إيران... هل تتحرك "في المسار السليم"؟

انتعاش الأسواق الداخلية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رجل إيراني يقرأ صحيفة في أحد شوارع طهران في 12 أبريل 2025، وتصدرت الصفحة الأولى منها خبر بدء المحادثات الإيرانية الأميركية حول البرنامج النووي الإيراني في عمان في اليوم نفسه

إيران... هل تتحرك "في المسار السليم"؟

لندن- تحظى المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بقيادة مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالاهتمام الواسع والنقاش والتحليل في الصحافة الإيرانية، في مناح لا يخلو من الاستقطاب بين مؤيدي المفاوضات ومعارضيها، ولكنه استقطاب غير ذي أثر في ظل وجود أكثرية شعبية ترغب في نجاح المفاوضات، وقد لمست تحسنا في الأسواق في أعقاب الجولة الأولى في مسقط يوم السبت الماضي، بحسب الصحافة الإيرانية.

بيد أن الصحافة القريبة من "المرشد" علي خامنئي ما فتئت تحذر من الثقة بالأميركيين، مذكرة كيف تنصل الأميركيون من التزاماتهم عندما انسحب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي في العام 2018، حتى أن هناك دعوات متواصلة للتوجه شرقا بدلا من المراهنة على الاتفاق مع الأميركيين.

وكان ويتكوف قد طالب، الثلاثاء 15 أبريل/نيسان، إيران بوقف تخصيب اليورانيوم وإلغاء تطوير الأسلحة النووية كشرط لإبرام أي اتفاق نهائي، والذي لا بد أن يتوافق مع شروط الرئيس ترمب.

من جهتها قالت صحيفة "كيهان" إن "تصريحات ويتكوف تعكس الوجه الحقيقي للطرف الأميركي والتي لا تساعد في حصول تقدم في المفاوضات بل وتؤدي إلى وصول المفاوضات إلى طريق مسدود منذ بداية الأمر". وأضافت: "مما لا شك فيه أن إيران رسمت بشكل واضح خطوطها الحمراء منذ البداية وقالت مرات عدة أنها لن تجري مفاوضات حول برنامجها الصاروخي والقدرات الدفاعية للبلاد".

وتابعت "كيهان": "السؤال المطروح هو: ما دلالات إثارة الولايات المتحدة لمثل هذه القضايا التي تتجاوز إطار المفاوضات؟ أليس ذلك إرسال مؤشرات سلبية في خضم المفاوضات؟ يبدو أن الأميركيين إما عاجزون عن فهم الحقائق الميدانية أم إنهم ما زالوا يتوهمون أنهم في موقف أقوى وبالتالي يريدون التقدم في المفاوضات من خلال ممارسة الضغوط والحركات الاستفزازية".

وقالت "كيهان": "لقد أثبتت التجارب أن الجمهورية الإسلامية لن تتنازل بفعل الضغوط ولن تغير مسارها.. إذا أراد الجانب الأميركي حلحلة القضايا عليه العمل بالتزاماته وعدم تجاوز خطوط إيران الحمراء وعدم تقويض المفاوضات من خلال تصريحات غير مدروسة".

وكتب مهرداد دهنوي مقالا بعنوان "قراءة تصريحات المرشد: الدبلوماسية متعددة الأطراف" في موقع "بصيرة" الإلكتروني التابع للحرس الثوري جاء فيه: "لقد خاطب مرشد الثورة وزارة الخارجية داعيا لها بالتركيز على تعزيز العلاقات مع القوى غير الغربية كالصين وروسيا ودول المنطقة والمؤسسات الأممية، وذلك بدلا من بذل الجهود والوقت على المفاوضات مع الولايات المتحدة".

وكان "المرشد" علي خامنئي دعا في تصريحاته الأخيرة لـ"عدم رهن كل قضايا البلاد بالمفاوضات وذلك في إطار أخذ العبر من الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس ترمب والحفاظ على استقلالية القرار الوطني". وأضاف أنه ليس مفرطا في التفاؤل أو التشاؤم حول المفاوضات.

واعتبر "بصيرة" أنه يجب قراءة موقف "المرشد" بالشكل التالي:

"1- الاقتصاد ليس مرهونا بالمفاوضات. وقد أشار المرشد إلى الخطأ الاستراتيجي الإيراني بعد الاتفاق النووي (الذي تم التوقيع عليه عام 2015) حيث أصبح التطور الاقتصادي والاستثمارات وحتى البرامج الوطنية الإيرانية مرهونة بنتائج المفاوضات آنذاك".

2- كان سقف التوقعات خلال المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى (2015) عاليا، وتحولت التوقعات إلى الأزمات بسبب الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق وتشديد العقوبات".

وتابع "بصيرة": "يرى المرشد أن المفاوضات غير المباشرة (على غرار النموذج العماني) إحدى الأدوات التي تمتلكها وزارة الخارجية لإدارة الأزمات وليست حلا حاسما. يمكن تفسير هذا الموقف بأن المرشد يعتبر المفاوضات الجارية أقل أهمية من السابق وهي تهدف فقط إلى خفض التصعيد في الأمد القصير وتبادل الرسائل ولا تعتبر المفاوضات محددا رئيسا للسياسات الكلية للنظام".

تجرى المفاوضات بعد الكثير من التطورات الداخلية والخارجية والجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد الدولي

وقال الكاتب في "بصيرة": "لقد أكد المرشد على استراتيجية المقاومة الفاعلة بدلا من التعويل على المفاوضات باعتبار أن التعويل على المفاوضات فقط يؤدي إلى إضعاف روح المقاومة وخلق حالة من الآمال الكاذبة وانحسار الدوافع الوطنية لتعزيز اقتصاد المقاومة".

وتابع: "أشار المرشد إلى أهمية الحفاظ على الأدوات الاستراتيجية لأننا خسرنا بعد الاتفاق النووي في 2015 أداة رئيسة وهي تعليق البرنامج النووي، غير أن الولايات المتحدة لم ترفع العقوبات فحسب بل زادت الضغوط. وبالتالي فإن المرشد يرى أن الحفاظ على الأدوات الاستراتيجية على غرار البرنامج النووي والقدرات الصاروخية إلى جانب التطور في الاقتصاد والتكنولوجيا ضروري".

وأضاف: "يستدل المرشد أنه حتى في حال نجاح المفاوضات الراهنة فإن الولايات المتحدة قد تتخلى عن التزاماتها بسبب تغيير الإدارات الأميركية أو خلق ذرائع جديدة على غرار ملف حقوق الإنسان والتدخلات في المنطقة".

أ.ف.ب
الرئيس الايراني مسعود بزشكيان ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي خلال "اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية"، في طهران، إيران 9 أبريل 2025

ونشرت صحيفة "شرق" تقريرا بعنوان "ماذا يقول مؤيدو المفاوضات" بقلم عبد الرحمن فتح اللهي، يوم 14 أبريل، جاء فيه: "تجرى المفاوضات بعد الكثير من التطورات الداخلية والخارجية والجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد الدولي وارتقاء مكانة إيران في العالم. ويبدو أن غالبية المجتمع الإيراني تدعم المسار الحالي واستمرار المفاوضات، وكان التحول الأهم في البلاد في الاقتصاد. حيث إن الأسواق خاصة العملة الصعبة والأوراق المالية والتي كانت متأثرة بالعقوبات والتوترات العالمية شهدت حالة من الاطمئنان والإيجابية بعد انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات مما يعني أن الأسواق تأمل في خفض الضغوط الاقتصادية والعقوبات بعد الوصول إلى اتفاق محتمل. ويشير هذا النشاط الإيجابي في الأسواق إلى حالة عامة حول المفاوضات وتفاؤل بنتائجها".

على إيران تبني استراتيجية متناسبة في المفاوضات، بسبب المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة الناتجة عن الحرب في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا والضغوط الخارجية على البلاد

محمد هاشمي رفسنجاني

وأضافت "شرق": "مع ذلك فإن هناك شكوكا بشأن نجاح المفاوضات. يرى الكثير من الخبراء والمحللين أن المسار الحالي إيجابي ولكن الوصول إلى اتفاق نهائي بحاجة إلى الوقت وزيادة الجهود الدبلوماسية".

وقالت: "تشعر فئات في إيران بالقلق من احتمال وصول المفاوضات إلى طريق مسدود أو حتى من موانع في المسار التنفيذي لاتفاق محتمل. كما أن جهات من معارضي المفاوضات في الداخل والخارج تسعى إلى نسف المفاوضات".

وقال الناشط السياسي والعضو الأسبق في مجلس تشخيص مصلحة النظام، محمد هاشمي رفسنجاني، لـ"شرق": "الاستقطاب الحاد بين المعارضين والمؤيدين للمفاوضات، لم يخرج عن السيطرة ويمكن إدارته. هناك فئات في كل المجتمعات تعارض كل شيء، حيث ترى الفئات المعارضة للمفاوضات الراهنة أن مصالحها الفردية تقتضي استمرار الوضع الحالي واستغلال العقوبات لصالحها غير أن هذه الفئات ليس لديها تأثير كبير على مسار المفاوضات... وتختلف الظروف الراهنة مع الظروف التي أدت إلى الاتفاق النووي (في 2015). المنطقة بحاجة إلى الهدوء وخفض التصعيد".

واعتبر أنه "ينبغي على إيران تبني استراتيجية متناسبة في المفاوضات، بسبب المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة الناتجة عن الحرب في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا والضغوط الخارجية على البلاد"، مشيرا إلى أن "إيران قد نجحت في إدارة المفاوضات بشكل جيد، وأن المفاوضات لها تاثير إيجابي على حركة الأسواق الداخلية مما يدل على أن إيران تتحرك في المسار السليم وبإمكانها تحقيق أهدافها".

وح‍‍ذر محمد هاشمي رفسنجاني من "إثارة الخلافات الداخلية في هذه المرحلة الحرجة الحالية لأنها قد تلحق ضررا كبيرا بالبلاد".

أ.ف.ب
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أثناء استقباله من قبل المتحدث باسم الوكالة، بهروز كمالوندي، في طهران، في 17 أبريل 2025

من جهته، يرى عبد الله رمضان زاده، الناشط الإصلاحي والمتحدث باسم الحكومة في فترة رئاسة محمد خاتمي، أن "كل الفئات لها الحق في التعبير عن رأيها (في قضية المفاوضات) غير أن غالبية المجتمع يريد حاليا إزالة التوتر والوصول إلى الهدوء والاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي. لا ينبغي تقييد حرية معارضي المفاوضات. إن معارضي المفاوضات هم أقلية تابعة للسلطة الحاكمة غير أن السلطة الحاكمة لا تريد أن تتجه البلاد نحو الاستقطاب الحاد".

font change

مقالات ذات صلة