مرت مائة عام وعقد من الزمان على آخر حصار تاريخي تعرضت له مدينة الفاشر، العاصمة السلطانية لإقليم دارفور. حدث ذلك في العام 1916، والغازي وقتها كان الجيش الإنكليزي، المستعمر، بكل آلياته الحربية الحديثة وشهيته المفتوحة لالتهام السودان من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. أما من كان يحكم المدينة والإقليم في ذلك الأوان فهو السلطان علي دينار، آخر سلاطين سلطنة الفور، في غرب السودان، وأول حاكم سوداني ينفتح على الحداثة ويتصالح مع منجزها بعمله على تطوير المؤسسات الإدارية لسلطنته وفقا لأحدث التشريعات القضائية، والاستعانة بأحدث التقنيات الزراعية، وتطبيقا لأفضل الوسائل الاقتصادية والسياسية، وسكا للعملة، وانفتاحا في السياسية الخارجية يصل إلى درجة التحالف مع ممالك ودول كبرى، مثل الخلافة العثمانية في تركيا، ودولة ألمانيا الأوروبية المهابة في زمانها.
تاريخ مستعاد؟
ذلك رجل آخر، دافع عن عاصمة مملكته الفاشر إلى النهاية، قبل أن تقتله الآلة الحربية الاستعمارية عند تخوم مدافن السلاطين من أسلافه، في جبل مَرّة. فهل يستعيد التاريخ سرد وقائعه بعد مرور كل هذه الأعوام، برغم اختلاف الشخوص والأسباب، والحاكمين؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مصادفة تاريخية، اشترك فيها المكان، وحجم العدوان، مع اختلاف العتاد الحربي ما بين الداخل – المدينة، والخارج – محيط الفاشر، المغلق بفيالق قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام؟
في الحرب السودانية الدائرة حاليا، التي ستلج بعد أيام عامها الثالث، ظلت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، من أكثر المدن تداولا في الأنباء العالمية، بالتركيز على وضعها الإنساني المتأزم جراء الحصار، مع ترديد بلا طائل لمناشدات الأمم المتحدة ومنظمات الغوث الإنساني برفع الحصار عنها، والنأي بسكانها من لهيب المحرقة المتوقعة. ما الذي تمثله الفاشر، ومن الذي يدافع عنها، وضد من؟