التعريفات الأميركية تستنفر الخليج للتحوط في استثماراته السيادية

دول مجلس التعاون تتحسب لشبح الركود وتراجع الطلب الصيني للنفط

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
متداول يرصد مؤشرات الأسهم في سوق دبي المالي، على ايقاع التعريفات الجمركية في 7 أبريل 2025.

التعريفات الأميركية تستنفر الخليج للتحوط في استثماراته السيادية

هل ستتأثر دول الخليج اقتصاديا بقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع التعريفات الجمركية؟ حظيت دول الخليج بتعرفة 10 في المئة على صادراتها إلى الولايات المتحدة، كما أعفيت واردات النفط من التعريفة، وهذا يعني أيضا كندا والمكسيك وعددا من دول أميركا اللاتينية المصدرة للنفط. ويتضح من ذلك الإعفاء اهتماما بعدم رفع أسعار الوقود والمنتجات النفطية على المستهلك الأميركي والمنشآت الصناعية.

وتثار تساؤلات في المنطقة عن مدى تأثير هذه التعريفات على دول الخليج اقتصاديا، وهل يمكن أن تحدث أضرارا بالغة على الإيرادات السيادية. وتعطل المشاريع التنموية؟

تتعامل دول الخليج مع الولايات المتحدة منذ توقيع عقود الامتياز النفطي في ثلاثينات القرن الماضي، وفي طبيعة الحال تعتمد الدولار كمرجع لأسعار صرف عملاتها الوطنية أمام العملات الأخرى، ما عدا الكويت التي توظف سلة من العملات الرئيسة لتحديد سعر الصرف للدينار الكويتي في حين يظل الدولار أهم العملات وزنا في تلك السلة الافتراضية. كذلك فإن إيرادات النفط مقومة بالدولار.

صادرات دول الخليج إلى الولايات المتحدة محدودة، لم تتجاوز 25 مليار دولار في عام 2024. في مقابل واردات أميركية بلغت قيمتها 50 مليار دولار 

لا بد من الإشارة الى أن صادرات دول الخليج إلى الولايات المتحدة تظل محدودة قياسا بقيمة الصادرات العالمية إلى تلك البلاد، حيث لم تتجاوز 25 مليار دولار في عام 2024. في المقابل فإن الصادرات الأميركية إلى دول الخليج أكبر بكثير من وارداتها منها، وبلغت قيمتها في العام المنصرم 50 مليار دولار، بما يعني أن هناك فائضا في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة ودول الخليج لصالح الولايات المتحدة بمقدار 25 مليار دولار في عام 2024. أيضا، هناك تحولات مهمة في تجارة النفط لدول الخليج التي أصبحت منذ عقود تتجه إلى الشرق، أي للدول الآسيوية خصوصا الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وعددا آخر من الدول.

استوردت الولايات المتحدة من السعودية والإمارات والكويت خلال عام 2024 ما يعادل 122 مليون برميل من النفط في عام 2024، أو 335 ألف برميل يوميا، كمعدل يومي. تؤكد هذه البيانات مدى محدودية العلاقات التجارية بين الجانبين وأهمية الشركاء التجاريين الآخرين مثل الصين وكوريا والهند وآسيا بشكل عام لتجارة دول الخليج. ربما تكمن أهمية الولايات المتحدة لدول المنطقة كونها ملاذا للاستثمار حيث تبقى الولايات المتحدة أهم وعاء استثماري للصناديق السيادية والعديد من المؤسسات الاستثمارية الخليجية.

الأهم التحوط لاستثمارات الصناديق السيادية

تملك دول الخليج صناديق سيادية تأسست منذ أن توفرت لها إيرادات من مبيعات النفط وفاضت على استحقاقات الإنفاق العام، الجاري والاستثماري. وخلال القمة الخليجية التي عقدت في الكويت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، أفاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي بأن القيمة المالية للصناديق السيادية الخليجية تزيد على أربعة تريليونات دولار، وتوظف إدارات الصناديق أموالا طائلة في أصول داخل الولايات المتحدة ربما تصل إلى 50 في المئة من قيمتها.

.أ.ف.ب .أ.ف.ب
انخفاض مؤشر الأسواق الخليجية، مدينة الكويت، 7 أبريل 2025

لذا لا بد من التحوط لما يجري في الأسواق المالية الأميركية وغيرها من أسواق مالية، أوروبية أو آسيوية، ورصد مدى تأثرها بما تم اتخاذه من قرارات في شأن التعريفات الجمركية ومدى تأثر الاقتصادات المختلفة. في طبيعة الحال، عندما هبطت مؤشرات الأسهم في مختلف البورصات العالمية، أصيب الكثير من المستثمرين والمضاربين بالهلع وقاموا بتسييل أصول عديدة. ليس من الحصافة تسييل الأصول في هذه الأزمات الطارئة، لذلك فإن من المتوقع استمرار الصناديق السيادية الخليجية بتملك الأسهم والسندات في الولايات المتحدة وخارجها. لكن يتعين التفكير بعناية وتعمق بكيفية تطوير أداء هذه الصناديق وتمكينها من تعزيز الاستدامة المالية في دول المنطقة عندما تتراجع إيراداتها النفطية خلال السنوات المقبلة. ربما تتغير القرارات ذات الصلة أو تدفع تأثيرات التعريفات الجمركية إلى مراجعات بفعل ما سيحدث للاقتصاد الأميركي مثل التضخم واستمرار السياسة النقدية المتحفظة أو ارتفاع معدلات البطالة.

توقعات الأسواق للأسهم والسندات

يأمل الرئيس الأميركي أن تؤدي قراراته في شأن التعريفات الجمركية لدفع الشركات الصناعية لإقامة المصانع في الولايات المتحدة وتوفير فرص العمل للأميركيين، خصوصا في الولايات المعروفة بـ"ولاية حزام الصدأ" (Rust Belt States) التي غالبا تكون من الولايات المتعاطفة مع الحزب الجمهوري. لكن، حتى لو افترضنا تحقق هذه الامال وزيادة الاستثمار في الصناعات المقيمة في الولايات المتحدة فإن ذلك سوف سيستغرق وقتا قد يتجاوز فترة حكم ترمب.

عموما لن تستثمر الصناديق السيادية الخليجية مباشرة في الصناعات الأميركية، وهي تستثمر من خلال الأدوات الثانوية، أي أسهم حقوق الملكية أو الاستثمارات المسعرة في الأسواق المالية وكذلك السندات الحكومية. لكن هناك قلقا من الأوساط الرسمية في دول الخليج من أن تؤدي التعريفات الجمركية على الدول الأخرى إلى تراجع الأداء الاقتصادي، ومن ثم حدوث ركود في ظل التضخم وما يطلق عليه التضخمي الركود (Stagflation) كما حدث في عقد الثمانينات من القرن الماضي.

لا شك أن مثل هذا الاحتمال قد يعصف بالأسواق المالية ويضغط على أسعار الاستثمارات المسعرة، كالأسهم والسندات، بما يعرض الصناديق السيادية لأخطار مهمة. كيف يمكن التحوط واستقرار الأوضاع الاستثمارية من دون تسييل الأصول في أوقات صعبة؟ يتطلب الأمر وضع استراتيجيات ملائمة وإدارة الأخطار بحكمة.

معضلة دول الخليج مع تعريفات ترمب ليست مباشرة، ولكنها تتمثل في الهواجس من تراجع الطلب على النفط بفعل الركود المحتمل في الدول المستهلكة له، ولا سيما الصين

في الخلاصة، فإن معضلة دول الخليج مع تعريفات ترمب ليست مباشرة، ولكنها تتمثل في الهواجس من تراجع الطلب على النفط بفعل الركود المحتمل في الدول المستهلكة له. وستكون الصين بعد استعار أوار حربها التجارية مع الولايات المتحدة، معرضة للركود بفعل تراجع الصادرات حيث تمثل السوق الأميركية أهم أسواقها التصديرية.

وتعاني الصين من مشكلات اقتصادية منذ فترة ليست قصيرة، وتأتي حرب التعريفات الجمركية لتزيد تلك المعاناة. بلغ معدل استيراد الصين من النفط 11.1 مليون برميل يوميا في عام 2024 متراجعا عن معدله في عام 2023 عندما بلغ 11.3 مليون برميل يوميا.

أبرز الدول المصدرة للنفط الى الصين

كانت أهم الدول المصدرة للنفط إلى الصين في عام 2024 هي روسيا، 803 آلاف برميل يوميا، ثم السعودية 568 ألف برميل يوميا، وماليزيا 507 آلاف برميل، والعراق 453 ألف برميل، وعمان 301 ألف برميل، والامارات 263 ألف برميل يوميا، والبرازيل 262 ألف برميل، والكويت 114 ألف برميل، وقطر 73 ألف برميل يوميا.

رويترز رويترز
مصفاة نفط تابعة للشركة "أرامكو" في رأس تنورة، شرق السعودية، 21 مايو 2018

يتضح من هذه البيانات أن قائمة المصدرين للنفط إلى الصين متنوعة جغرافيا في حين تصل صادرات الدول الخليجية إلى 1.3 مليون برميل يوميا تمثل 12 في المئة من واردات الصين النفطية الإجمالية اليومية في عام 2024.

ارتفاع الصادرات السعودية الى الصين

هناك مؤشرات إيجابية في العلاقات الخليجية الصينية، وتؤكد البيانات أن صادرات السعودية غير النفطية ارتفعت بنسب عالية خلال السنوات الأخيرة وبلغت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي 980 مليون دولار وبنسبة نمو 70 في المئة مقارنة بشهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2024. تشمل الصادرات غير النفطية المنتجات البلاستيكية والمواد الكيميائية ومعدات النفط. يعني ذلك أن هناك إمكانات لتنويع الصادرات الخليجية لدول عدة، وتظل الصين من أهم الأسواق التصديرية لبلدان الخليج. لا يعني ذلك تقليل حدة الأزمة التي نتجت من التعريفات الجمركية الأميركية وردود الفعل عليها، ولكن لا بد أن تستوعب الدول والأسواق المالية التأثيرات خلال الأشهر المقبلة. كما أن بنية الاقتصاد العالمي وحيوية الاقتصاد الأميركي لا بد أن تدفعا الاقتصادات الخليجية على التكيف وتطوير القدرات الاقتصادية البديلة.

font change

مقالات ذات صلة