ترمب وخامنئي... و"شراء الوقت"

خامنئي اليوم في موقف أعقد من موقف الخميني في 1988، عندما تجرع "كأس السم"

ترمب وخامنئي... و"شراء الوقت"

لا خلاف أن المفاوضات الأميركية–الإيرانية في مسقط ثم في روما، مختلفة هذه المرة عن سابقاتها. وأكثر من يعرف هذا الاختلاف هو "المرشد" علي خامنئي.

يعرف خامنئي أن "أميركا-ترمب" ليست "أميركا-أوباما"، وعالم 2025 يختلف عن عالم 2015، والأهم أن إيران الحالية ليست ذاتها التي كانت قبل عشر سنوات عندما كانت ميليشياتها تخترق الحدود ويقيم وكلاؤها في عواصم عربية تحت مظلة التفاهمات والاختبارات الأميركية-الإيرانية.

خامنئي اليوم في موقف أعقد من موقف سلفه الخميني في 1988، عندما تجرع "كأس السم" وقبِل بشروط وقف النار للحرب مع العراق وتخلى عن طموحاته بـ"وأد الفتنة في العالم".

في 2015، كان في البيت الأبيض رئيس هو باراك أوباما أوكل المهمة إلى فريق مفاوض منحاز إلى مقاربة "المرشد" في الشرق الأوسط. المقاربة كانت أن إيران تتقدم استراتيجياً ولا خيار سوى وقف انهيار حلفاء أميركا.

كانت إيران منغمسة في الدم السوري وفي دعم الفصائل الفلسطينية و"الحشد" العراقي، وأوكلت لـ"حزب الله" مهمة مد النفوذ الإيراني في لبنان والإقليم. قبِل أوباما بفصل الملف النووي عن النفوذ الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية ووقّع اتفاق 2015. هذا الاتفاق وهذا الفصل أغضبا حلفاء أميركا وأرضيا طهران ووكلاءها وفتحا الباب واسعا لمزيد من التوغل الإيراني وسطوع "الهلال".

بدايات الانقلاب جاءت في عهد "ترمب الأول". مزق الاتفاق النووي في 2018 وفرض سياسة "الضغط الأقصى" على طهران وعقوبات صارمة قطعت شرايين وكلاء إيران في دمشق وبيروت وصنعاء، وأمر باغتيال قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، في بغداد عام 2020.

اشترى "المرشد" الوقت بالصفقات والاختبارات في الشرق الأوسط إلى حين خروح ترمب من البيت الأبيض. وفي عهد جو بايدن واصلت إيران مد نفوذها الإقليمي وزادت من تخصيبها لليورانيوم إلى حافة القنبلة النووية، لكنها أصيبت بصدمتين: الأولى، الفشل في العودة إلى الاتفاق النووي مع بايدن بشروط أفضل. الثانية، أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول في غلاف غزة في 2023.

مفاوض ترمب مع إيران هو ستيف ويتكوف ليس من طينة روبرت مالي، مفاوض أوباما. الأهم، أن ترمب سلّح تاجر العقارات، بالذخيرة التفاوضية

تغيرت المنطقة كثيرا منذ 7 أكتوبر. انقلاب جيوسياسي كبير، إيران هي الخاسر الأكبر فيه. خسرت بشار الأسد في دمشق وحسن نصرالله في بيروت وقادة "حماس" في غزة. تلقت ضربات هي الأشد منذ 45 سنة. 
وعندما وصل ترمب إلى البيت الأبيض بداية العام الجاري، وجد الشرق الأوسط مختلفا عن ذلك الذي تركه، وجده كما كان يريد أن يراه. وكان واضحا أنه يريد ثلاث صفقات: أوكرانيا، غزة، إيران.
بعث رسالة خطية إلى خامنئي تضعه بين خيارين: اتفاق يتناول البرنامج النووي والدور الإقليمي والمخزون الصاروخي خلال 60 يوما، أو أن "أبواب جهنم" ستفتح في طهران. 
مفاوض ترمب مع إيران هو ستيف ويتكوف، ليس من طينة روبرت مالي مفاوض أوباما. الأهم، أن ترمب سلّح تاجر العقارات، بالذخيرة التفاوضية، نكسات كبيرة أصابت إيران في الداخل والخارج، عززها بغارات وضغوطات على ما تبقى من وكلائها في بغداد وصنعاء وبإرسال معدات عسكرية إلى المنطقة وقاذفات استراتيجية إلى مناطق قريبة. 

ما كان أمام خامنئي سوى قبول المفاوضات تحت النار. أرسل وزير خارجيته عباس عراقجي إلى مسقط للتفاوض مع ويتكوف وسيرسله أيضا إلى روما. وبعيدا عن التصريحات الإعلامية الإيرانية، يعرف أن لحظة القرارات الكبرى اقتربت، كما حصل مع الخميني في 1988. 
ما يعرفه خامنئي أيضا، أن الرسائل التي وصلته من مستشاريه لقبول المفاوضات تختلف عن الرسائل التي جاءته في 2002 وحضته على تجرع "كأس السم" وتقديم تنازلات لمعالجة المشاكل الاقتصادية والسياسية في الداخل والخارج.
في منتصف 2002، كان بإمكان خامنئي تأجيل القرارات المؤلمة، لأنه كان يراهن على أزمة إقليمية كبرى كانت تلوح في الأفق. بالفعل، الغزو الأميركي للعراق في 2003 أزال صدام حسين ونظامه، فحولت إيران حلفاءها إلى وكلاء وأحدثت الانقلاب الكبير... وكانت ولادة "الهلال الإيراني". 
لا شك أن خامنئي يقرأ تقارير مستشاريه الآتية من دمشق وبيروت وغزة وصنعاء وبغداد عن أحوال "الهلال"، ويعرف أن ما تبقى منه ومصير البرنامجين النووي والصاروخي والوضع الاقتصادي، ممددة على طاولة ويتكوف-عراقجي. ويعرف أيضا أن ترمب لا يحب "شراء الوقت". 

font change