إيلون ماسك... إلى متى يعيش مع ترمب "على قمة جبل واحد"؟

كثيرون في واشنطن يعتقدون أن صداقتهما ستنتهي بالفشل

ناش ويراسيكيرا
ناش ويراسيكيرا

إيلون ماسك... إلى متى يعيش مع ترمب "على قمة جبل واحد"؟

لعل تحول رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك، من أحد أشد منتقدي دونالد ترمب ومؤهلاته السياسية، إلى أحد أبرز المدافعين عنه، من أبرز التقلبات السياسية اللافتة في الذاكرة الأميركية الحديثة.

فحتى وقت قريب، كان ماسك، المولود في جنوب أفريقيا، والبالغ من العمر اليوم 53 عاما، يعطي الانطباع بأنه لا يكن الكثير من الاحترام لترمب. وقبل فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، انتقد ماسك ترشح ترمب علنا، واصفا إياه بأنه "ليس الرجل المناسب"، مؤكدا أنه يفتقر إلى "الشخصية التي تعكس صورة لائقة" عن الرئاسة الأميركية.

لكن منذ ذلك الحين، تغيرت توجهات ماسك السياسية بشكل لافت نحو اليمين، لا سيما بعد استحواذه على منصة "تويتر" عام 2022، والتي أعاد تسميتها لاحقا بـ"X"، واستخدمها للترويج لأجندة ذات طابع يميني محافظ بشكل متزايد.

وقد دفعه هذا التحول إلى قلب إدارة ترمب الجديدة، حيث وجد نفسه يتمتع بصفة "موظف حكومي خاص" وهي تسمية دأب الرؤساء الأميركيون على استخدامها، لإشراك خبراء من خارج الحكومة في الشأن العام، دون أن يُطلب منهم التخلي عن مواقعهم في القطاع الخاص.

ورغم تأكيد الإدارة الجديدة، أن ماسك قد عُين مستشارا للرئيس فحسب، وليس موظفا فيدراليا رسميا، فقد أوكل إلى رجل الأعمال واسع النفوذ، مسؤولية الإشراف على إدارة الكفاءة الحكومية (DOGE) التي أُنشئت حديثا، وعُهد إليها بإجراء إصلاح شامل وعميق لجهاز الحكومة الفيدرالية.

وفي تصريح أدلى به في منتصف أبريل/نيسان، تباهى ماسك بأن خطته لخفض الإنفاق الحكومي، ستوفر على دافعي الضرائب الأميركيين ما يقرب من 150 مليار دولار بحلول عام 2026، من خلال تقليص "الهدر والاحتيال".

وقد تجلى الدور المحوري لماسك في إدارة ترمب بشكل لافت، خلال الجدل الدولي الذي أثاره قرار الرئيس الأميركي الأحادي في أبريل، بفرض رسوم جمركية، واسعة النطاق على الدول التي اعتُبرت مستفيدة بشكل غير عادل من التجارة مع الولايات المتحدة.

فبصفته رجل أعمال تمتد مصالحه التجارية عبر العالم، بما في ذلك الصين، وهي أكثر الدول تضررا من سياسة ترمب الجمركية، كان من الطبيعي أن تتضارب مشاعر ماسك تجاه هذه السياسة مع الآخرين، وبلغ به الأمر حد الدخول في شجار علني مع بيتر نافارو، المستشار التجاري المخضرم لترمب، وأحد أبرز المدافعين عن سياسة الرسوم الجمركية.

بعد أن تسببت تصريحات ترمب، بشأن فرض الرسوم في اضطراب واسع في الأسواق العالمية، لم يرَ ماسك حرجا في مهاجمة بيتر نافارو، ونعته بـ"الأحمق". وقد جاءت تعليقات ماسك ردا على تصريحات مهينة أدلى بها نافارو بحقه

فبعد أن تسببت تصريحات ترمب، بشأن فرض الرسوم في اضطراب واسع في الأسواق العالمية، لم يرَ ماسك حرجا في مهاجمة نافارو، ونعته بـ"الأحمق". وقد جاءت تعليقات ماسك ردا على تصريحات مهينة أدلى بها نافارو بحقه، إثر دعوة ماسك الولايات المتحدة، إلى تبني سياسة "صفر رسوم جمركية" في تعاملاتها التجارية مع أوروبا.

وكان نافارو، المعروف بمطالبته القديمة، بفرض رسوم جمركية كوسيلة لإصلاح الخلل في الميزان التجاري الأميركي، قد سخر من ماسك، صاحب العلاقات التجارية الواسعة في أوروبا، ووصفه بأنه ليس سوى "مجمع سيارات" يعتمد بشكل كبير على استيراد قطع مركباته الأساسية من الخارج، وهو ما يجعله من أكثر المتضررين من سياسة ترمب الجمركية.

لم يتأخر رد ماسك، الذي لجأ إلى منصة "X" ليقول: "إن نافارو أحمق بحق، وما يقوله هنا كذب صُراح، فـ(تسلا) تنتج أكثر السيارات الأميركية صنعا. أما نافارو فأغبى من كيس من الطوب".

.أ.ف.ب
إيلون ماسك مع أبنه، بجانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي، واشنطن 11 فبراير 2025

وقد استدعى هذا السجال العلني بين اثنين من أبرز وجوه إدارة ترمب، تدخلا من المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، التي علقت بقولها: "من الواضح أنهما شخصان لديهما رؤى متباينة للغاية بشأن التجارة والتعريفات الجمركية. هذه طبائع الرجال، فدعونا نتركهم يتجادلون كما يشاءون".

ويُنسب إلى ماسك ومؤيديه داخل الإدارة الدور الرئيس في إقناع ترمب بتعليق معظم الرسوم الجمركية، ما خلا تلك الموجهة ضد الصين، وذلك بعد أن تسببت الخطوة في تراجع حاد في أسواق المال، مما أثار مخاوف من آثار عكسية محتملة على المصالح الأميركية. وقد أعاد قرار ترمب هذا البسمة إلى وجه ماسك، إذ شهدت ثروته ارتفاعا مفاجئا بقيمة 36 مليار دولار بين عشية وضحاها، مع ارتفاع أسهم شركات مثل "تسلا".

من أبرز بواعث القلق المرتبطة بمنصب ماسك في البيت الأبيض، غياب أي مؤشرات على حصوله على استثناء قانوني من تضارب المصالح، ما يثير تساؤلات جدية حول احتمال استغلاله موقعه لتعزيز مصالحه التجارية الهائلة

ومن غير المستغرب أن يكون تعيين ماسك في منصب رفيع كهذا، داخل إدارة ترمب الجديدة مثارا للجدل، فسرعان ما بدأت تروج شائعات حول نيته الاستقالة، وهي شائعات سارع البيت الأبيض إلى نفيها. ورغم ذلك، أصر عشرات النواب الديمقراطيين في مجلس النواب على ضرورة إنهاء ماسك لمهامه بحلول نهاية مايو/أيار، مذكرين بأن القانون يحدد مدة عمل "الموظف الحكومي الخاص" بـ130 يوما فقط.

ومن أبرز بواعث القلق المرتبطة بمنصب ماسك في البيت الأبيض، غياب أي مؤشرات على حصوله على استثناء قانوني من تضارب المصالح، ما يثير تساؤلات جدية حول احتمال استغلاله موقعه لتعزيز مصالحه التجارية الهائلة. على أن ليفيت أكدت لشبكة "NBC" أن ماسك "تعهد ببساطة بتجنب أي تضارب محتمل في المصالح"، وأضافت أنه "يلتزم بجميع القوانين المعمول بها، مثله في ذلك مثل جميع الموظفين الحكوميين الخاصين الذين عينهم ترمب".

سوى أن هذه المخاوف من تضارب المصالح، تزايدت يوما إثر يوم، مع بدء خدمة الإنترنت الفضائي (ستارلينك)، التي يديرها ماسك، في العمل داخل البيت الأبيض، واستمرار وجود ماسك في قلب الإدارة الأميركية. وقد اضطر ترمب نفسه، إلى التدخل لتوضيح أن ماسك لن تُعرض عليه أي خطط لشن حرب محتملة مع الصين، نظرا لتورطه الواسع في مشاريع تجارية هناك، وقال صراحة: "إيلون لديه أعمال في الصين، وقد يكون معرضا للتأثر بذلك".

وفي مؤشر آخر على التوترات المحيطة بدور ماسك، رفضت سوزي وايلز، رئيسة موظفي ترمب المعروفة بتحفظها، منحه مكتبا في الجناح الغربي، ربما تفاديا لما قد تثيره هذه الخطوة من انتقادات. ورغم ضغوط ماسك الشديدة للحصول على هذا الامتياز الرمزي، فقد تم تثبيت مقر فريقه التابع لإدارة الكفاءة الحكومية في مبنى المكتب التنفيذي أيزنهاور، الواقع على الجانب الآخر من شارع بنسلفانيا قبالة البيت الأبيض.

وبالنظر إلى الطبيعة الجدلية المعروفة لكل من ترمب وماسك، فلن يكون مستغربا أن نقول إن علاقتهما لم تكن سلسة على الدوام، بل إن بين الرجلين تاريخا من المودة المفقودة. ففي يوليو/تموز 2022، غرد ماسك قائلا: "أنا لا أكره الرجل، ولكن حان الوقت ليرفع ترمب قبعته، ويبحر إلى غروب الشمس"، وذلك ردا على تصريحات ترمب التي وصف فيها ماسك بالكاذب. بل إن ترمب صرح أمام حشد انتخابي في ألاسكا أن "إيلون لن يشتري تويتر". غير أن ماسك أتم الصفقة بعد أشهر قليلة، ولم يكتفِ بذلك، بل أعلن لاحقا دعمه لغريم ترمب الجمهوري البارز، رون ديسانتيس.

وكان ماسك، الذي نال الجنسية الأميركية في عام 2002، قد صرح بأنه صوت لصالح الديمقراطيين على مدى عقود. غير أن خلافاته مع الرئيس جو بايدن بدأت تتصاعد، خاصة فيما يتعلق بالنقابات، حيث يعارض ماسك جهود تنظيم عمال "تسلا"، إضافة إلى استبعاده من قمة البيت الأبيض للسيارات الكهربائية عام 2021، على الرغم من أن شركته تُعد من أكبر مصنعي السيارات الكهربائية في العالم.

وخلال ولاية بايدن، واجهت شركات ماسك عدة تحقيقات فيدرالية حول ممارسات التوظيف، واستحواذه على "تويتر"، فضلا عن مزاعم تتعلق بقدرات القيادة الذاتية في سيارات "تسلا". وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قال ماسك: "إنه لن يصوت لصالح بايدن مجددا، لكنه في الوقت نفسه لم يمنح دعمه لترمب، مؤكدا أن الخيار هنا صعب بلا شك".

بدأ ماسك تدريجيا يميل إلى تبني سياسات ترمب، ولا سيما تلك المتعلقة بالهجرة والجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك

لقد بدأ ماسك تدريجيا يميل إلى تبني سياسات ترمب، ولا سيما تلك المتعلقة بالهجرة والجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك. وقد كتب في منشور له: "نحن بحاجة فعلية إلى جدار، ويجب أن نطلب من الداخلين إلى البلاد تقديم أي دليل، ولو ضئيل، على أهليتهم لطلب اللجوء، فالجميع يفعل ذلك الآن...".

ولكن تقاربه الأيديولوجي المتزايد مع ترمب، لم يدفعه إلى التبرع لأي مرشح في السباق الرئاسي. ولكنّ حدثا مفصليا غيّر طبيعة العلاقة بين الرجلين بشكل جذري، وهو محاولة اغتيال ترمب خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، ظهر ماسك إلى جانب ترمب لأول مرة في مناسبة انتخابية عامة، أقيمت في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا، مرتديا قبعة حمراء كتب عليها شعار ترمب الشهير "لنجعل أميركا عظيمة من جديد" معلنا تأييده لترمب في السباق الرئاسي. وبعد نحو شهر، أعلن ترمب تعيين ماسك على رأس إدارة الكفاءة الحكومية.

رويترز
ترامب وماسك يشاهدان إطلاق الرحلة التجريبية السادسة لصاروخ ستارشيب التابع لشركة "سبيس إكس" في براونزفيل بولاية تكساس، الولايات المتحدة، 19 نوفمبر 2024

وكان ماسك، المولود في بريتوريا، جنوب أفريقيا، قبل في برنامج للدراسات العليا في الفيزياء بجامعة "ستانفورد"، لكنه سرعان ما ترك الدراسة وأسس شركتين ناشئتين في مجال التكنولوجيا خلال فترة ازدهار شركات الإنترنت في التسعينات. وشملت هذه الشركات شركة برمجيات ويب وشركة خدمات مصرفية إلكترونية أصبحت معروفة فيما بعد باسم "باي بال"، التي بيعت إلى شركة "إي باي" عام 2002 مقابل 1.5 مليار دولار (1.2 مليار جنيه إسترليني). كما استثمر ثروته في شركة صواريخ جديدة، "سبيس إكس"، التي هَدَف إلى جعلها بديلا فعالا من حيث التكلفة عن "ناسا"، واستثمر كذلك في شركة السيارات الكهربائية الجديدة، "تسلا"، التي ترأس مجلس إدارتها إلى أن أصبح رئيسها التنفيذي عام 2008.

علاقة الصداقة الحميمة بين ترمب وماسك، لا تزال قائمة في الوقت الراهن، ولو أن الكثير من المطلعين على السياسة في واشنطن، يعتقدون أنها ستنتهي بالفشل

لقد تداولت الصحافة أوصافا لإيلون ماسك بأنه عبقري مجنون وأكبر مستفز ومثير للجدل على "تويتر"، وهو معروف بمعاركه، بما فيها معركته مع رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر، واصفا إياه بأنه "متواطئ" في الاغتصاب بسبب نهجه في التعامل مع قضايا عصابات استدراج الفتيات القاصرات الشهيرة، والتي كان يديرها رجال بريطانيون من أصل باكستاني في الغالب. في الوقت نفسه، واجه ماسك وشركاته سلسلة من التحديات القانونية الجدية، شملت دعاوى قضائية من مستثمرين، وتحقيقات فيدرالية تتعلق بالتمييز العنصري، والمزاعم بشأن قدرات القيادة الذاتية في سيارات "تسلا".

ولا يتوانى ماسك، الذي أقدم على الطلاق ثلاث مرات، وقد طلق في مرتين منهما المرأة نفسها، وهي الممثلة البريطانية تالولا رايلي، ولديه 13 طفلا، عن الحديث صراحة عن عيوبه. فقد قال في مقابلة على منصة "تيد" عام 2022: "إذا عددت خطاياي، فسأبدو أسوأ إنسان على وجه الأرض. لكن إذا قارنتها بالأشياء التي أحسنتُ فعلها، فسيغدو الأمر معقولا ومفهوما أكثر".

رويترز
وصول إيلون ماسك إلى قاعة الكابيتول في واشنطن قبيل تنصيب دونالد ترمب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة

واليوم أصبح ماسك شخصية رئيسة في إدارة ترمب الجديدة، فحضر مؤخرا اجتماعا لمجلس الوزراء وهو يعتمر قبعة جديدة كُتب عليها "ترمب على حق في كل شيء".

ومع ذلك، لم تسلم مصالح ماسك التجارية من تداعيات دعمه لترمب، إذ شهدت مبيعات سيارات "تسلا" الجديدة في أوروبا تراجعا حادا، وتعرضت بعض مركبات الشركة لأعمال تخريب، في مؤشر على سخط متزايد بين المستهلكين تجاه الحضور السياسي المتصاعد لماسك وسلوكه المثير للجدل، منذ انخراطه في إدارة ترمب.

غير أن علاقة الصداقة الحميمة بين ترمب وماسك، لا تزال قائمة في الوقت الراهن، ولو أن الكثير من المطلعين على السياسة في واشنطن، يعتقدون أنها ستنتهي بالفشل. فكما يقول المثل الصيني الدارج في واشنطن: "لا يمكن لنمرين أن يعيشا معا على قمة جبل واحد".

font change