الحرب الأميركية على الحوثيين... هل باتت العملية البرية وشيكة؟

مغامرة ترمب في اليمن

أ ف ب
أ ف ب
تصاعد الدخان فوق الابنية بعد قصف اميركي للعاصمة اليمنية صنعاء في 19 مارس

الحرب الأميركية على الحوثيين... هل باتت العملية البرية وشيكة؟

جاء توسيع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لحملته العسكرية الشرسة ضد "جماعة الحوثيين" في اليمن، المتحالفة مع إيران، ليفتح نقاشات واسعة في أنحاء مختلفة من العالم حول مدى ومراحل وأهداف هذه الحملة، وعما إذا كان لهذه العملية صلة بالضغوط والرسائل التي يبعث بها الرئيس الأميركي إلى إيران قبل التفاوض المباشر معها على برنامجها النووي، أو بحروب ترمب التجارية عقب جائحة التعريفات الجمركية التي فرضها على نحو 60 دولة.

وقد كثرت، في الأيام القليلة الماضية، التأويلات والسيناريوهات المحتملة أو المفترضة لنهايات "مغامرة" ترمب في اليمن، واحتمالات البدء في مرحلة أخرى من العمليات البرية، والأهداف المتوخاة منها.

لا يوجد حتى الآن تقييم واضح لدى الجميع تقريبا لنتائج الضربات الجوية على مواقع الحوثيين، وهل يمكن أن تحد بالفعل من المخاطر على سلامة الملاحة التجارية في البحار المحيطة باليمن، أم تؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير هذه الجماعة وتفكيكها تنظيميا، كما توعد بدلك الرئيس الأميركي.

لكن أغلب التحليلات، في الولايات المتحدة وبعض العواصم الغربية وحتى الشرق أوسطية، يخلص إلى أن خطط ترمب المتشابكة لا يمكنها أن تحقق غاياتها في اليمن من دون تغيير جوهري على الأرض، لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال "استراتيجية أو صفقة شاملة" بالتعاون مع دول المنطقة، خصوصا المتضررة من أنشطة الحوثيين، وذلك بالنظر إلى التداخل المعقد بين كل تلك الملفات، وإلى أن إيران لا تزال تؤكد على لسان أكثر من مسؤول فيها، أن تفاوضها، إن حدث، حول ملفها النووي لن يتطرق إلى "دورها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي" وأنه إذا "كرر الأميركيون أطروحاتهم غير المترابطة فلن تكون هناك مفاوضات" أو كما قال ترمب نفسه إنه يرغب في مفاوضات مع إيران. لكنه غير متفائل في نجاحها أو جدواها، وهذا على الأرجح ما سوف يحدث بالنظر إلى الفجوة الهائلة والعميقة في الثقة بين الجانبين.

لا يبدو جليا ما إذا كان ترمب سوف يتعامل مع كل واحد من تلك الملفات الخلافية الشائكة مع إيران بطريقة واحدة أم مختلفة، أي بمعزل عن بعضها البعض، وإن كان من المتعذر عليه أن يتجنب التأثيرات المتبادلة بينها.

سيناريوهات ترمب في اليمن

الحكومة الأميركية، كما نعلم، تركيب هائل من الوكالات والمؤسسات التي لا نعلم مدى التنسيق بينها تجاه الأزمات التي أشعلها ترمب في وقت واحد، عسكرية وسياسية واقتصادية مع أكثر من دولة في العالم.

لقد أعطى الرئيس الأميركي تفويضا كاملا لجميع الجهات العسكرية والاستخباراتية ولوزارتي الخزانة والخارجية المعنية بتحقيق أهداف الهجوم العسكري على جماعة الحوثيين، لكن هناك من يتوقع أن هذه "المنظمة الإرهابية الأجنبية" وفق التصنيف الأميركي قد تضعف إلى حد كبير، لكنها لن تزول من المشهد، إلا من خلال تلك الاستراتيجية المشار إليها، فكيف يمكن أن يتحقق ذلك؟

خطط ترمب المتشابكة لا يمكنها أن تحقق غاياتها في اليمن من دون تغيير جوهري على الأرض، لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال "استراتيجية أو صفقة شاملة" بالتعاون مع دول المنطقة

هل العملية البرية ضرورية؟

نعم، إنها تبدو الآن كذلك من وجهة نظر كثيرين في الإدارة الأميركية، فأقل ما نعرفه عن علوم ومعظم تجارب الحروب أن الغارات الجوية المحدودة قد تكون من قبيل الرد أو الردع فقط، أما الحملة الجوية الواسعة الجارية حاليا فيفترض أنها "تمهيد" يُسهّل ويقلل من كلفة ومخاطر أي عمل عسكري بري.

مسؤول سياسي يمني كبير أخبرني أن معلومات موثوقة وردت إليه من مصادره في اليمن تفيد بأن الحوثيين "تلقَّوا ضربات قاصمة لن تقوم لهم بعدها قائمة". كذلك، فإن آخرين تحدثت معهم في اتصالات متفرقة بدوا متفقين على أن ما يحدث اليوم يمثل أفضل فرصة أُتيحت لغالبية اليمنيين المتضررين من ممارسات "الميليشيات الحوثية للتخلص منها" كما يقولون، ولكن ما الذي يقدر اليمنيون على فعله الآن، وما الخيارات المتاحة لهم الآن؟

أ.ف.ب
صورة جوية لمتظاهرين يسيرون في أحد شوارع صعدة في اليمن في 12 يناير2024، بعد الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا

السيناريو الأول، أن تؤدي الضربات الجوية التي تشنها القوات الأميركية جوا وبحرا على مواقع جماعة الحوثيين إلى إنهاك جماعتهم وارتخاء قبضتها في العاصمة صنعاء، وحتى في معقلها بصعدة، لكن القدرة على الحلول محل الجماعة للحفاظ على الأمن والنظام العام يتطلب في أقل حد "هبَّة شعبية" على مستوى المحافظات والمجتمعات المحلية إلى أن يتسنى الأمر لإعادة تنظيم السلطة في مناطق سيطرة الجماعة، لكن ذلك يحتاج إلى وقت غير قصير وإرادة وطنية لا تتوفر الآن، إذ لا يبدو أن كثيرا من المواطنين يوافقون على التدخل الخارجي الأميركي تجنبا لتكرار ما حدث في العراق بعد غزو العراق عام 2003 من فوضى وانقسامات طائفية.

السيناريو المرجح الآخر، هو أن تحاول القوى والمحافظات الخارجة الآن عن سيطرة الحوثيين الإبقاء على سلطاتها في تلك المناطق، وترْك الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين لحالها إلى حين توفر الظروف المناسبة لاستعادتها.

الحوثيون تلقوا ضربات قاصمة لن تقوم لهم بعدها قائمة. كذلك، ما يحدث اليوم يمثل أفضل فرصة أُتيحت لغالبية اليمنيين المتضررين من ممارسات الميليشيات الحوثية للتخلص منها

خطط جديدة أخرى على الطاولة

بعد أن كان وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث قال قبل أسابيع إن بلاده "لا تهتم بما يحدث في الحرب الأهلية اليمنية، وإنما بوقف استهداف ممر مائي حيوي" عادت مصادر عسكرية أميركية إلى التلميح بإمكان أن تشارك الولايات المتحدة بشكل محدود في دعم القوات الحكومية اليمنية لشن هجوم بري على مناطق سيطرة الحوثيين من محاور مختلفة في الغرب والشرق والجنوب والوسط، وذلك بعد أن وصل الجميع تقريبا إلى قناعة بأنه لا بديل عن الهجوم البري لهزيمة الحوثيين وإنهاء سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، ومينائها الرئيس، الحديدة، ومعظم شمال البلاد.

كما أكد مسؤولون عسكريون أميركيون "جاهزية القوات الحكومية اليمنية للقيام بعمل عسكري بري" حتى مع وجود مخاوف لدى هؤلاء المسؤولين من احتمال "عدم وحدة تلك القوات" أو عدم تجانسها في مرحلة ما بعد طرد الحوثيين من مناطق سيطرتهم.

مسؤول عسكري يمني كبير تحدثت إليه، أكد لي من جانبه أن "خطط العمل البري أصبحت جاهزة من قبل قوات الحكومة والمقاومة الشعبية" لمهاجمة الحوثيين من كل الجهات.

رويترز
سفينة تطلق صواريخ على موقع غير معلوم في اليمن، بعد أن أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوجيه ضربات عسكرية ضد الحوثيين في 15 مارس

ويرجح باحث عسكري يمني آخر حسن الاطلاع أن "تبدأ العملية البرية ما بين منتصف ونهاية شهر مايو/أيار المقبل"، أي بعد أن تكون الحملة الجوية الأميركية قد حققت معظم أهدافها في تدمير القدرات العسكرية الأساسية للحوثيين.

وتوقعت مصادر عسكرية أميركية في تصريحات لشبكة "سي إن إن" أن الولايات المتحدة مستعدة لتوسيع حملتها، إذ وصلت قاذفات "بي-2" وطائرات التزويد بالوقود من طراز "كي سي-135" إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي. وأن هذا "قد يُنذر بشن ضربات على أهداف مُحصّنة في اليمن، ولكنه في الوقت نفسه إشارة لإيران" أيضا.

دمرت الغارات الجوية الأميركية حتى الآن أهم التحصينات والمواقع والخنادق التي استحدثها الحوثيون خلال هدنة السنوات الأخيرة الماضية تمهيدا لاجتياح محافظة مأرب النفطية. ومزقت الهجمات الأميركية الحشود التي كانت معدة لذلك، ما قد يؤشر على خطة لتمكين قوات الجيش والمقاومة الشعبية في مأرب للتقدم باتجاه صنعاء من جهة الشرق.

كما فعل الجيش الأميركي الشيء ذاته في مناطق ومواقع الحوثيين في محيط مدينة الحديدة، غربي البلاد لفتح الطريق أمام قوات ما يعرف بقوات "حراس الجمهورية" للتحرك بأمان باتجاه الحديدة.

كيف يرد الحوثيون على ذلك؟

لا تتوقف جماعة الحوثيين عن الإعلان بأن صواريخها البالستية والمجنحة وطائراتها المسيَّرة لا تزال تطال إسرائيل وحتى حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" التي تنطلق منها المقاتلات المتطورة وتقصف الجماعة ليل نهار دون أي مشكلات أو حوادث تذكر.

واقع الأمر أن الحوثيين لا يزالون يدافعون عن أنفسهم والمواقع التي يتحصنون فيها باستماتة واضحة، ولكن ردهم على الضربات الأميركية لا يزال غير مباشر وغير مؤثر، فقد باتوا لا يملكون دفاعات جوية ولا رادارات باستثناء ما تبقى في ترسانتهم من صواريخ ومسيرات غالبا ما يتم اعتراضها وإسقاطها قبل أن تصل إلى أهدافها أو تضل طريقها في الصحارى والبحار.

الحوثيون لا يزالون يدافعون عن أنفسهم والمواقع التي يتحصنون فيها باستماتة واضحة، ولكن ردهم على الضربات الأميركية لا يزال غير مباشر ولا مؤثر، فقد باتوا لا يملكون دفاعات جوية ولا رادارات

تؤكد جماعة الحوثيين أنها قادرة على مواجهة أي عمل عسكري بري محتمل وإن بقدرات أقل مما كانت عليه في السابق، خصوصا بعد الغارات التي "استهدفت تجمعات ميليشياتها وقتلت الكثير من قياداتها الميدانية" وفقا للتصريحات الأميركية.

في حال من التحسب والاحتراز يشدد الحوثيون قبضتهم على أماكن سيطرتهم بفرض نظام مراقبة صارم ورصد دقيق لحركة واتصالات السكان في تلك المناطق والاشتباه في كل شيء يدب على الأرض، خشية أن تتسرب أي معلومات عن قتلاهم وخسائرهم، كما اعتقل الحوثيون الكثير من الأشخاص بمظنة تورطهم في إرسال "إحداثيات" عن بعض المواقع إلى "جهات استخبارية معادية".

تفعل الجماعة ذلك بطريقة لا تخفى معها حالة الارتباك والذعر التي تنتابها هي وأنصارها، وخوفا من الانتقام والثأر في مرحلة ما بعد السقوط التام المحتمل.

ما هي مخاطر التدخل البري؟

تواجه الهجمات الأميركية على مناطق سيطرة الحوثيين انتقادات متزايدة من قبل البعض لكل من الحوثيين بحجة "استدعائهم للحرب مع الأميركيين" وللولايات المتحدة كذلك بسبب "استهدافها لبعض المنشآت المدنية والضحايا من النساء والأطفال والمدنيين الذين لا علاقة لهم بهذا الصراع" غير أن آخرين، وإن أقروا بوقوع أضرار وخسائر للأصول والممتلكات المدنية التي فرض الحوثيون سيطرة عليها، فإنهم لا يرون ضيرا في ذلك "إذا كان الأمر سينتهي بالقضاء على تلك الجماعة".

أ.ف.ب
مبنى متضرر يستخدم لتخزين ألواح الطاقة الشمسية تعرض لضربة جوية أميركية في محافظة صعدة شمال اليمن في 6 أبريل 2025

لكن الأمر لن يخلو من مخاطرة على أي حال إذا تمت محاولة دحر الحوثيين من المدن الرئيسة برا، إذ يتوقع بعض القاطنين في تلك المدن أن الحوثيين لا بد أن يقوموا بتحويل سكانها إلى دروع بشرية لهم.

الأخطر من ذلك في نظر البعض هو أن "تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها اليمنيين في منتصف الطريق قبل تحقيق أهدافهم، وتترك أمر اليمن كله لفراغ سياسي وأمني لا قدرة لأحد ولا جاهزية عند أي طرف لملئه" وذلك بسبب "الخلافات السياسية" و"الطموحات الانفصالية" داخل المعسكر المناوئ للحوثيين.

أيا تكن المسارات المتوقعة والمخاطر المحتملة فإن إجراء عسكريا بريا واسعا، حتى وإن لم يكن وشيكا، إلا أنه أصبح مؤكدا وحتميا، وإن تأخر قليلا أو كثيرا، لكنه في الوقت نفسه قد يكون مباغتا في أي لحظة، وغير متخيل في كل السيناريوهات المتداولة.

font change