ما سر التعريفات الأميركية المرتفعة على دول شمال أفريقيا؟

كيف تلقت الجزائر، المغرب، ليبيا وتونس رسوم ترامب وما هي خياراتها الاقتصادية مع تراجع أسعار النفط

أسوشيتد برس
أسوشيتد برس
قوارب السحب تساعد سفينة حاويات أثناء استعدادها للرسو في محطة مانيلا الدولية للحاويات في العاصمة الفلبينية، 8 أبريل 2025.

ما سر التعريفات الأميركية المرتفعة على دول شمال أفريقيا؟

علاقة الرسوم الجمركية بالتجارة والاقتصاد وأسواق المال، أشبه بعلاقة البحر بالسفينة، "قد تبحر سالمة فوق مياهه، أو قد تغرق تحت أمواجه العاتية". هذا التشبيه المستوحى من مقولة شهيرة للإمبراطور الصيني تانغ تايزونع في القرن السابع الميلادي، يمكن نسخه على تداعيات التعريفات الضريبية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على 86 دولة، وأرجأها على 70 أخرى (منها الاتحاد الأوروبي)، باستكمال دراسة تأثير الرسوم المتبادلة، تجنبا لمزيد من الخسائر في الاتجاهين.

اهتزت الأسواق في آسيا أكثر من أي قارة أخرى، بعد فرض رسوم متصاعدة وصلت الى 145 في المئة على الصين، وتراوحت من 34 إلى 49 في المئة على دول عدة من جنوب وشرق آسيا، من اليابان وكوريا إلى فيتنام والهند وبنغلاديش. العالم في حيرة وانتظار، و"حالة اللايقين أصبحت عين اليقين"، والحكومات لا تدري هل ترد بالمثل، أو تغض الطرف، وتقبل بحصتها من ضريبة التجارة، لتمويل عجز أميركي تجاوز 1,2 تريليون دولار، ومديونية فاقت 35 تريليون دولار، ورئيس مصمم على امتلاك البحر والسفينة معا.

بلغت تجارة العالم العربي مع الولايات المتحدة الأميركية نحو 142 مليار دولار عام 2024، منها 80,4 مليارا من الواردات و61,3 مليارا من الصادرات، مع فائض تجاري لصالح واشنطن تجاوز 19 مليار دولار، وفق مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة (USTR).

فرض ترمب رسوما ثقيلة على دول عربية، بلغت 41 في المئة على سوريا، و39 على العراق، و31 على ليبيا، و30 على الجزائر، و28 على تونس، و20 على الأردن

وتقل هذه المبادلات سبع مرات عن حجم تجارة الاتحاد الأوروبي مع اميركا، التي قدرت بنحو ألف مليار دولار. لكن وسائل إعلام فرنسية واسبانية قالت إن ترمب كان "محابيا" لبعض أصدقائه البريطانيين، وأيضا العرب (دول الخليج ومصر والمغرب ولبنان واليمن) بفرض رسوم بنسبة 10 في المئة فقط، في مقابل 20 في المئة على حلفائه الأوروبيين داخل الاتحاد، الذين وصفهم بنعوت قدحية. كما فرض رسوما على إسرائيل بـ 17 في المئة، حليفه الاستراتيجي، وشريكه التجاري الثاني في المنطقة، بعد الإمارات العربية المتحدة بمبادلات بقيمة 34 مليار دولار.

الجزائر وليبيا وتونس وتعريفات ترمب

لكن ترمب فرض أيضا رسوما ثقيلة على دول عربية أخرى، بلغت 41 في المئة على سوريا، و39 على العراق، و31 على ليبيا، و30 على الجزائر، و28 على تونس، و 20 على الأردن. ومن بين 20 دولة عربية شملتها الرسوم الأميركية، تقع ثلاث منها في شمال أفريقيا، مما يطرح السؤال حول ما إن كانت تلك الضرائب لأغراض تجارية، أو هي مواقف سياسية، أو إجراءات استباقية، أو حتى مقدمات تأديبية في إطار تحولات جيوسياسية. ولم تخف أوساط جزائرية عدم رضاها عن القرار. وكانت الرسوم المفروضة على الواردات الجزائرية تقدر 19 في المئة في الولاية السابقة، قبل رفعها إلى 30 في المئة .

أ.ف.ب.
شاحنة تنقل سيارات رياضية متعددة الاستخدامات (SUV) من طراز مرسيدس-بنز بعد إنزالها من السفن في مرفأ لونغ بيتش، كاليفورنيا، 10 أبريل 2025.

ولا تُصنَّف ليبيا التي طالتها رسوم 31 في المئة، ضمن عملاء الولايات المتحدة التجاريين، وهي موردة لغالبية سلعها من ايطاليا، ومالطا والصين والإمارات، ومهددة بأزمة اقتصادية ومالية برسوم أو دون رسوم ترمب، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المتواصلة منذ سقوط نظام القذافي. 

تتأثر تونس بعودة التضخم وارتفاع الأسعار وتكلفة الواردات الغذائية، وقد تتضرر كثيرا إذا تراجع النمو الاقتصادي العالمي، لأنه سيعرقل خطوات الانتعاش التي بدأت محدودة غير مكتملة العناصر

 أما تونس فهي تعيش صعوبات مالية واقتصادية منذ سنوات، ولها خلافات صريحة مع المؤسسات المالية الدولية واملاءاتها، منذ وصول الرئيس التونسي قيس سعيد إلى السلطة. قد تستفيد تونس من استقرار عالمي لاجتذاب السياح، وهذا يحتاج إلى استقرار اقتصادي مسبق. كما قد تستفيد من تراجع تكلفة واردات الطاقة إذا انخفضت الأسعار، وقد تتأثر أيضا بعودة التضخم وارتفاع الأسعار وتكلفة الواردات الغذائية. لكن بلاد "ثورة الياسمين" قد تتضرر كثيرا، إذا تراجع النمو الاقتصادي العالمي، لأنه سيعرقل خطوات الانتعاش التي بدأت محدودة غير مكتملة العناصر.

السياسة والتجارة وجهان لعملة واحدة

خلال لقائه مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي المغربي ناصر بوريطة في واشنطن الثلاثاء 8 ابريل/ نيسان، جدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، دعم بلاده لسيادة المغرب على كل صحرائه، وتأكيد التزام الرئيس ترمب مواقفه السابقة. وجاء في بيان الخارجية "إن الطرفين ناقشا الأولويات المشتركة في المنطقة، من خلال البناء على اتفاقيات إبراهيم وتوسيع التعاون التجاري بما يعود بالنفع على الأميركيين والمغاربة على السواء.".

Shutterstock
علما الجزائر والمغرب على جدار متصدّع في إشارة إلى الأزمة المفتوحة بين البلدين.

 عبرت الخارجية الجزائرية عن "أسفها للقرار الأميركي المؤيد للمغرب" واستخدمت مفردات اقل تشنجا، وغير مستفزة، كما كانت تفعل مع مدريد وباريس. وهو تحول لغوي يوحي أن الجزائر تريد كسب الود الأميركي، أو على الأقل عدم إثارة جنون حرب الرسوم والعقوبات الاقتصادية. حتى وإن تطلب الأمر تخفيف حدة التصعيد مع المغرب، للاحتفاظ بالأسواق الأميركية.

تعتبر الجزائر ثاني شريك تجاري للولايات المتحدة، بعد المغرب في منطقة شمال أفريقيا، بنحو 3,5 مليارات دولار من المبادلات. في حين تعتبر الرباط أقدم شريك تجاري، والرابع عربيا

تعتبر الجزائر ثاني شريك تجاري للولايات المتحدة، بعد المغرب في منطقة شمال أفريقيا، بنحو 3,5 مليار دولار من المبادلات. في حين تعتبر الرباط أقدم شريك تجاري، والرابع عربيا، وبلغت المبادلات السلعية 7,4 مليار دولار عام 2024، وراء مصر 8,6 مليار دولار, والسعودية 26 مليار دولار، والإمارات 34,4 مليار دولار، وفق مكتب تحليل الاقتصاد الأميركي.

وتحرص واشنطن على استقرار دول شمال أفريقيا بسبب وضعها الاستراتيجي بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، و تعمل من أجل إبعاد أي وجود عسكري لايران، في شمال افريقيا ودول الساحل وجنوب البحر الأبيض المتوسط. وتعتقد واشنطن أن توازن "قوى الرعب" بين الأخوين العدوين، قد يساهم في استقرار الأوضاع  (ستاتيكو) من دون تدخل خارجي.

أسوشيتد برس

وتدفع الإدارة الجديدة عددا من دول المنطقة (ومنها الجزائر) في اتجاه موجة تطبيع مرتقبة مع إسرائيل، وإنهاء تيار الممانعة الراديكالي (موقف تدعمه لندن وباريس وبرلين)، والتوقف عن التعاون الأمني مع إيران، والابتعاد عن حلف الممانعة بعد سقوط نظام بشار الأسد، حليفها السابق في الشرق الأوسط، وعدم مضايقة مصالح الحلفاء في المنطقة.

هذه الشروط التي يتم تداولها في الكواليس الديبلوماسية الخفية، مفادها أن البيت الأبيض يرحب بكل انفراج إقليمي يخدم السلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقوم على الواقعية السياسية، ويدفع نحو مزيد من التعاون الاقتصادي، بالاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة، والموقع الجغرافي على طرق التجارية العالمية.

تجارة الجزائر مع الولايات المتحدة 

بلغت المبادلات التجارية 3,45 مليارات دولار عام 2024 وفق موقع "TSA-Tout sure Algerie" الجزائري، منها 2,5 مليار دولار من الصادرات، تتكون أساسا من المحروقات، ومنتجات الحديد والصلب، والأسمدة، والإسمنت، وبعض المنتجات الزراعية. وحققت فائضا في الميزان التجاري قُدر 1,5 مليار دولار.

تتوجس الحكومة الجزائرية من تداعيات محتملة قد تخفض أسعار الطاقة إلى معدلات حرجة، خصوصا أن إيرادات النفط مرشحة للتراجع في عامي 2025 و2026

وأفاد إن "الجزائر بين دول قليلة تحقق فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة، وهذا ما جعل الرئيس يفرض رسوما عالية على وارداته من الجزائر". ويعتقد محللون أن "رفع الرسوم الجمركية بنسبة 30 في المئة سيجعل هذه السلع أقل قدرة على المنافسة في السوق الأميركية، مما قد يؤدي إلى تراجع حجم الصادرات، وزيادة الضغوط على الاقتصاد المحلي، الذي يعاني بالفعل من تحديات مالية وتقلبات في أسعار النفط". 

وقالت مصادر معارضة إن "واضعي الموازنة لم يتوقعوا عودة ترمب إلى السلطة من جديد، أو لم يقدروا حجم الأضرار المرتبطة بحرب الرسوم الجمركية، التي كان يلوح بها أثناء الحملة الانتخابية".

Shutterstock

للمزيد عن المنطقة إقرأ: المغرب في عين العاصفة التجارية "الترمبية-الأوروبية" 

لم تعلق المصادر الرسمية الجزائرية على قرارات الرسوم التجارية، ولم تدعو إلى العمل بالمثل كما فعلت مع فرنسا واسبانيا من قبل. وتم ابتلاع الرسوم بتبرير الفائض التجاري. وكانت الجزائر استوردت عام 2023 منتجات أميركية بقيمة 1.43 مليار دولار، مولتها عبر صادرات نفطية وحققت هامشا تجاريا، استخدم لتمويلات مشتريات من مناطق أخرى ، خاصة من الصين وفرنسا وروسيا. وربما هذه إحدى االخلاف الكبرى، لأن ترمب يرفض أن تبيع الجزائر نفطها في السوق الأميركية، وتشتري به سلعا صينية، أو تتزود أسلحة روسية".

التأثير السلبي للحسابات "الماكرو اقتصادية" على الجزائر، مرده الاعتماد المفرط على إيرادات الطاقة بنسبة 90 في المئة

وينصح الخبير الاقتصادي على باي نصري بأن "على الجزائر ألا تتخلى عن السوق الاميركية"، متوقعا أن "تخسر الجزائر نحو 600 مليون دولار في السوق الأميركية على السلع غير النفطية". وفي حال فرض رسوم على واردات الغاز، فإن "الصادرات الجزائرية قد تواجه إمدادات نفطية تخضع لرسوم تقل ثلاث مرات عن الرسوم الجزائرية".

التأثير السلبي للحسابات "الماكرو اقتصادية" الجزائرية

وتتوجس الحكومة الجزائرية من تداعيات محتملة قد تخفض أسعار الطاقة إلى معدلات حرجة، خاصة أن إيرادات النفط مرشحة للتراجع في عامي 2025 و2026. وليس من مصلحة الاقتصاد الجزائري خسارة سوق مهمة في مجال إمدادات الطاقة. وتوقعت مجموعة "غولدمان ساكس" الأميركية أن يتراجع سعر برميل خام برنت إلى ما دون 60 دولارا في ظل سيناريو "متطرف" مع اشتعال الحرب التجارية العالمية.

أ.ف.ب.
مجمع مصفاة الجزائر في ضاحية براقي، جنوب شرق العاصمة الجزائرية، 24 فبراير 2022.

التأثير السلبي للحسابات "الماكرو اقتصادية" على الجزائر، مرده الاعتماد المفرط على إيرادات الطاقة بنسبة 90 في المئة. ورصدت موازنة 2025 حدا أدنى لسعر النفط لا يقل عن 73 دولارا، مع تسجيل عجز في الخزينة يقدر بـ64 مليار دولار، مما يسمح بعائدات في حدود 52 مليار دولار. وفي ظل انخفاض أسعار النفط والغاز ستواجه الجزائر وضعا ماليا صعبا، يجعلها بين خيار استخدام الاحتياط النقدي (70 مليار دولار)، أو طبع أوراق نقدية جديدة، تؤدي إلى انهيار قيمة العملة، وزيادة التضخم، وارتفاع تكلفة الواردات، مثلما حدث خلال جائحة "كوفيد-19". 

إن فرض رسوم جمركية مرتفعة (31 %) لا يرتبط بحجم التجارة بين ليبيا وأميركا، بل هو إجراء استباقي لمنع دخول سلع صينية أو أوروبية إلى السوق الأميركية عبر ليبيا، بإصدار شهادات منشأ ليبية لسلع غير ليبية

محمد أحمد، محلل الاقتصادي ليبي

لم يفهم كثير من المحللين فرض رسوم 31 في المئة على ليبيا، التي تكاد لا تملك صادرات نحو أسواق الولايات المتحدة، ومع ذلك أدرجتها واشنطن ضمن قائمة "الرسوم الثلاثينية" المفروضة على الدول الصناعية مثل جنوب شرق آسيا، اندونيسيا أو تايلاند.

 ليببا... خلفيات سياسية وراء قرار ترمب

ويعتقد المحلل الاقتصادي الليبي محمد أحمد "أن فرض رسوم جمركية مرتفعة لا يرتبط بحجم التجارة بين ليبيا وأميركا، بل هو إجراء استباقي لمنع دخول سلع صينية أو أوروبية إلى السوق الأميركية عبر ليبيا، بإصدار شهادات منشأ ليبية لسلع غير ليبية". 

كما أن وجود حكومتين متنافستين ومتحاربتين في طرابلس وبنغازي، زاد الأزمة ورفع معدلات الفساد في ليبيا، وشمل كل أنواع التهريب والتدليس الممكنة. وفي نظر مراقبين للشأن الليبي، فإن قرار ترمب يحمل أبعادا سياسية أكثر من كونه اقتصاديا، وهو ضغط مباشر على ليبيا لتعديل سياساتها الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع الصين وتركيا.

أ.ف.ب.
مصفاة النفط في مدينة رأس لانوف شمال ليبيا. 3 يونيو 2020

وتواجه ليبيا مثل الجزائر أزمة مالية في الأفق، في حال تراجعت أسعار الطاقة إلى معدلات قياسية، وعودة موجات التضخم بسبب الحرب التجارية. وسجلت تعاملات النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي عجزا بلغ  4,6 مليار دولار في الربع الأول من العام. وبلغت النفقات الإجمالية 9,4 مليارات دولار، بينما لم تدخل البنك المركزي سوى 4,4 مليارات دولار إعتمادات وحوالات، و4,4 مليار دولار من الأموال الشخصية. 

وأفاد البنك المركزي الليبي "إن الإيرادات النفطية بلغت 5,2 مليارات دولار حتى نهاية مارس/ آذار، بعجز قدر 4,6 مليار دولار"، وحذر المركزي وهو سلطة نقدية مستقلة عن الحكومتين، "من تزايد العجز الليبي في حال انخفاض الإنتاج (بسبب النزاع) أو تدهور أسعار النفط في السوق العالمية". وكانت إيرادات ليبيا من النفط بلغت 18,6 مليار دولار فقط بتراجع متواصل سنة عن أخرى مما رفع نفقات المصرف المركزي إلى 27 مليار دولار .
 

font change

مقالات ذات صلة