مفاوضات ايران واميركا في عُمان.. طبيعتها ومآلاتها

"الخيار العسكري" سيظل مطروحا إذا لم تُفضِ المحادثات إلى نتائج مرضية

مفاوضات ايران واميركا في عُمان.. طبيعتها ومآلاتها

بالنظر إلى النجاح المحدود الذي حققه الرئيس الأميركي دونالد ترمب حتى الآن في مساعيه الأخيرة لإحلال السلام في كل من غزة وأوكرانيا، فلا توجد أي ضمانات بأن محاولته لفتح مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي المثير للجدل ستسفر عن النتائج المرجوة.

ومع اقتراب موعد المحادثات المقررة في سلطنة عُمان نهاية هذا الأسبوع بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين، أوضحت إدارة ترمب بجلاء أن الهدف الرئيس من هذه اللقاءات هو تقييد قدرة طهران على إنتاج أسلحة نووية.

ففي تصريحات أدلى بها مطلع هذا الأسبوع، شدد ترمب على أن الهدف الأساسي من دخوله هذه المفاوضات هو إنهاء التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني، قائلا خلال إحاطة صحافية في البيت الأبيض: "لا يمكنك السماح لهم بالحصول على سلاح نووي". وتأكيدا على مدى عزمه على التوصل إلى اتفاق غير مسبوق خلال المحادثات المقبلة، أفادت تقارير بأن الجيش الأميركي نشر قوة كبيرة من قاذفات الشبح "بي-2" في جزيرة دييغو غارسيا الواقعة في المحيط الهندي، في خطوة من المرجح أن تفسرها إيران على أنها عمل واضح من أعمال الترهيب.

ومن المؤكد أن طهران لاحظت استضافة ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المعروف بتشدده إزاء الطموحات النووية الإيرانية، وذلك قبيل انطلاق المحادثات المقررة في سلطنة عُمان. وعقب لقائه بنتنياهو، قال ترمب إن الزعيمين اتفقا على أن "إيران لن تمتلك أسلحة نووية"، مشيرا إلى أن "الخيار العسكري" سيظل مطروحا إذا لم تُفضِ المحادثات إلى نتائج مرضية.

من غير المرجح أن تكون طهران قد أغفلت عادة ترمب في إطلاق التهديدات القاتمة دون أن تليها خطوات عملية. وهو ما يفسر موقف المسؤولين في النظام الإيراني

تبنّى ترمب نبرة شديدة العدوانية قبيل انطلاق المحادثات، محذرا من أن طهران "ستكون في خطر شديد" إذا لم تُفضِ المفاوضات إلى اتفاق مقبول، ومؤكدا أنه لا يمكن السماح لها بامتلاك سلاح نووي. ولدى سؤاله عمّا إذا كان نشر قاذفات الشبح يدل على استعداد واشنطن لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في حال فشل المحادثات، أجاب ترمب: "لا يمكن لإيران أن تمتلك سلاحا نوويا، وإذا لم تنجح المحادثات، أعتقد فعلا أن ذلك سيكون يوما سيئا للغاية لإيران".
وفي خطوة تهدف إلى زيادة الضغط على طهران قبيل المفاوضات، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية هذا الأسبوع فرض عقوبات جديدة على خمسة كيانات مقرها إيران وشخص واحد مقيم فيها، لدعمهم برنامج طهران النووي، وذلك في إطار مساع لحرمانها من امتلاك سلاح نووي. 
وقال وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، في بيان رسمي: "لا يزال سعي النظام الإيراني المتهور لامتلاك أسلحة نووية يشكل تهديدا خطيرا للولايات المتحدة وخطرا على الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي". وأضافت الوزارة: "سنواصل استخدام أدواتنا وصلاحياتنا لعرقلة أي محاولة من جانب إيران لتطوير برنامجها النووي وأجندتها الأوسع المزعزعة للاستقرار".
وأوضح مسؤولو "الخزانة" أن العقوبات استهدفت كيانات تدعم كيانين سبق أن فُرضت عليهما العقوبات، وهما "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI) والشركة الإيرانية لتكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي (TESA)، اللتان تضطلعان بإدارة البرنامج النووي الإيراني والإشراف عليه.
يُعد هذا النهج التصعيدي الذي يتبعه ترمب استمرارا لموقفه المتشدد، الذي اتّبعه أيضا في سياق جهوده الرامية إلى وقف الأعمال العدائية في كل من غزة وأوكرانيا.
وفي الشهر الماضي، وجّه ترمب تحذيرا إلى حركة "حماس" بأنها "ستدفع ثمنا باهظا" إذا لم تُفرج عمن  تبقى من الرهائن الإسرائيليين وتقبل باتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه واشنطن. إلا أن تهديده لم يُترجم إلى خطوات فعلية بعدما رفضت قيادة الحركة مطالبه.
وتكرر المشهد ذاته في تعاطيه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثناء مساعيه لفرض وقف إطلاق نار في أوكرانيا. فبعد أن حذّر الزعيم الروسي من احتمال فرض جولة جديدة من العقوبات الأميركية في حال لم يقبل شروط التهدئة، لم يُقدِم على أي إجراء يُذكر. بل إن روسيا لم تُدرج ضمن قائمة الدول التي فرضت واشنطن عليها تعريفات جمركية مضادة، رغم شن موسكو هجوما جديدا هذا الأسبوع في شمال شرقي أوكرانيا.
ومن غير المرجح أن تكون طهران قد أغفلت عادة ترمب في إطلاق التهديدات القاتمة دون أن تليها خطوات عملية. وهو ما يفسر موقف المسؤولين في النظام الإيراني، الذين بدوا متحفظين للغاية إزاء آفاق المحادثات التي طُرحت بعد أن وجّه ترمب بنفسه رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، في الشهر الماضي، عارضا فتح باب الحوار.

لدى إيران أسباب عديدة تدفعها للحذر من نوايا ترمب، لا سيما أنه هو من قرر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع طهران في عام 2015. وجاء رد خامنئي، على رسالة ترمب الأولية باتهام الرئيس الأميركي بالتخطيط لاغتياله، منددا بمبدأ التفاوض مع الولايات المتحدة، وواصفا إياه بأنه "غير حكيم، وغير ذكي، ولا يليق بالشرفاء".
ومنذ ذلك الحين، عبّر المسؤولون الإيرانيون عن استيائهم من تصريحات ترمب التي أكد فيها أن المحادثات المزمع عقدها في سلطنة عُمان ستكون "مباشرة".
ونفى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بشكل قاطع المزاعم بشأن عقد مفاوضات مباشرة مع واشنطن، مؤكدا أن موقف طهران واضح لا لبس فيه: المفاوضات يجب أن تكون غير مباشرة. وأضاف أن إيران لن ترضخ للضغوط أو التهديدات الأميركية.
وقال عراقجي لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا": "المفاوضات غير المباشرة يمكن أن تضمن حوارا حقيقيا وفعّالا". وأوضح أن المحادثات ستجري بقيادته شخصيا إلى جانب مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بوساطة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي.
ورغم محاولات إدارة ترمب لفرض مناخ من الترهيب قبيل بدء المحادثات، فقد أبدى النظام الإيراني انفتاحا مشروطا على إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجه النووي، شريطة أن تلتزم الولايات المتحدة بعدم اللجوء إلى الخيار العسكري.
وقبيل توجهه إلى سلطنة عُمان، قال عراقجي إن إيران ستشارك في المحادثات "بهدف التوصل إلى اتفاق"، بشرط أن يعلن ترمب بوضوح أنه "لا يوجد حل عسكري لهذه الأزمة"، مشددا على أن إيران "لن تقبل أبدا بسياسة الإكراه".
وتُصر طهران على أن برنامجها النووي ذو طبيعة سلمية بالكامل، وأنها لا تسعى إلى تطوير أسلحة نووية، رغم امتلاكها كميات من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي نظريا لصنع عدة قنابل نووية.
وبذلك، فإن الرهانات في مسقط لا يمكن أن تكون أعلى مما هي عليه الآن. ويبقى السؤال المطروح: هل سيكون ترمب مستعدا لتنفيذ تهديداته بشنّ عمل عسكري إذا فشلت المحادثات؟ أم إن تحذيراته، كما في غزة وأوكرانيا، ستبقى مجرد ضجيج بلا فعل؟

font change