هل يفلح الاتحاد الأوروبي في اللحاق بركب التنافس على آسيا الوسطى؟https://www.majalla.com/node/325188/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%81%D9%84%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D8%B1%D9%83%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%89%D8%9F
في مسعى للحاق بركب التنافس الدولي على ثروات آسيا الوسطى، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم نموذج مغاير للتعاون الثنائي في "قمة قادة الاتحاد ورؤساء الدول الخمس"، نهاية الأسبوع الماضي. وعقدت القمة الأولى من نوعها على هذا المستوى، في سمرقند المدينة الأوزبكية الواقعة على طريق الحرير التاريخي بين الصين وأوروبا، في إشارة رمزية إلى رغبة الأوروبيين وبلدان آسيا الوسطى في بعث الحياة في أكثر من مشروع لتعميق العلاقات الاقتصادية الثنائية، وفتح ممرات إضافية لخطوط التجارة من دون المرور بروسيا.
وكشفت نتائج القمة الأولى من نوعها أن التركيز الأوروبي ينصب حاليا على بناء علاقات بين كتلتين، وليس على مستوى الدول منفردة، كما كان الحال سابقا.
وعقدت القمة بعد أيام من اتفاق تاريخي نهاية الشهر الماضي وقعته أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان لإنهاء المشكلات الحدودية، ما قد يسهم في طي صفحة نزاعات دموية استمرت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. واللافت أن الاتفاق جاء من دون أي تدخل خارجي من القوى الأساسية في المنطقة الصين وروسيا وتركيا.
وفيما بعث الاتفاق الحدودي رسالة تفاؤل حول أجواء الاستقرار الممكنة في منطقة آسيا الوسطى المحتوية على ثروات هائلة، وانعكاسات ذلك على المناخات الاستثمارية، بدا أن الأوروبيين انتقلوا من مرحلة حضّ بلدان آسيا الوسطى على الالتزام بالعقوبات على روسيا وعدم تحولها إلى ساحة للالتفاف على حزم العقوبات الغربية، إلى توثيق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية في عدة مجالات أهمها الطاقة والمعادن النادرة. وإضافة إلى أجواء الاستقرار في آسيا الوسطى يراهن الأوروبيون على أن التغيرات الإيجابية في منطقة جنوب القوقاز، وانتعاش الآمال بتوقيع اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان يسهل ربط المنطقتين عبر الممر الأوسط الذي يمر في جنوب القوقاز وتركيا إلى أوروبا، وزيادة طاقة الممرات الأخرى عبر بحر قزوين وجورجيا بعيدا عن روسيا.
وقّعت الأطراف على إعلان مشترك حول الشراكة واتفاق شامل حول حزمة مبادرات تهدف إلى التكامل الاقتصادي والإنساني والتقني بين المنطقتين
ورغم التطور النوعي في علاقة الاتحاد الأوروبي مع بلدان آسيا الوسطى في حال تنفيذ مخرجات قمة سمرقند، فإنه من المبكر الحديث عن تراجع أدوار اللاعبين الأساسيين وأهمهم الصين وروسيا واليابان وتركيا. وبعيدا عن احتمال انهيار جهود التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين أرمينيا وأذربيجان، واحتمال تعطل فتح الحدود بين أرمينيا وتركيا، فإن الطموح الأوروبي بشراكة استراتيجية دونه الكثير من العقبات والصعوبات مع حالة عدم اليقين في أوروبا بسبب سياسات ترمب التصالحية تجاه روسيا، والحرب التجارية التي أطلقها ترمب بسبب التعريفات الجمركية.
وعود وتعهدات
وفي ختام قمة سمرقنند يوم 4 أبريل/نيسان الجاري، اتفق الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى على رفع مستوى علاقتهما إلى مستوى شراكة استراتيجية، العنوان الرئيس فيها حزمة استثمارات أوروبية بقيمة 12 مليار يورو تركز على أربعة مجالات: النقل، والمواد الخام الحيوية، والمياه والطاقة والمناخ، والاتصال الرقمي. ويخصص ريع هذه الاستثمارات لتطوير البنى التحتية للنقل، مع التركيز على الممر الأوسط، وهو طريق تجاري يتجاوز روسيا، كبديل لنقل البضائع بين أوروبا وآسيا، ورفع قدرته إلى 10 ملايين طن سنويا بحلول 2029.
شعار الاتحاد الأوروبي فوق علم الصين، في بروكسل في 18 أكتوبر 2024
ووقعت الأطراف على إعلان مشترك حول الشراكة واتفاق شامل حول حزمة مبادرات تهدف إلى التكامل الاقتصادي والإنساني والتقني بين المنطقتين. وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بعد التوقيع على أن "هذا يعني أننا يمكننا الاعتماد على بعضنا البعض، وهو ما أصبح مهماً بشكل خاص في الوقت الحالي". وأكدت فون ديرلاين على الإمكانات الكبيرة للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى في مجالات التعاون الرئيسة: الممرات البرية، واستخراج المعادن الحاسمة، وتطوير الطاقة الخضراء، والتحول الرقمي.
تجنب القادة الأوروبيون الحديث، في العلن على الأقل، عن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ودور آسيا الوسطى في الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا
وأعربت المسؤولة الأوروبية عن أملها في بداية "عصر جديد" في علاقات الطرفين. وفيما يخص الخامات والمعادن النادرة، سعت فون ديرلاين إلى امتداح نموذج التعاون الأوروبي المقترح، مشيرة إلى أن "هذه المواد الخام هي شريان الحياة للاقتصاد العالمي المستقبلي، ومع ذلك، فهي أيضا مصيدة للاعبين العالميين، فالبعض مهتم فقط بالاستغلال والاستخراج، أما عرض أوروبا فهو مختلف، نريد أيضًا أن نكون شركاءكم في تطوير صناعاتكم المحلية، يجب أن تكون القيمة المضافة محلية".
ومنحت القمة قادة بلدان أوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمنستان فرصة من أجل طرح أولويات بلادهم الوطنية، في ظل الظروف الإقليمية والدولية والمستجدة، وعرضوا الفرص الممكنة لتعزيز التعاون مع أوروبا في مجالات عدة من أهمها الطاقة التقليدية والخضراء والمعادن والمنتجات الزراعية وغيرها.
التنافس مع روسيا والصين
ينظر إلى منطقة آسيا الوسطى، من الناحية الجيوسياسية، على أنها "الحديقة الخلفية" لروسيا، و"الشرفة الأمامية" للصين، ما يصعب مهمة الأوروبيين في تحقيق اختراق كبير. وفي المقابل، جاءت قمة سمرقند في ظروف مناسبة للشروع في نقل العلاقات بين بروكسل وبلدان المنطقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، والانتقال إلى تنسيق بين تكتلين. فالقمة عُقدت وسط آمال بانتهاء عهد النزاعات الحدودية بين قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وتراجع قبضة موسكو على المنطقة بعد ثلاث سنوات من الحرب على أوكرانيا وما أثارته من مخاوف كازاخستان من تكرار سيناريو القرم أو دونباس في المناطق الشمالية حيث تعيش أقلية روسية وازنة في العاصمة القديمة ألماتا وجوارها.
كما أن الطرفين ينظران بقلق إلى تأثير تعريفات ترمب الجمركية التي تنذر بدخول العالم في حروب تجارية. ومع اكتشاف كميات إضافية من رواسب المعادن النادرة في كازاخستان تقدر بنحو مليون طن، وإمكانات المنطقة الهائلة في مجال الطاقة التقليدية والمتجددة، وسوقها الواسعة تزداد أهميتها الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة قادة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا في 3 يوليو 2024
وذكر الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف أن حجم التجارة الإجمالي بين آسيا الوسطى وأوروبا بلغ 54 مليار يورو. ورغم التطور الكبير في حجم التبادل، يجب الإشارة إلى أن جزءا من زيادة التجارة البينية يعود إلى ارتفاع إعادة تصدير بعض المنتجات الأوروبية إلى روسيا في إطار الالتفاف على العقوبات الغربية. كما أن التبادل التجاري في 2024 بلغ 94.8 مليار دولار، و44 مليار دولار مع الصين وروسيا على التوالي، إضافة إلى قرابة 15 مليار دولار من تحويلات عمال المنطقة في روسيا.
ومن الواضح أن أوروبا لا تستطيع أن تحل محل هذين البلدين، وبدا أنها تقدم ذاتها على أنها شريك موثوق لمنح بلدان آسيا الوسطى خيارات إضافية، ومساعدتها في حل مشكلة البطالة عبر توطين بعض الصناعات. وفي المقابل تسعى أوروبا إلى زيادة إمكانية الوصول إلى المواد الخام الحيوية الموجودة بكثرة في المنطقة، وهي موارد حيوية لقطاعات الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي.
وفي حين تكشف بيانات الاستثمارات في البنى التحتية، والتبادل التجاري التأثير الصيني الهائل، تكفي الإشارة إلى أن قادة الدول الخمس ألقوا كلماتهم في القمة باللغة الروسية للدلالة على قوة روسيا الناعمة، المقرونة أيضا بتحالف عسكري يضم ثلاث دول من المنطقة في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وقاعدتين عسكريتين.
ومن الناحية الأمنية ومحاربة الإرهاب تعتمد دول المنطقة على علاقاتها مع روسيا لتوفير الأمن، والتنسيق لمحاربة الإرهاب في الداخل أو من أفغانستان. واقتصاديا تربط روسيا معاهدات مع كازاخستان وقرغيزستان في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وفي محاولة لتبني قواعد جديدة تراعي خصوصيات المنطقة، تجنب القادة الأوروبيون الحديث، في العلن على الأقل، عن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ودور آسيا الوسطى في الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وبدا أن الضرورات الملحة في ظل الواقع العالمي الجديد أجبر أوروبا على تغيير لهجتها والحديث فقط بلغة المصالح.
رغم التوقيت المناسب للقمة، ووجود قواسم مشتركة لتطوير العلاقات بين آسيا الوسطى وأوروبا، فإن حظوظ الانتقال إلى شراكة استراتيجية بين الطرفين ما زالت محدودة
وفي المقابل، فإن بلدان آسيا الوسطى لا تستطيع التخلي عن العلاقات التاريخية مع روسيا والمتنامية باضطراد مع الصين وبخاصة بعد إطلاق مشروع "الحزام والطريق" في 2013، ولكنها تأمل في أن الشراكة مع أوروبا تمنحها خيارات وعوامل قوة إضافية، في حال تنفيذ المشروعات الاستثمارية، وتساهم في دفعة إضافية لاقتصادها، ودعم سبل التنمية المستدامة، في ظل تحديات واستحقاقات مهمة في المنطقة من ضمنها، نقل السلطة من الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمون إلى ابنه رستم. وتخفيف المخاوف من تبني روسيا سياسات أكثر تشددا تجاه المنطقة ردا على عدم دعمها للحرب على أوكرانيا، وعدم الاعتراف بضم شبه جزيرة القرم وأربع مقاطعات أوكرانية. وتتعاظم المخاوف من أن سياسات ترمب تجاه العالم تنطلق من تقاسم مناطق النفوذ بين القوى العظمى. وعليه فالمتوقع أن آسيا الوسطى ستكون من حصة روسيا بالتنافس مع الصين.
وتعلو أصوات في كازاخستان تحذر من أن روسيا يمكن أن تستخدم أدوات الإكراه الاقتصادي لتعطيل أكثر من ثلثي صادرات النفط الكازاخي إلى أوروبا، ومعلوم أن كازاخستان تزود الاتحاد الأوروبي بقرابة 13 في المائة من حاجته، ومعظم النفط يمر عبر الخط المحاذي لبحر قزوين والواصل إلى منصات في نوفوروسييك الروسية على البحر الأسود، وأوقفت روسيا ضخ النفط عبره أكثر من مرة منذ بداية الحرب على أوكرانيا بذرائع تتعلق بالأمن تارة وبالبيئة تارة أخرى، ومن غير المستبعد أن تقلص روسيا الإمدادات مستقبلا في ظل مخاوف من تراجع أسعار النفط بسبب رسوم ترمب، وكذلك عدم التزام كازاخستان بالحصة المقرة ضمن اتفاقية "أوبك بلس".
حاويات في ميناء تشينغداو، بمقاطعة شاندونغ شرقي الصين، 15 أبريل 2025
كما تخشى كازاخستان من تكرار سيناريو القرم ودونباس في مناطق فيها وجود كبير للأقلية الروسية. وفي ظل زيادة الحملة على العمال الأجانب من آسيا الوسطى في روسيا بعد العمل الإرهابي في مارس/آذار من العام الماضي، تخشى قرغيزستان وطاجيكستان، بشكل خاص، من اضطرابات اجتماعية بسبب تراجع دخل المواطنين وزيادة البطالة مع عودة مئات الآلاف من العمال من روسيا إلى بلادهم.
ورغم التوقيت المناسب للقمة، ووجود قواسم مشتركة لتطوير العلاقات بين آسيا الوسطى وأوروبا، فإن حظوظ الانتقال إلى شراكة استراتيجية بين الطرفين ما زالت محدودة، وربما تواجه مشكلات تتعلق بالتمويل والقوانين.
ومن جهة أخرى فإن تعزيز العلاقات الثنائية يبقى رهنا للوصل الجغرافي بين المنطقتين والتوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان لفتح الممرات التجارية عبر تركيا، وفي حال حققت روسيا أهدافها في أوكرانيا بتسوية مع ترمب أو عسكريا، فإنها ستخصص جهودا أكبر لمنع هيمنة تركيا على جنوب القوقاز، وتعطيل مشروع "شمال جنوب" للنقل من إيران عبر بحر قزوين إلى موانئ روسيا الشمالية.