اندلعت الحرب اللبنانية عام 1975 بسبب تلاقي معطيات داخلية وخارجية، أطلقت دورة عنف أهلي دام حتى عام 1990. على المستوى الداخلي، لم يتمكن النظام اللبناني الذي كان قائما على ثنائية مسيحية– سنية في الحكم من استيعاب الصعود الشيعي السريع، الذي غيّر بأقل من نصف قرن موازين القوى بين جماعات لبنان. لم تكن الديموغرافيا الشيعية الأكبر في عشرينات القرن الماضي، يوم تأسست الجمهورية اللبنانية، وتوزعت حصص الحكم بين المكونات.
ولكن العقود اللاحقة شهدت صعودا سريعا لأجيال شيعية جديدة، أقل ميلا للاستكانة للستاتيكو المسيحي– السني من الأجيال التي سبقتها. وقد رفد التمرد الشيعي على النظام وسهّله، بروز الزعامة الكاريزمية للإمام موسى الصدر، وإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وانخراط أعداد واسعة من الشباب الشيعي بأحزاب معترضة على الستاتيكو، توزعت بين قوى اليسار اللبناني، ولاحقا "حركة أمل" التابعة للصدر.
هذه الدينامية تلاقت مع استعداد زعيم الدروز كمال جنبلاط للانقضاض على النظام، على خلفية طموح شخصي لتولي رئاسة الجمهورية، أو بالحد الأدنى رئاسة الوزراء. كما تلاقى الاعتراض الشيعي، مع تململ سني من صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي، ومطالبة بالشراكة في الحكم، أي عمليا بتعزيز صلاحيات رئيس الحكومة السني.
هكذا، التقت جماعات الإسلام اللبناني الثلاث، على مطالبة المسيحيين بإعادة توزيع السلطة دون أن يبدي المسيحيون ميلا للتجاوب معها، لأسباب يتجاوز تحليلها هذه العجالة. شكل هذا الاستعصاء الخلفية المحلية للشقاق اللبناني.