بثلاثة عوامل حاسمة: حجم الفصيل المستهدف، عمق ارتباطه الاجتماعي، ومستوى الشرعية التي تتمتع بها الحكومة المركزية في نظر المجتمعات المحلية.

نجاح دمشق في تفكيك اللواء الثامن، باستخدام أدوات سياسية وميدانية تحاكي أساليب "هيئة تحرير الشام"، سابقة قد تُستنسخ في التعامل مع فصائل أخرى ترفض الاندماج الكامل في صفوف الجيش النظامي

ولا يمكن اعتبار ما حدث مع قوات العودة نموذجا قابلا للتعميم. فحين تقتضي الضرورة، قد تلجأ دمشق إلى الحسم العسكري المباشر لسحق أي مقاومة وفرض التفاوض بشروطها.
لكن، حتى إذا نجحت هذه المقاربة في توسيع رقعة السيطرة الحكومية، فإن الأزمة السورية العميقة تبقى عصية على المعالجة بتلك الوسائل وحدها. فالمطالب الأساسية للفصائل المعارضة المترددة– وفي مقدمتها اللامركزية، ورفض هيمنة "هيئة تحرير الشام" على القرار السياسي، والمطالبة بتقاسم فعلي للسلطة– تظل غير قابلة للتجاوز بالضغط والإكراه.
ويظل الغليان الاجتماعي كامنا تحت السطح، مثل بركان خامد، ما دامت قنوات الحوار الجاد مغلقة، وما دام دور الفاعلين السياسيين شكليًا. وعندما تُهمّش الأصوات، يصبح الانفجار مسألة وقت، لا نتيجة أيديولوجيات، بل حصيلة يأس متراكم، ونظام سياسي أخفق في أن يكون أداة تغيير حقيقية.

font change