تعطيل "الربع المعطل" في الأردن

تعطيل "الربع المعطل" في الأردن

بحضور فاعل لثلاثين نائبا محسوبين رسميا على تيار الإخوان المسلمين، وخمسة نواب على الأقل إلى جانبهم قريبين من تيار الإخوان وخطابهم السياسي، فإننا فعليا أمام "الربع المعطل" لا للإصلاح وحسب، بل لمجمل عمل سير الدولة الأردنية.

هذا مجمل ما يشعر به المشتغلون "والمهتمون" بالمشهد السياسي الأردني من الداخل.

فعليا، الأردن هو آخر حواضن تيار الإخوان المسلمين سياسيا، مع حرية حركة بكل الاتجاهات يحظى بها التيار في الدولة الأردنية وطوال عقود طويلة مضت، استطاع فيها التيار أن يتغلغل في ثنايا ومفاصل المجتمع الأردني ليخلق قاعدة جماهيرية له قد لا يكون معظمها قائما على الفكر الإخواني بقدر كونها حالات تجييش عاطفي أتقن الإخوان المسلمون صناعتها من مواد أولية بسيطة أهمها "القضية الفلسطينية".

المهارة "الأكروباتية" في عمليات التجييش واللعب على وتر العواطف والشعبويات أتاحت للتيار أن يدخل الحياة السياسية الأردنية عبر بوابة البرلمان أكثر من مرة وبحضور واضح، كما أن تلك المهارات أيضا كانت منهجية للتيار في التحكم بالشارع وتحريكه وتوسيع قاعدته فيه، وممارسة التصعيد السياسي لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية في المشهد الأردني.

المهارة "الأكروباتية" في عمليات التجييش واللعب على وتر العواطف والشعبويات أتاحت للتيار أن يدخل الحياة السياسية الأردنية عبر بوابة البرلمان أكثر من مرة وبحضور واضح

التحولات الإقليمية والعالمية تحديدا منذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول غيرت قواعد اللعبة من أساساتها، وصار التصعيد السياسي لعبة خطرة لا تستهدف تحقيق مكاسب شرعية في المناكفات السياسية، بل تجاوزتها إلى مناكفة الدولة نفسها بمواجهات مباشرة مرتبطة هذه المرة بارتباطات خارجية شديدة الخطورة والحساسية، ودخلت في سياق حرب متفق عليها دوليا "وإقليميا" على تيار الإسلام السياسي برمته والإخوان المسلمين تحديدا، مما انعكس بالضرورة على التيار الإخواني وأذرعه السياسية في الأردن.

لم يتوقف التيار الإخواني عن ممارسة التصعيد إلى حدوده الخطيرة في الشارع رغم حصادهم مقاعد في مجلس النواب الأردني وبانتخابات أشرفت عليها السلطات الأردنية التي دفعت بعض مؤسساتها ثمن "الهندسة الحزبية" الخاطئة كلفا غيبت كل ما تم السعي إليه لنهوض الأحزاب وحضورا لم يكن متوقعا لتيار الإخوان المسلمين.

التصعيد في الشارع وصل إلى حدود غير مقبولة في عقل الدولة السياسي، خصوصا عن تسريبات تتصاعد بقوة حول توجهات خطيرة يتبناها الإخوان المسلمون في الأردن مرتبطة بتقويض الدولة وبنكهة انقلابية على كل الوضع الراهن من خلال استخدام الشارع للتحريض المستمر عبر توظيف الشعبوية والشعور العام بالغضب من وحشية الهجوم الإسرائيلي على غزة، مع سيطرة مدروسة على وسائل التواصل الاجتماعي.

التسريبات– وهي غير مؤكدة حتى اللحظة- تتحدث عن كشف أمني قريب مطلع الأسبوع القادم

التسريبات– وهي غير مؤكدة حتى اللحظة- تتحدث عن كشف أمني قريب مطلع الأسبوع القادم. وفي حال ثبوت تلك التسريبات كخبر متوقع على العلن، فإن حضور الإخوان المسلمين في المشهد السياسي يصبح على المحك مما يخلق متوالية تداعيات بالضرورة، من بينها– كما يتناقل كثيرون- حل للبرلمان الأردني وإجراء انتخابات مبكرة بعد حله لتأهيل المشهد المحلي بهندسة أكثر عمقا وتحررا من الخطاب الشعبوي سواء من الإخوان أو من غيرهم، والتركيز على إعادة تأهيل "بيت الأمة" كجهاز تشريعي رقابي كامل الأهلية.

هذا الافتراض بالحل يفرض أيضا استحقاقات دستورية تقضي بإجراء انتخابات في حد أقصاه شهر أكتوبر القادم، مما يعني أيضا سرعة في تعديل تشريعات متعلقة بالانتخابات والأحزاب تكون موائمة لفكرة الإصلاح السياسي العميق والمطلوب جدا.

التغييرات "المحتملة" لا تقف عند البرلمان، فالتحليلات التي تتداولها النخب في صالونات عمّان السياسية تتحدث عن تعديل حكومي "ثقيل" ووشيك، وكانت بعض المراجع السياسية في العاصمة الأردنية تتحدث عن تغيير لوزير الخارجية ( نائب رئيس الوزراء) أيمن الصفدي مع تداول لأسماء تم تسريبها من مصادر قريبة من صناعة القرار كحالة استمزاج فيها لاختيار شخصية بديلة للوزير المخضرم.

ومع خبر معلن ورسمي تم نشره صباح الجمعة عن قيادة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان لوفد اقتصادي "رشيق الحجم ثقيل الوزن" إلى واشنطن، فإن الحديث عن التعديل الحكومي عاد من جديد كخطوة محتملة بعد عودة الرئيس والوفد من الولايات المتحدة، مع ترجيحات بأن يحسم رئيس الوزراء أمره بعد أخذ الإذن الملكي بالتعديل المحتمل، ويضم حقيبة الخارجية إليه مع رئاسته للحكومة خصوصا أن خدمته لسنوات طويلة مديرا لمكتب الملك الأردني صنعت الخبرة الكافية لديه لحمل ملف السياسة الخارجية والتعامل المباشر معها، مع توفير موقع وزير دولة للشؤون الخارجية لإدارة ملفات الوزارة التي تراكمت بحجم ثقيل.

ملخص التسريبات والتوقعات في صالونات عمان السياسية ليست جديدة، لكنها هذه المرة تجد سياقها المنطقي في محيط استحقاقات محلية وإقليمية ودولية تستوجب تغيير الأدوات السياسية التقليدية في الأردن، وتصبح تلك التغييرات حتمية إن صح ما تم تسريبه بقوة في اليومين الماضيين وذكرناه سابقا عن إزاحة ضرورية للربع المعطل لبرنامج الإصلاح بكل مستوياته السياسية والاقتصادية والبيروقراطية، وإعادة الهدوء إلى الشارع الأردني وضبط فوضى المشهد فيه.

font change