التعريفات ستثقل موائد الأميركيين... وغذاؤهم سيكون عسير الهضم

كل دولار من واردات القهوة يولد 43 دولارا لاقتصاد الولايات المتحدة وتساهم في 2.2 مليون وظيفة

فيتو أنسالدي
فيتو أنسالدي

التعريفات ستثقل موائد الأميركيين... وغذاؤهم سيكون عسير الهضم

"لا تكن من حزب الفَزِعين"، عبارة جديدة صاغها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على منصة "تروث سوشال" بعيد إعلانه تعريفاته الجمركية العالمية الشاملة في 2 أبريل/نيسان الماضي، وقال أنها تشير إلى "حزب جديد قائم على الضعفاء والحمقى". لكن من الواضح أنه لاحظ الانهيار في أسواق الأسهم وأراد أن يطمئن الأميركيين إلى أن ذلك ليس إلا خللا موقتا قبل أن تؤتي رؤيته لـ"العظمة" ثمارها على المدى الطويل. بعد ذلك بأسبوع، ضغط على زر الإيقاف الموقت لمدة 90 يوما، ولجأ بدلا من ذلك إلى فرض تعريفات نسبتها 10 في المئة على معظم دول العالم، باستثناء الصين. هناك كثير من الأسئلة التي لم يجب عنها بعد، لكن السؤال الذي يقلق كثيرا من الأميركيين هو ما يعنيه ذلك بالنسبة لقدرتهم على توفير الطعام على موائدهم.

عاد دونالد ترمب إلى السلطة مدعوما بالناخبين الذين اكتووا بارتفاع فواتير البقالة في فترة رئاسة جو بايدن. وتبين تقديرات وزارة الزراعة الأميركية، أن الأسرة المكونة من أربعة أفراد أنفقت 993 دولارا أميركيا شهريا في المتوسط، في مقابل قائمة بقالة "مقتصدة" في مارس/آذار 2025، مقارنة بـ 675 دولارا أميركيا في نهاية ولاية ترمب الأولى.

في 7 يناير/كانون الثاني 2025، الذي يبدو الآن كأنه لا يمت إلى الواقع بصلة، قال الرئيس (المنتخب آنذاك) ترمب في مؤتمر صحافي إنه ملتزم خفض أسعار البقالة، "من الصعب دائما خفض الأسعار بعد ما أفسده الآخرون كما فعلوا، لكننا سنخفضها... وأعتقد أنكم ستشهدون انخفاضا شديدا في أسعار الغذاء، من اللحوم الى التفاح، وكل ما شهدت أسعاره ارتفاعا حادا".

تستورد الولايات المتحدة فواكه بقيمة 27 مليار دولار وخضروات بنحو 20 ملياراً سنوياً، وهي أكبر مستوردي الموز في العالم

لكن معظم المحللين واثقون، بعد إعلان التعريفات الجمركية الواسعة التي في "يوم التحرير"، بأن أسعار معظم السلع لن تشهد تراجعا عما قريب، والغذاء بالتحديد ليس استثناء. ومع أن التعليق الموقت لمدة 90 يوما مهلة سارة، فإن التعريفات لم تلغَ، بل خفضت إلى 10 في المئة. فما الذي يمكن أن يتوقعه الأميركيون وبقية العالم في الأسابيع والأشهر المقبلة؟

التعريفات ستضغط على موائد الأميركيين

سيشعر الأميركيون بتأثير هذه التعريفات على بعض المواد التي يستهلكون كميات كبيرة منها بانتظام، حتى لو بقي مقدارها 10 في المئة. فقد أجرى مركز "بدجت لاب" في جامعة ييل تحليلا للأرقام المعلنة حتى الآن يشمل سنة 2025 بأكملها، بما في ذلك الأرقام التي أعلنت قبل التعليق الموقت في 9 أبريل/نيسان. وخلص إلى أن أسعار المواد الغذائية "ستتأثر على نحو غير متناسب، إذ سترتفع بمقدار 1.6 في المئة نتيجة لسياسة 2 أبريل/نيسان (ما يعادل تقريبا معدل تضخم أسعار البقالة في مؤشر أسعار المستهلكين للعام الماضي) و2.8 في المئة نتيجة كل إجراءات التعريفات الجمركية في سنة 2025. وسترتفع أسعار المنتجات الطازجة بنسبة 2.2 في المئة و4 في المئة على التوالي".

أ.ف.ب.
منتجات القهوة والبن معروضة في أحد متاجر مدينة نيويورك، 8 أبريل 2025

وقبل إعلان "يوم التحرير"، أجرى المركز تحليلا لآثار فرض تعريفات جمركية واسعة بنسبة 20 في المئة، وخلص إلى أن أسعار المواد الغذائية "سترتفع بنسبة 3.7 في المئة، أي نحو ضعف المعدل الأحدث للتضخم في أسعار البقالة". لكن الوضع الحالي الناجم عن فرض تعريفات جمركية عالمية بنسبة 10 في المئة مختلف، لأنه يقترن بتعريفات مرتفعة جدا على الصين، التي تعد أيضا مصدرا لواردات المواد الغذائية للأسر الأميركية.

الأسعار سترتفع حتما... والقهوة في مقدمها

وقال فيل لمبرت، محلل المواد الغذائية ومحرر موقع "سوبرماركت غورو.كوم"، في مقابلة مع قناة "سي بي إس نيوز": "سترتفع الأسعار، لا شك في ذلك". وأشار إلى أن الولايات المتحدة تستورد سنويا ما تبلغ قيمته نحو 27 مليار دولار من الفاكهة و20 مليار دولار من الخضر. والولايات المتحدة من أكبر مستوردي الموز في العالم، وتحصل على 40 في المئة منه من غواتيمالا، التي لم تتغير قيمة تعريفتها الجمركية البالغة 10 في المئة.

إنفوغراف: هل يطلق "يوم التحرير" العنان للتضخم؟

القهوة منتج آخر يستهلكه الأميركيون بانتظام وسترتفع تكلفته عليهم. والدول التي استُهدفت بأعلى التعريفات الجمركية في البداية، من بين الدول العشر الأكبر إنتاجا للبن في العالم، هي فيتنام (46 في المئة) وإندونيسيا (32 في المئة) والهند (26 في المئة). والآن مع التعريفة الجمركية المؤقتة البالغة 10 في المئة، هناك وقت لإعادة التفكير في سلاسل الإمداد، لكن الأسعار سترتفع حتما بالنسبة المئوية المحددة على الأقل. ولن يؤثر ذلك على عادات الاستهلاك اليومية للأميركيين فحسب، بل قد يوجه ضربة قوية للشركات في البلاد، وفقا لـ"الرابطة الوطنية للقهوة".

أ.ف.ب.
"ستاربكس" أميركا يتوجس من ارتفاع أسعار البن المستورد، نيويورك، 11 أبريل 2025

وقال رئيس الجمعية ويليام (بيل) موراي في رد فعل على التعريفات الجمركية: "كل دولار من الواردات ذات الصلة بالقهوة يولد قيمة تبلغ 43 دولارا للاقتصاد الأميركي، وتُساهم القهوة في دعم 2.2 مليون وظيفة في الولايات المتحدة".

التعريفات الجمركية الشاملة ستزيد صعوبة توفير المواد الغذائية على موائد الأميركيين وستضغط على المزارعين الذين سيفقدون أسواق التصدير القيّمة ويواجهون ارتفاع التكاليف

السناتورة آمي كلوبوشار من مينيسوتا، عضوة لجنة الزراعة الديمقراطية في مجلس الشيوخ

عللت الإدارة الأميركية هذه التعريفات الجمركية بأنها ستعزز الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل بتشجيع الإنتاج المحلي. لكن المناخ في الولايات المتحدة غير مؤات لزراعة محاصيل مثل الموز والبن بالجودة وحجم الإنتاج اللذين يطلبهما المستهلكون الأميركيون. وتشمل المواد الأخرى المماثلة الأرز والشوكولاتة والفانيليا وكثيرا من التوابل.

لائحة طويلة من المأكولات والمشروبات المستوردة

ثم هناك مواد البقالة التي تتنافس فيها المنتجات الأميركية الصنع مع تلك الواردة من الخارج. وقد أعد المحللون قائمة طويلة بهذه المواد - المأكولات البحرية والثوم وعصير التفاح والبيرة والنبيذ وبعض أنواع الجبن وغيرها. فهل ستبقى المنتجات المصنوعة محليا في هذه الفئة رخيصة الثمن وتصبح أكثر قدرة على منافسة المواد الواردة من الخارج؟ لا يعتقد الاقتصاديون ذلك، ويشيرون إلى أن المنتجين المحليين قد يجدون فرصة لكسب مزيد من المال وزيادة أسعارهم. وهناك أيضا خطر حدوث نقص لأن الإنتاج المحلي قد لا يكون كافيا لسد نقص العرض في السوق.

أ.ف.ب.
منتجات زراعية في متجر "وول مارت" في روزميد وسط تزايد أخطار كساد التصدير إلى الخارج بسبب ارتفاع الرسوم حول العالم، كاليفورنيا، 11 أبريل 2025

وأعطى جون لاوري، خبير سلاسل الإمداد وتسعير المواد الغذائية في جامعة "نورث إيسترن"، مثال الفراولة. فالولايات المتحدة تستورد نحو 60 في المئة من إجمالي الفراولة المستهلكة في البلاد، لكن هذا العرض ربما ينخفض نتيجة للتعريفات الجمركية. وسيقلل ذلك كثيرا توافر الفراولة في السوق الأميركية ويرفع الأسعار. وإلى جانب ارتفاع الأسعار، ستقل الخيارات المتاحة أمام الأميركيين أيضا. وقال لاوري: "سيكون الأثر الصافي تزايد اعتمادنا على الأصناف الموسمية المنتجة محليا".

الآثار السلبية على الأغذية العالمية

اذا عاد ترمب الى الرسوم التي فرضها بعد اعلان تعليق قراره، فلن يقتصر أثر التعريفات الجمركية على الولايات المتحدة فحسب، وإنما سيشمل منتجي المواد الغذائية أيضا. وسيؤثر ذلك أيضا على بقية العالم. فالمزارعون الأميركيون يحصلون على ما يزيد على 90 في المئة من البوتاس من الخارج، 85 في المئة يرد من كندا. ويستعد كثير من البلدان في العالم لفرض تعريفات جمركية متبادلة، مما يعني أن المزارعين الأميركيين سيحصلون على هوامش ربح متدنية في أسواقهم الخارجية.

إنفوغراف: التعريفات الجمركية تخنق قطاع السيارات الأميركية

وقالت السناتورة آمي كلوبوشار من مينيسوتا، وهي عضوة لجنة الزراعة الديمقراطية الأرفع مستوى في مجلس الشيوخ، إن هذه الضربة المزدوجة ستكون قاسية على كثير من المنتجين في البلاد. "هذه التعريفات الجمركية الشاملة ستزيد صعوبة توفير المواد الغذائية على موائد الأميركيين وستضغط على المزارعين الذين سيفقدون أسواق التصدير القيّمة ويواجهون ارتفاع تكاليف المدخلات".

خسر مؤشر "إنفسكو للأغذية والمشروبات" أكثر من 7 في المئة من قيمته في الأسبوع الأول فقط بعد إعلان "يوم التحرير" في 2 أبريل، واستعاد نصف تلك الخسائر بعد 9 أبريل

ووفقا لوزارة الزراعة الأميركية، توجه 63 في المئة من الصادرات الزراعية الأميركية إلى أسواق في شرق آسيا وأميركا الشمالية بين سنتي 2020 و2024. وتشكل الصين واليابان وكوريا الجنوبية جزءا كبيرا من هذه الأسواق، وقد تأثرت جميعا بمعدلات التعريفات الجمركية المرتفعة قبل تعليقها مؤقتا في 9 أبريل/نيسان. وربما تختار الانتقام بالمثل بعد ثلاثة أشهر.

أ.ف.ب.
أميركيون يشترون خضار في مدينة روزميد، كاليفورنيا 11 أبريل 2025

غير أن معظم قادة العالم لا يزالون يتحركون بحذر، في انتظار انقشاع الغبار. كندا، على سبيل المثال، تدرك أن أمنها الغذائي مرتبط ارتباطا معقدا، عبر قليل من الشركات الكبيرة، بسلاسل الإمداد الأميركية. وقد عرض الاتحاد الأوروبي في البداية اتفاقا لتصفير متبادل للتعريفات الجمركية، لكن الدول الأعضاء وافقت بعد ذلك على تعريفات انتقامية أولية بنسبة 25 في المئة على المواد الغذائية الواردة من الولايات المتحدة مثل اللوز وعصير البرتقال والدواجن وفول الصويا. واستثنى الاتحاد الأوروبي مواد مثل البوربون والنبيذ من تلك القائمة، إذ هدد ترمب بفرض تعريفات مضادة بنسبة 200 في المئة نتيجة لأي إجراء مماثل.

المواد الغذائية الصينية الأكثر تضررا

ربما تكون الصين الدولة التي ستواجه فيها المواد الغذائية الضرر الأشد من حرب تجارية مع الولايات المتحدة. ولا تحاول بكين، التي لم تحصل على مهلة مدتها 90 يوما، تجنب الرد بالمثل، بل على العكس، وقد تأثرت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين من الدواجن والقمح بتعريفات جمركية إجمالية بنسبة 49 في المئة، في حين فُرضت تعريفات على فول الصويا ولحم الخنزير بنسبة 44 في المئة. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: "الضغط والتهديد والابتزاز ليست الطرق الصائبة للتعامل مع الصين. وستحرص الصين بالتأكيد على اتخاذ التدابير اللازمة والحازمة لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة ". وأكد على أن بلاده "ستقاتل حتى النهاية".

مؤشر الأغذية في حالة عدم اليقين

بالعودة إلى الولايات المتحدة، لن يكون المستهلكون من سيشعر بالضائقة فحسب، وإنما سيشعر بذلك كثير من الشركات أيضا. فقد خسر مؤشر "إنفسكو للأغذية والمشروبات" أكثر من 7 في المئة من قيمته في الأسبوع الأول فقط بعد إعلان 2 أبريل/نيسان، واستعاد نصف تلك الخسائر في أعقاب 9 أبريل/نيسان.

ربما تواجه بعض الشركات الكبرى التي تعتمد على واردات المواد الغذائية آثارا شديدة للغاية، مثل ستاربكس وغيرها من شركات تحميص البن. وإذا أعيد فرض التعريفات المرتفعة الابتدائية، فقد تشمل تدابير التكيف تقليل الواردات من فيتنام وتحويلها إلى مصادر أخرى مثل البرازيل، مع أن ذلك يعني حدوث اختلافات في تنوع المنتجات وجودتها. وقال الرئيس التنفيذي لشركة "ستاربكس" المعين حديثا، برايان نيكول، إن الشركة التزمت بتعهدها بعدم رفع الأسعار في سنة 2025، على الرغم من التعريفات الجمركية المفروضة.

سيكون تأثير التعريفات الجمركية حقيقي ومدمر على آلاف الشركات الصغيرة في كل أنحاء البلاد

غرفة التجارة الأميركية

وينتظر أيضا أن تتأثر بشدة المتاجر المتخصصة مثل متاجر البقالة الآسيوية. فبالإضافة إلى الصين وفيتنام وإندونيسيا، أعلن أيضا عن فرض تعريفات جمركية أشد ارتفاعا في البداية على دول آسيوية أخرى مثل الفلبين (17 في المئة). وكثير من متاجر البقالة الآسيوية في أميركا شركات عائلية صغيرة قد لا تكون قادرة على الحفاظ على نموذج أعمالها في ظل هذه الظروف.

المنتجات التي تعلب بالألمنيوم ستتأثر بشدة

وسيتعين على كثير من شركات المواد الغذائية الصغيرة أيضا التعامل مع التعريفات المفروضة على المدخلات الأخرى التي تحتاج إليها. فالألمنيوم من المدخلات الرئيسية لشركات صناعة البيرة في الولايات المتحدة لأنه المكون الأساسي لعلبها. وقد كان تقييم غرفة التجارة الأميركية واضحا للغاية، إذ قالت إن التعريفات الجمركية ستكون ذات "تأثير حقيقي ومدمر على آلاف الشركات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد".

أ.ف.ب.
سيدة تتسوق في "وول مارت كاليفورنيا، في 11 أبريل 2025. ستتأثر "وول مارت"، بصفتها شركة تجزئة كبرى ومستوردًا كبيرا بالرسوم الجمركية، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 70-80% من منتجاتها مستوردة من الصين.

وفي محاولة لرفع الوعي بالتداعيات، جمعت قصصا من الشركات الصغيرة التي ستتأثر في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مات وياندت، المؤسس المشارك لشركة "شوكولاتل سمول باتش تشوكولت" في أتلانتا بولاية جورجيا، الذي قال: "سندفع الآن 10 في المئة إضافية أو أكثر فوق أسعار جميع حبوب الكاكاو المرتفعة أصلا. ولن يؤدي ذلك إلى جلب وظائف زراعة الكاكاو إلى الولايات المتحدة أو تعزيز الصناعة الأميركية – وإنما سيلحق الضرر بصناعيي الشوكولاتة الأميركيين فحسب".

هل سيفي ترمب بتعهده خفض فواتير البقالة؟

لقد شهد العالم دونالد ترمب وهو يقول شيئا في بداية الأسبوع ثم يغير رأيه بشكل جذري بعد بضعة أيام فحسب. فهل تنطوي مهلة الـ 90 يوما على فحص دقيق للآثار المحتملة على الغذاء، لكي يتمكن الرئيس من الوفاء بتعهده في الانتخابات الرئاسية خفض فواتير البقالة؟ وهل تسارع الدول إلى إعادة التفاوض على الشروط، أم تسعى لتحديد تعريفاتها الجمركية لتكون ورقة مساومة؟ يبدو أن المستهلكين الأميركيين سيجدون صعوبة في تقبل حالة عدم اليقين بشأن أسعار المواد الغذائية في الأشهر القليلة المقبلة.

font change

مقالات ذات صلة