"اللواء الثامن"... من التأسيس إلى التفكيك في جنوب سوريا

لا سلاح خارج إطار الدولة بعد الآن في درعا

أ.ف.ب
أ.ف.ب
عناصر من قوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة في الصنمين، بمحافظة درعا الجنوبية، خلال حملة عسكرية واسعة النطاق، في 5 مارس

"اللواء الثامن"... من التأسيس إلى التفكيك في جنوب سوريا

شهدت محافظة درعا، جنوبي سوريا، خلال يومي 10 و11 أبريل/نيسان 2025، تطورات أمنية وعسكرية متسارعة، على خلفية محاولة اغتيال استهدفت القيادي بلال الدروبي، أحد القادة المحليين الموالين للدولة. وقد أسفرت الحادثة عن اشتباكات بين فصائل محلية مسلّحة وقوات حكومية، وسط توتر تمركز بشكل خاص حول "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة، الذي يتخذ من مدينة "بصرى الشام" في ريف درعا معقلا له.

وجاءت هذه التطورات بعد اعتقال الدروبي يوم الخميس، وإطلاق النار عليه من قبل أربعة عناصر يُعتقد بانتمائهم إلى "اللواء الثامن"، حيث وُجهت له اتهامات بحيازة مواد مخدرة، بينها الكبتاغون.

وفي مسعى لاحتواء الأزمة، دخلت إدارة الأمن العام على خط الوساطة، لتتوصل إلى اتفاق مع قيادة "اللواء الثامن"، نصّ على السماح بإقامة حاجز أمني على مدخل المدينة، وتسليم العناصر الأربعة المتهمين بمحاولة الاغتيال. وبموجب الاتفاق، تم الإعلان من قبل المتحدث باسم اللواء محمد سليمان الحوراني يوم 13 أبريل 2025 عن تسليم سلاح اللواء لوزارة الدفاع وتفكيك الفصيل ودمج عناصره في هياكل وزارة الدفاع السورية، كما قام اللواء بتسليم المعتقلين لديه إلى الدولة السورية.

وتأتي هذه التطورات في وقت حساس كان يشهد فيه "اللواء الثامن" ضغوطا متزايدة من قبل الحكومة السورية للاندماج الكامل ضمن تشكيلات الجيش النظامي، وهي مساعٍ كانت تواجه بتحفظات من قبل أحمد العودة الذي كان يشترط الحصول على ضمانات تتعلق بالرتب العسكرية والنطاق الجغرافي لانتشار قواته.

كيف تأسس "اللواء الثامن"؟ أين ينشر؟ ما حجم قوته وعلاقته مع حكومة دمشق؟ ما تداعيات حل نفسه على الجنوب السوري؟

التأسيس والتحولات

تأسس "لواء شباب السنة" عام 2013، وتلقى دعمه حينها من "غرفة تنسيق الدعم المشتركة" (موك)، التي ضمت أجهزة استخبارات في 11 دولة عربية وأجنبية برئاسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). وفي 21 أغسطس/آب 2016، انضم إلى فصيل "شباب السنة" 16 فصيلا عسكريا من الجيش الحر تحت قيادة أحمد العودة.

منذ منتصف عام 2018، ومع الحملة العسكرية الروسية على الجنوب السوري لإرغامه على الدخول في المصالحة مع النظام السوري بدأ ضباط روس بالدخول إلى مدينة بصرى الشام، حيث عُقدت عشرات الجلسات التفاوضية التي اتّسمت بالسرية التامة. لم تقتصر الاجتماعات حينها على "شباب السنة" فقط، بل شارك فيها عدد كبير من القادة المحليين من مختلف التشكيلات العسكرية العاملة في المنطقة. ومع مرور الوقت، بدأت تفاصيل تلك المفاوضات تتسرب تدريجيا، لتظهر إلى العلن اتفاقية التسوية والمصالحة مع فصيل "شباب السنة" الذي تحول بموجب الاتفاق إلى "اللواء الثامن" التابع للفرقة الخامسة ضمن مرتبات جيش النظام السوري مع رعاية روسية.

في تلك الفترة، وُجّهت اتهامات لقائد "شباب السنة" أحمد العودة بـ"الخيانة" وتسليم محافظة درعا للروس وللنظام السوري، إلا أن بعض عناصره وقادته أكدوا أن ما قام به كان بهدف حماية المنطقة وتجنبها ويلات التصعيد العسكري والقصف الروسي، الذي اتبع حينها سياسة "الأرض المحروقة" في عدد من المناطق السورية.

عدد من القادة المحليين أشاروا إلى أن الدور البارز الذي لعبه أحمد العودة في المفاوضات مع الجانب الروسي. ومع نهاية عام 2018، تحول فصيل "شباب السنة" إلى ما بات يُعرف رسميا بـ"اللواء الثامن"، والذي أُعلن تبعيته للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، ليصبح الذراع العسكرية لروسيا في الجنوب السوري. وبدأت عناصره المشاركة في مناورات ومهام عسكرية في الساحل السوري، مؤكدين في حينها أن تلك المهام تندرج ضمن إطار التعاون العسكري مع الجيش السوري، دون الانخراط المباشر في معارك.

مع نهاية عام 2018، تحول فصيل "شباب السنة" إلى ما بات يُعرف رسميا بـ"اللواء الثامن"، والذي أُعلن تبعيته للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، ليصبح الذراع العسكرية لروسيا في الجنوب السوري

امتدت فترات المناوبة لعناصر اللواء إلى نحو 30–40 يوما في معسكرات سلمى والدويركة في ريف اللاذقية، و15–20 يوما في محافظة درعا. وفي 20 يونيو/حزيران 2020، تعرّضت حافلة مبيت تابع للواء الثامن لتفجير قرب بلدة كحيل شرق درعا، أثناء عودته من إحدى تلك المناوبات، ما أسفر عن مقتل تسعة عناصر وإصابة 25 آخرين. وقد تحوّل تشييع الضحايا حينها إلى مظاهرة شهدت هتافات ضد إيران و"حزب الله"، إضافة إلى مطالبات بإسقاط النظام السوري.

وفي نهاية يوليو/تموز من العام ذاته، خرّج "اللواء الثامن" دورة عسكرية حضرها ممثلون عن الشرطة العسكرية الروسية وعدد من القادة المحليين، حيث أقيم عرض عسكري في محيط قلعة بصرى، ورفع فيه العلم الرسمي السوري، فيما ارتدى العناصر زي الجيش السوري. إلا أن المناسبة انتهت بخروج العناصر في مظاهرة تطالب بإسقاط النظام.

كما دفعت روسيا بـ"اللواء" للقتال في البادية السورية ضد تنظيم "داعش"، لكنه توقف عن المشاركة بعد تعرضه لضربات غادرة من الميليشيات الإيرانية، ولم يسجل على اللواء أنه شارك مع النظام السوري في عملياته ضد فصائل المعارضة في الشمال السوري رغم الضغوط التي تعرض لها.

وفي عام 2021، تم تحويل تبعية "اللواء الثامن" من الفيلق الخامس إلى الفرع 265 التابع لشعبة الأمن العسكري التي يديرها لؤي العلي في خطوة اعتبرها خبراء عسكريون جزءا من جهود روسيا لإنهاء وجود أي فصيل محلي مسلح خارج سلطة الدولة السورية، ولمواجهة التمدد الإيراني في الجنوب السوري والمشاركة في جهود مكافحة المخدرات التي كانت تديرها الميليشيات المرتبطة بإيران.

وقبل إعلان اللواء عن حل نفسه تقلص عدد عناصره والذي بات يتراوح بين 300-400 عنصر وبقي محصورا في جغرافيا منطقة بصرى الشام ولم يستطع التمدد في غرب ووسط درعا رغم المحاولات.

علاقة "اللواء الثامن" مع دمشق

بدأت التوترات بين "اللواء الثامن" وغرفة عمليات "ردع العدوان" في يوم 8 ديسمبر/كانون الأول بعد دخول قوات من الجنوب السوري بقيادة أحمد العودة إلى دمشق وانتشاره على كل مؤسسات الدولة في خطوة استباقية لقطع الطريق أمام "ردع العدوان" من دخول دمشق والسيطرة عليها ولكن المشكلة حُلت بعد اجتماع أحمد الشرع بأحمد العودة يوم 11 يناير/كانون الثاني 2025 والاتفاق على انسحاب قوات العودة من دمشق وتسليمها لإدارة "ردع العدوان".

إدارة العمليات العسكرية
العودة كان التقى الشرع بعد فرار الأسد لكنه لم يسلم سلاحه

كان التوتر بين "اللواء الثامن" ووزارة الدفاع السورية يشهد تصاعدا ملحوظا، في ظل استمرار الخلافات بشأن مسألة الاندماج الكامل في صفوف الجيش الجديد. ففي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع، في فبراير/شباط الماضي، 2025 أن نحو مئة فصيل وافقوا على الانضمام إلى الجيش، فإن وقتها كان "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة يتحفظ على الانخراط الكامل، مفضلا الحفاظ على سلطته المحلية.

لم يستطع أحمد العودة خلال الشهور الأربعة الأخيرة أن يبني جبهة قوية لإجبار حكومة دمشق على التنازل لمطالبه بعد أن ساءت علاقة العودة مع فصائل درعا التي أجمعت على ضرورة الالتحاق بدمشق

وفي "مؤتمر النصر" الذي عقد في 29 يناير 2025 الذي جمع قادة الفصائل العسكرية في الجيش الوطني وإدارة "ردع العدوان" ودرعا والذي تغيب فيه أحمد العودة رغم حضور نائبه في المؤتمر في رسالة أظهرت عدم رضا أحمد العودة عن المؤتمر.

واشترط العودة تقديم ضمانات واضحة تتعلق بالرتب العسكرية لأفراده وبالنطاق الجغرافي لعمل قواته، في ظل مخاوف متزايدة من فقدان النفوذ أو التفكك دون مقابل واضح.

ولم يستطع أحمد العودة خلال الشهور الأربعة الأخيرة أن يبني جبهة قوية لإجبار حكومة دمشق على التنازل لمطالبه بعد أن ساءت علاقة العودة مع فصائل درعا التي أجمعت على ضرورة الالتحاق بدمشق كما أن علاقته مع فصائل السويداء لم تكن جيدة لبناء تحالف معها بسبب عمليات الخطف المتبادل قبل سقوط النظام ومهاجمة العودة لمناطق السويداء أكثر من مرة، كما أن علاقة العودة مع حاضنته الاجتماعية في منطقة بصرى الشام لم تكن على ما يرام بعد فرض الإتاوات. أضف لكل ذلك عدم قناعة الكثير من عناصر اللواء بموقف العودة البعيد عن دمشق خصوصا مع التهديدات الإسرائيلية باختراق الجنوب وربطه أمنيا بإسرائيل، كل هذه الأسباب عجلت بقرار حل الفصيل الذي لم يستطع العودة مواجهته.

تداعيات حل "اللواء" على الجنوب

إن قرار "اللواء الثامن" حل نفسه والاندماج ضمن هياكل وزارة الدفاع وتسليم سلاحه وهو الفصيل المعارض لدمشق يؤكد على تنامي دور الأجهزة الأمنية الجديدة(كالأمن العام) في بسط النفوذ بالمناطق التي كانت ساخنة.

أ.ف.ب
مشيعون خلال موكب جنازة ثلاثة أشخاص قتلوا في الغارات الإسرائيلية في مدينة درعا، جنوب سوريا في 18 مارس

فنجاح هذه الأجهزة في دخول بصري الشام وإنهاء التوتر فيها سيشجعها على تطبيق الأسلوب نفسه في بلدات أخرى إذا لزم الأمر. وربما يشهد الجنوب السوري خلال الفترة المقبلة سلسلة من عمليات التسوية الجديدةبرعاية الدولة، تضبط حالة الفلتان الأمني. ولا شك أن بعض عناصر الفصائل الجنوبيةسيحاولون التكيف مع الواقع الجديد حفاظا على بقائهم؛ كما حصل مع مجموعات أحمد العودة التي سارعت لتسليم سلاحها وحل نفسها وإعلان ولائها للدولة أثناء الأزمة.

على الجانب الآخر، قد يختار قلة من المتشددين مواجهة هذا المسار، لكن موقفهم سيكون ضعيفا دون حاضنة شعبية أو دعم لوجستي خارجي غير متاح حاليا.

باختصار، شكلت تطورات 10-11 أبريل/نيسان 2025 جرس إنذارلبقايا الفصائل المسلحة في الجنوب السوري. الرسالة الواضحة هي أنه لا سلاح خارج إطار الدولة بعد الآنفي درعا، وأن أي قوة محلية لن يُسمح لها بتقويض الاستقرار الذي تسعى الحكومة لفرضه، خاصة مع التغيرات السياسية والعسكرية على المستوى الوطني.

وقد يؤدي هذا المنحى إلى استقرار أمني نسبي في المحافظة إذا ما تم استيعاب المقاتلين السابقين وترتيب أوضاعهم، لكنه أيضا يطوي صفحة من نفوذ قادة محليين مثل أحمد العودة ممن لعبوا لسنوات على هامش المنطقة الرمادية بين المعارضة والموالاة.

وهكذا سيكون مستقبل الفصائل المسلحة في الجنوب امتدادا لمسار هذه الأحداث: تفكيك الكيانات العسكرية المستقلة وتوحيد القرار الأمني بيد الدولة، في مشهد جديد قد ينهي عقدا من تعدد القوى في درعا والسويداء وهو ما يعني إضعاف قدرة العامل الإسرائيلي على التغلغل في الجنوب خصوصا مع وجود قوات ممانعة من أبناء المنطقة نفسها.

font change