كأس السم الثانية

قد تلجأ إيران إلى التخريب في حال تعثرت المفاوضات

كأس السم الثانية

تختلف المفاوضات الأميركية-الإيرانية اليوم، والتي تجري في سلطنة عُمان عن سابقاتها التي جرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما في المكان نفسه.

المفاوضات اليوم ليست سرية، ودونالد ترمب الذي يكره الحروب، سبق وأعطى إيران مهلة شهرين في رسالة بعث بها إلى طهران، عارضا إجراء مفاوضات، وملوحا بعمل عسكري في حال عدم التوصل إلى اتفاق.

كل شيء يبدو مختلفا عن المفاوضات السابقة، لقد تجرعت طهران كؤوسا من السم، منذ انسحاب ترمب في ولايته الأولى من الاتفاق النووي، ولم يتمكن خلَفه جو بايدن، من العودة إلى ذلك الاتفاق المشؤوم رغم محاولاته الحثيثة.

بعد "طوفان الأقصى" لم تعد المنطقة على ما كانت عليه قبله، هذا اليوم الذي توهمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنه بداية "تحرير فلسطين" كان في الحقيقة بداية نهاية "محور الممانعة".

التقط بنيامين نتنياهو تلك اللحظة بدهاء وخبث شديدين، تهرب من مشاكله الداخلية، وحصل على الضوء الأخضر، لمحاربة جميع خصومه، ودفعت غزة والقضية الفلسطينية ثمن تلك المغامرة الخرقاء، وأصبح السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مبررا يستخدمه نتنياهو في كل زمان ومكان، ليشن حروبه على كل من يرى فيه، ليس تهديدا لأمن إسرائيل فحسب، بل أي قوة قد تصبح يوما خطرا أو عامل ردع لمشاريع تل أبيب التوسعية.

خسرت "حماس" وخسر "حزب الله" واغتيلت معظم قياداته، بمن فيهم أمينه العام حسن نصرالله. سقط بشار الأسد، وانتهى بسقوطه حلم الجمهورية الإسلامية في إيران، بالسيطرة على دول المشرق العربي. وها هي ميليشيات "الحشد الشعبي" تتقوقع داخل العراق وقد "تذوب" تدريجيا. الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، مات في ظروف غامضة، يعتقد أنها عملية اغتيال له ولوزير خارجيته داخل إيران، كذلك رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية تم اغتياله، وهو في ضيافة طهران.

فهم قادة إيران أو بعضهم أن النظام برمته صار مهددا، ورأى المرشد الخطر الذي يحدق بنظامه، هو لم يعد قادرا على شن الحروب باستخدام أذرعه في المنطقة، والحرب داخل بلاده ليست بمقدوره لا اقتصاديا ولا عسكريا ولا سياسيا.

واشنطن أدركت أن ميليشيات إيران ليست خطرا على أمن الدول العربية فقط، وها هي تشارك في ضرب إحدى هذه الميليشيات (الحوثي) في اليمن بعد الخسائر التي منيت بها التجارة العالمية

يقول وزير الخارجية عباس عراقجي، إن الملف النووي هو موضوع التفاوض الوحيد بين الطرفين، ولكن طاولة المفاوضات، وإن لم يتغير مكانها في عُمان فإن مفاوضات 2025 ليست كمفاوضات 2015.

التفاوض اليوم هو مع دونالد ترمب الذي ألغى في عام 2018 اتفاق 2015، الذي كان قد توصل فيه باراك أوباما إلى اتفاق مع طهران، بعد أن فاوضها سرا، ضاربا بعرض الحائط أمن ومصالح جميع دول المنطقة، بما في ذلك حليف واشنطن الأقرب تل أبيب.

اليوم واشنطن أدركت أن ميليشيات إيران ليست خطرا على أمن الدول العربية فقط، وها هي تشارك في ضرب إحدى هذه الميليشيات (الحوثي) في اليمن بعد الخسائر التي منيت بها التجارة العالمية، بسبب هذه الميليشيا الإرهابية الموالية لإيران.

ويبقى السؤال: إلى أي مدى فهم خامنئي أن لا سبيل أمام نظامه إلا العودة إلى داخل حدود إيران، وأن العالم لن يرضى بإيران نووية، بعد كل ما حصل؟

لا يبدو الأمر بهذه البساطة فحلم "الإمبراطورية" لا يزال يدغدغ عقل ومشاعر خامنئي، وخصوصا إذا ما صحت المعلومات عن تمرد جديد، تحضّر له قيادات من نظام الأسد الساقط، بالتعاون من بقايا "حزب الله" في لبنان، فقد تلجأ إيران إلى التخريب كعادتها، في حال تعثرت مفاوضات عُمان.

font change