ما هي الاستراتيجيا المثلى للدول في مواجهة الرسوم الجمركية؟

من الاستكانة إلى الرد الانتقامي، تستعرض مفاوضة تجارية أميركية سابقة الخيارات المتاحة أمام قادة العالم

جوليان د. بولسن
جوليان د. بولسن

ما هي الاستراتيجيا المثلى للدول في مواجهة الرسوم الجمركية؟

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الثاني من أبريل/نيسان فرض رسوم جمركية، عاصفة ومناقشات مكثفة في عواصم العالم تناولت أفضل الطرق للرد على الإجراءات. وعبّرت التصريحات الأولية التي أدلى بها زعماء ووزراء تجارة الدول عن مشاعر شملت المفاجأة والأسف والخوف والتعرض إلى خيانة. لم تتجاوز رسوم ترمب توقعات السوق فحسب، بل يبدو أيضا أنها استهدفت شركاء الولايات المتحدة وحلفاءها في شكل أكثر حدة.

على الدول الآن صوغ خطط استجابة تستند إلى مصالحها الوطنية، مع مراعاة عوامل مثل العلاقات الشاملة مع الولايات المتحدة، والالتزامات بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، وسلاسل الإمداد المتغيرة، ونقاط القوة المحتملة في المفاوضات، والمخاوف من مزيد من الردود الانتقامية الأميركية.

الصين تنتقم... وفيتنام مهتمة بالتفاوض

تمضي الصين بسرعة على طريق الاستجابة الانتقامية. وتشير دول أخرى، مثل فيتنام، إلى إمكان إجراء خفوضات في الرسوم الجمركية من جانب واحد، مع إبداء اهتمام قوي بالتفاوض. ويتحدث الاتحاد الأوروبي عن الحاجة للتوصل إلى اتفاق منصف، مع الإشارة إلى أنه مستعد للرد إذا فشلت المفاوضات.

تشعر الدول التي تربطها اتفاقات تجارة حرة سابقة بالولايات المتحدة، بسوء المعاملة، خصوصا نظرا إلى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين كل منها والولايات المتحدة، وزيادة التجارة والاستثمار في الاتجاهين

ما من نهج واحد يناسب الدول كلها في شأن الرد على رسوم ترمب. بدلا من ذلك يمكنني، بالاعتماد على ما يقرب من ثلاثة عقود من خبرتي كمفاوضة في مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، أن أشير إلى قائمة من الخيارات الواقعية التي يمكن الدول اتباعها في الأجل القريب، كلاً على حدة أو بالتزامن. مع ذلك، ستحتاج الدول على المدى الأبعد إلى التفكير بجدية في كيفية جعل نفسها أقل تعرضا إلى السياسات المتغيرة.

كيف تصرفت الهند وإسرائيل وتايوان؟

كما يعرف الجميع الآن، يبدو أن ترمب اعتمد على صيغة مبسطة تتعلق بالعجز التجاري أكثر مما تخص الرسوم الجمركية نفسها لتحديد معدلات الرسوم التي يُفترَض أن الدول الأخرى فرضتها على الولايات المتحدة – والتي على أساسها يطبق إجراءاته الانتقامية. لقد قسّم البيت الأبيض العجز التجاري الأميركي (في المنتجات وليس الخدمات) بحسب الواردات من بلد معين. وهذه الطريقة، بالطبع، ليست دقيقة لتحديد التعريفات.

بعيدا عن الأخطاء الواضحة هنا، ستشعر اقتصادات عدة بأنها لم تنل التقدير الكافي للإجراءات الأخيرة التي اتخذتها في مواجهة مخاوف واشنطن. وتشمل هذه الخطوات خفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على منتجات معينة، كما فعلت الهند وإسرائيل، وتعزيز استثماراتها التصنيعية في شكل كبير في الولايات المتحدة، كما فعلت اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، والعمل عن كثب مع الولايات المتحدة لمواجهة الإجراءات التجارية الصينية غير المنصفة، كما فعلت أوستراليا وكندا.

أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلقي كلمة حول أهمية التعريفات الجمركية خلال حدث" لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، في البيت الأبيض 2 أبريل 2025

تشعر الدول التي تربطها اتفاقات تجارة حرة سابقة بالولايات المتحدة، بسوء المعاملة، خصوصا نظرا إلى العلاقة الاقتصادية الوثيقة بين كل منها والولايات المتحدة، وفي ضوء زيادة التجارة والاستثمار في الاتجاهين بفضل تلك الاتفاقات. قد تتبع بعض هذه الدول المتضررة أولا، استراتيجيا تتلخص في إرسال مسؤولين رفيعي المستوى إلى واشنطن في محاولة لشرح وضعها الخاص والسعي إلى نيل معاملة أكثر ملاءمة. ومن غير الواضح مدى نجاح ذلك، ولا سيما إذا لم تكن مواقف هذه الدول مدعومة بأفعال وإعلانات إضافية.

الإجراءات الأحادية الجانب لم تجد مع ترمب!

حاولت بعض الدول بالفعل تهدئة مخاوف ترمب المزعومة. قد تميل هذه الدول وغيرها إلى بذل مزيد من الجهد – ربما من خلال إعلان خفوضات في الرسوم الجمركية، أو إزالة الإجراءات غير الجمركية المرهقة مثل القيود المفروضة على الخدمات الرقمية والمتطلبات الخاصة بالمعايير، أو التقدم بالتزامات لشراء مزيد من المنتجات والخدمات في مجالات الطاقة أو الزراعة أو الأسلحة أو غيرها من المنتجات والخدمات من الولايات المتحدة.

قد ترضي هذه العروض ترمب، لكن ما الذي قد تحصل عليه الدول في المقابل؟

أعرب ترمب، بصفته صانع اتفاقات، على حد زعمه، عن اهتمامه بالتفاوض مع الشركاء في مقابل إجراء خفوضات في الرسوم الجمركية، بحجة أنها "تمنحنا قوة كبيرة للتفاوض"

مما لا شك فيه أن قادة العالم ستساورهم شكوك حول هذا النهج، لأن خطوات كهذه اتُّخِذت على مدى الأشهر العديدة الماضية لم تؤدِّ إلى شيء يُذكَر لحمايتهم من الزيادات الحادة في الرسوم الجمركية. فالهند، مثلا، خفضت من جانب واحد الرسوم الجمركية على عدد من المنتجات التي تهم المصدرين الأميركيين، بما في ذلك الدراجات النارية، فتلقت رسوما جمركية بنسبة 26 في المئة.

ويمكن أن تتراجع جاذبية هذا الرد المحتمل مع انتشار التداعيات الاقتصادية لرفع الرسوم الجمركية الأميركية، مما يجعل شركاء واشنطن أكثر جرأة في الدعوة إلى استراتيجيات بديلة.

التفاوض كسياسة مطلوبة... ولكن

أعرب ترمب، بصفته صانع اتفاقات، على حد زعمه، عن اهتمامه بالتفاوض مع الشركاء في مقابل إجراء خفوضات في الرسوم الجمركية، بحجة أنها "تمنحنا قوة كبيرة للتفاوض". ويبرز البيت الأبيض حجته القائلة بأن الأمر التنفيذي بفرض الرسوم الصادر في الثاني من أبريل/نيسان يسمح للرئيس على وجه التحديد بخفض الرسوم الجمركية عندما يتخذ الشركاء "خطوات مهمة لمعالجة الترتيبات التجارية غير المتبادلة والتوافق مع الولايات المتحدة على المسائل الاقتصادية والأمنية القومية".

أ.ف.ب.
سفينة شحن بضائع في بالقرب من ميناء تشينغدوا شرق الصين، 2 أبريل 2025

وعلى النقيض من اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، يتميز النهج التفاوضي بأنه أكثر رسمية، إذ ينطوي على نتائج خطية على صعيد مجموعة من المسائل، ويتضمن أحكام إنفاذ قوية. تلتزم المكسيك وكندا بالفعل هذا المسار من خلال نظام المراجعة المطلوب في الاتفاقية التجارية الثلاثية، بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، بينما يحاول المفاوضون الذين يمثلون نيودلهي وواشنطن بنشاط التوصل إلى اتفاقية تجارية في الفترة التي تسبق زيارة للهند في أوائل الخريف يخطط لها ترمب.

ينطوي هذا النهج على أخطار. قد يتردد المسؤولون الأجانب في الشروع في هذا المسار خوفا من أن تقدم واشنطن قائمة طويلة من المطالب، بما في ذلك العديد من الأمور التي قد تكون صعبة سياسيا بالنسبة إليهم، من دون تقديم تنازلات كثيرة في المقابل. مثلا، من المتوقع أن تسعى واشنطن إلى وضع قواعد صارمة تعزز إدراج المكونات الأميركية في السيارات وغيرها من المنتجات النهائية، مع تقليل المدخلات الصينية أو حتى حظرها.

كانت الصين الأكثر تشددا في حزمتها الانتقامية حتى الآن ، كما استكملت بكين زيادات الرسوم الجمركية بإجراءات أخرى، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على صادرات المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة، وإدراج بعض الشركات الأميركية في القائمة السوداء

في طبيعة الحال، يجب أن يتساءل المفاوضون الأجانب عن قيمة اتفاقيات ثنائية كهذه من دون توافر ملاذ آمن مضمون من الزيادات في الرسوم الجمركية في المستقبل أو غيرها من الإجراءات الأحادية الجانب التي قد تفرضها إدارة ترمب.

أخطار الإجراءات الانتقامية الجمركية

قد تتعرض بعض الدول إلى ضغوط داخلية للانتقام من الولايات المتحدة، لكن هذا المسار، في الواقع، محفوف بالأخطار وغير عملي بالنسبة إلى دول كثيرة. يُذكَر أن ترمب أوضح أنه مستعد لرفع الرسوم الجمركية في شكل أكبر في مواجهة الإجراءات الانتقامية. ولا يحتاج المرء إلا إلى النظر في الحرب التجارية المتصاعدة التي دارت بين الولايات المتحدة والصين خلال ولاية ترمب الأولى ليعرف أن هذا الكلام ليس مضللا.

.أ.ف.ب

بالإضافة إلى ذلك، تكون الدول الأكبر حجما أكثر استعدادا من غيرها لمواجهة عاصفة كهذه، إذ تبدي الدول المتوسطة والأصغر حجما تقليديا، ترددا أكبر في الرد، ولا سيما في غياب أي غطاء من منظمة التجارة العالمية.

كانت الصين الأكثر صلفا في حزمتها الانتقامية حتى الآن. بعدما أعلنت بكين في البداية ردا أكثر تواضعا على الزيادات الجمركية البالغة نسبتها 20 في المئة والتي فُرِضت خلال الشهرين الأولين من ولاية ترمب الجديدة، خلعت قفازاتها الحريرية الأسبوع الماضي بإعلانها فرض رسوم جمركية بالمعدل نفسه البالغ 34 في المئة الذي تلقته من واشنطن – لكن على عكس الولايات المتحدة، لم تقدّم أي استثناءات لأي منتجات أو قطاعات (ثم رفعتها مجددا لتصل اليوم الى 125 في المئة حتى الآن).

وقيود صينية على صادراتها من المعادن الحيوية

علاوة على ذلك، استكملت بكين زيادات الرسوم الجمركية بإجراءات أخرى، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على صادرات المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة، وإدراج بعض الشركات الأميركية في القائمة السوداء، وإطلاق تحقيق لمكافحة الإغراق ضد شركة أميركية. ليست الصين البلاد الوحيدة التي تنتهج هذا النهج. ردت كندا الشهر الماضي على رسوم ترمب الجمركية السابقة، ويضع الاتحاد الأوروبي اللمسات الأخيرة على حزمة الردود الانتقامية الخاصة به، والتي – مثل الردود الصينية – من المتوقع أن تتجاوز مجرد فرض رسوم جمركية لتشمل مجالات أخرى، مثل الخدمات والمشتريات الحكومية.

ثمة استراتيجيا أخرى يجب النظر فيها، ولا سيما من الدول المتوسطة والصغيرة الحجم التي خُصِّص لها معدل الرسم الأساس البالغ 10 في المئة، وتتمثّل الإستراتيجيا في الاستكانة، مما يشجع واشنطن على إبقاء تركيزها على الدول الأخرى

لكن في حين ترد كندا والصين والاتحاد الأوروبي بإجراءاتها الانتقامية الخاصة بها، تستجيب في صورة متناسبة حتى الآن، متجنبة دوامة تصعيدية. لا يزال خيار التصعيد مطروحا، ولا سيما إذا نفّذ ترمب نفسه تهديداته بالتصعيد ضد الدول التي تتخذ إجراءات انتقامية.

استراتيجيا الاستسلام لترمب

ثمة استراتيجيا أخرى يجب النظر فيها، ولا سيما من الدول المتوسطة والصغيرة الحجم التي خُصِّص لها معدل الرسم الأساس البالغ 10 في المئة، وتتمثل الإستراتيجيا في الاستكانة، مما يشجع واشنطن على إبقاء تركيزها على الدول الأخرى.

قد يكون هذا الخيار هو الأكثر قابلية للتطبيق للعديد من الدول. أولا، من المرجح أن ينشغل وزير التجارة الأميركي والممثل التجاري الأميركي بالاقتصادات الأكبر، بما في ذلك الاقتصادات التجارية الكبرى التي تخضع إلى معدلات مرتفعة في شكل غير معتاد.

ثانيا، سيسمح هذا الخيار لهذه الدول بأن تفهم بهدوء المقاربات الناجحة والفاشلة لدى الدول الأخرى في مجال تعاملها مع واشنطن، مما يساعدها على الاستعداد في صورة أفضل عندما يحين دورها. أخيرا، سيتضح بمرور الوقت ما إذا كان البيت الأبيض يفكر في خفض الرسوم الجمركية إلى ما دون 10 في المئة، في ضوء هدفه المعلن لتوليد إيرادات من خلال زيادة الرسوم.

الاتحاد الأوروبي سيعيد النظر في اتفاقات الشراكة

تعمل العديد من الدول على تسريع الجهود لتقليل اعتمادها على السوق الأميركية، وذلك إلى حد كبير من خلال تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول أخرى. نتيجة لذلك، نشهد بالفعل سلسلة من الإعلانات عن اتفاقات للتعاون الاقتصادي، مثل الخطط القائمة في هذا الإطار بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية، فضلا عن زيادة طفيفة في أنشطة التفاوض على التجارة الحرة في أنحاء العالم كله. يُذكَر أن الاتحاد الأوروبي والهند أعطيا أولوية جديدة إلى محادثاتهما المتوقفة سابقا في هذا المجال، وتعمل الصين وكوريا الجنوبية على تحديث اتفاقية التجارة الحرة المبرمة بينهما، كما تعمل كندا وإندونيسيا على وضع اتفاقهما التجاري حيز التنفيذ في حلول العام المقبل.

مع تطور مسلسل الرسوم الجمركية، ستكون السرعة والمرونة من جانب الدول نهجا أساسيا، إذ تبدو أيام اليقين والثقة والاحترام وكأنها باتت وراء الجميع

ومن المرجح أيضا أن نرى مزيدا من الدول تسعى إلى الانضمام إلى الاتفاقيات التجارية القائمة، بما في ذلك اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، فضلا عن الاتفاقيات القطاعية المتعددة الأطراف، بما في ذلك تلك التي تتناول المجال الرقمي. بل إن من المتوقع أن يعاود الاتحاد الأوروبي الآن النظر في اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، وهو خيار بدا أنه لم يكن يحظى باهتمام كبير قبل أشهر فقط.

السرعة والمرونة كنهج اساسي

بينما يدرس المسؤولون في العواصم في أنحاء العالم كله خياراتهم للرد على الرسوم الجمركية الأميركية المعلنة في 2 أبريل/نيسان، سيوازنون بعناية المزايا والأخطار المحتملة. وسيستهدف أحد القرارات الفورية التي يجب اتخاذها، الضغط من أجل تحديد مواعيد مبكرة لدخولهم في مناقشات مع واشنطن، أو الاستكانة لمعرفة كيف سيكون أداء شركائهم مع نظرائهم الأميركيين، مما يمنحهم الوقت لتقييم أثر ذلك في الاقتصاد العالمي وفي الداخل.

.أ.ف.ب
عمّال في مصنع للملابس في مدينة هو تشي منه، فيتنام، يصدّر القمصان الداخلية إلى الولايات المتحدة، وأعرب الموظفون عن قلقهم من الرسوم "الصادمة" المفروضة على بلادهم، والتي قد تُلحق ضررًا بالغًا بأعمالهم. في 3 أبريل 202

أخيرا، سيحتاج هؤلاء المسؤولون أيضا إلى توخي اليقظة في ما يتعلق بإمكان فرض مزيد من الرسوم الجمركية الأميركية، ولا سيما تلك التي تستهدف قطاعات معينة، إذ يُجرى تحقيقان يتعلقان بالأمن القومي وفق المادة 232 من قانون توسيع التجارة الصادر عام 1962 وذلك في شأن الخشب والنحاس، مع توقع إطلاق مزيد من التحقيقات المشابهة – تشمل المستحضرات الصيدلانية وأشباه الموصلات وغيرها – في وقت قريب.

مع تطور مسلسل الرسوم الجمركية، ستكون السرعة والمرونة من جانب الدول نهجا أساسيا، إذ تبدو أيام اليقين والثقة والاحترام وكأنها باتت وراء الجميع.

font change

مقالات ذات صلة