سيلفان سيبيل لـ"المجلة": هكذا انتقلت إسرائيل من الحاجة إلى الإنكار إلى قبول الجريمة

الصحافي والكاتب الفرنسي فنّد في حوار مع "المجلة" التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي خلال ٥٠ عاما... ماذا تغيّر بعد 1967؟

سيلفان سيبيل

سيلفان سيبيل لـ"المجلة": هكذا انتقلت إسرائيل من الحاجة إلى الإنكار إلى قبول الجريمة

كان اللقاء مع الصحافي والكاتب الفرنسي سيلفان سيبيل، في الدائرة العشرين بباريس، الدائرة التي يقول عنها سيبيل، مدير التحرير السابق في صحيفة "لوموند"، أنها أكثر الدوائر التي حافظت على الطابع الكوسموبوليتي في العاصمة الفرنسية التي تتغير وتشهد تحولات عميقة كما سائر العالم. لكن الحديث لم يكن عن "مدينة الأنوار" بل عن منطقة تغرق في الظلمات منذ سنة ونصف، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كذلك لم يكن الحديث عاما يشمل كل ما يحصل في المنطقة، وإنما موضوعه الرئيس كان التحولات التي شهدتها إسرائيل خلال العقود الماضية والتي تفسّر بين عوامل أخرى السياسات اليمينية الإسرائيلية الراهنة.

سيلفان سيبيل الذي نشر في 2023 كتابه الأخير بعنوان: "دولة إسرائيل ضدّ اليهود"، يعرف عن قرب المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي يعرف تحولاته التي تطال أيضا الجيش والمستوطنين، والعلاقة بينهما.

إنها إذن قراءة تاريخية مختصرة ومكثفة لمحطات رئيسة في تاريخ إسرائيل، بين 1948 و1967... بعد حرب الأيام الستة، وصولا إلى حرب السابع من أكتوبر 2023.

وفي الآتي نص الحوار:

* نبدأ بالحديث عن كتابك الأخير.. ما موضوعه؟ ما الذي دفعك لكتابته؟

- هناك سببان دفعاني لذلك. الأول هو رسوخ السياسة التي يتبعها بنيامين نتنياهو، خصوصا تحالفه مع اليمين المتطرف المسيحاني. كان قد شكل تحالفات مع هؤلاء المتطرفين في السابق، لكنها المرة الأولى التي يحتاج فيها إليهم للاحتفاظ بالسلطة، وهذا غيّر الأمور بشكل جذري. السبب الثاني هو شعوري بأن تحولات المجتمع الإسرائيلي صعبة الفهم من الخارج لأسباب عدة، لذلك، أردت في هذا الكتاب أن أظهر تطور هذا المجتمع بمرور الوقت، أي كيف كان الحال في اليوم التالي لحرب 1967 وكيف أصبح الآن. أي توضيح كيف أصبح هذا المجتمع ينحرف بشكل متزايد نحو اليمين المتطرف، وكيف بدأ ذلك يتسبب لمشكلات لليهود من غير الإسرائيليين، أي الذين يعيشون في الخارج.

فأنا لست صهيونيا، وبالنسبة للصهيونيين لا يوجد سوى خطاب واحد يمثل اليهود هو الخطاب الصهيوني، وهم يفعلون ما بوسعهم لمنع اليهود الآخرين من التعبير عن رأيهم.

* هل يمكن التفصيل أكثر؟

- الواقع أن اتجاه المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين بهذا الشكل يدفع "يهود الخارج" للتفكير أكثر بما يحصل في إسرائيل. في الولايات المتحدة، بدأ الكثير من الشباب اليهود يتباعدون بشكل واضح عن إسرائيل. في فرنسا لا نستطيع قول ذلك، لكن ما يمكن قوله هو أن هناك نسبة أكبر من الشباب تقول: "ما يحدث في إسرائيل لا يلائمنا، لا يمكننا دعم سياسة نتنياهو وحلفائه". ورغم أن هذا التوجه لا يزال في نطاق أقلوي بفرنسا، إلا أنه يتزايد.

* في ما يخص نتنياهو، هل هو سياسي يحمل أيديولوجيا معينة أم مجرد سياسي يسعى للبقاء في السلطة؟

- هو في الواقع مزيج من الاثنين. من وجهة نظري، هو أفضل سياسي إسرائيلي حاليا، مثلما يُعتبر دونالد ترمب أفضل سياسي أميركي في الوقت الحالي.

97 في المئة من الإسرائيليين ليسوا مصدومين من خطة ترمب الذي يقترح ارتكاب فعل تطهير عرقي يُعاقب عليه القانون الدولي. هذه هي اليوم طريقة تفكير اليهود الإسرائيليين

* ماذا تقصد بذلك؟

- لدى نتنياهو فهم ممتاز للفرص السياسية التي تخدم مصالحه، وهو بارع في التحالفات. من ناحية أخرى، هو يشبه ترمب من حيث إنه لا يوجد لديه أي تردد أو حدود فيما يتعلق بمصالحه. لكنّ هناك فرقا بينهما. ترمب كان في البداية ديمقراطيا ثم أصبح جمهوريا، وهذا أمر يعقد فهمه، لكن ما يمكن استخلاصه الآن أنه كما تكون قاعدته يكون، قاعدته الآن من اليمين المتطرف فهو كذلك. نتنياهو ليس كذلك، فهو ليس شخصا يتغير بين عشية وضحاها، إنه ينتمي إلى فئة معينة من الصهيونية كانت، منذ الثلاثينات، تؤيد الفاشية بشكل علني وتؤيد موسوليني. هذه هي جذوره الفكرية.

هو رجل يؤمن للغاية بأن العامل الأساسي في السياسة هو القوة. وهو يستخدم المأساة التاريخية لليهود ليؤكد أن السياسة تتلخص في القوة. يوجد قول مشهور، أظن أنه من الكتاب المقدس، مفاده "ما لا يمكن حله بالقوة، يمكن حله بالعقل"، لكن في إسرائيل لا يفكرون كذلك، بل لديهم مقولة مفادها "ما لا يمكن حله بالقوة، يمكن حله بمزيد من القوة"، هذا هو المبدأ الذي يؤمن به نتنياهو على نحو مطلق.

المجلة
غلاف كتاب لسيلفان سيبيل بالفرنسية بعنوان: دولة إسرائيل ضدّ اليهود- 2020

* ما الفارق إذن بين نتنياهو وبين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش؟

- نتنياهو ليس متدينا، بينما سموتريتش وبن غفير متدينان جدا. هو يعقد اتفاقيات وتحالفات معهما، لكن حزبه ليس حزبا دينيا، وجوهر تفكيره ليس دينيا. هو يستخدم التوراة لخدمة سياسته. بينما التيار الديني يعتقد أن الكتاب المقدس هو من يحدّد السياسة. نتنياهو لا يقرأ التوراة في الصباح ثمّ يقول في المساء سننفذ ما ورد في النص، هو ليس كذلك.

* تحدثت بداية عن تحولات داخل المجتمع الإسرائيلي، هل يمكن التفصيل أكثر في هذه النقطة؟

- سأبدأ من الراهن ثم أعود إلى الوراء. لقد أجري استطلاع للرأي في إسرائيل بشأن خطة ترمب لطرد سكان غزة إلى مصر والأردن. في الاستطلاع، قال نحو 50 في المئة من الإسرائيليين إنهم يؤيدون الخطة، بينما قال 45 في المئة منهم إنهم يؤيدونها ولكنهم لا يعتقدون أنها ممكنة، وثلاثة في المئة فقط قالوا إن ذلك غير مقبول أخلاقيا.

هذا يعني أن 97 في المئة من الإسرائيليين ليسوا مصدومين من خطة ترمب الذي يقترح ارتكاب فعل تطهير عرقي يُعاقب عليه القانون الدولي. هذه هي اليوم طريقة تفكير الإسرائيليين.

عندما قال بن غوريون: "سنقول إننا لم نطرد أحدا"، كان في حالة إنكار. كان يريد أن لا تُكتشف الحقيقة، لأنه إذا قال، نعم، لقد طردناهم، فكان يعتقد أن ذلك سيجعل موقفه السياسي غير شرعي

لقد استغرق الأمر وقتا للوصول إلى هنا. في عام 1948 حصل طرد جماعي للفلسطينيين من الأراضي التي سميت بـ"الخط الأخضر"، ولم يبق هناك سوى 13 في المئة منهم. لكن ماذا قالت السلطات الإسرائيلية حينها، بدءا من رئيس الوزراء بن غوريون؟ قالوا: "سنعلن أمام العالم أجمع، وسنعلم أطفالنا، أننا لم نطرد عربيا واحدا، وإنما هم رحلوا طواعية".

إذن، كانوا يكذبون، لكنهم كانوا يخفون كذبهم. أما اليوم، أي بعد أكثر من سبعين عاما، 97 في المئة من الإسرائيليين يقولون إنه يجب طرد الفلسطينيين. والجميع في إسرائيل يعتقدون أن التفكير على هذا النحو هو أمر مشروع.

عندما قال بن غوريون: "سنقول إننا لم نطرد أحدا"، كان في حالة إنكار. كان يريد أن لا تُكتشف الحقيقة، لأنه إذا قال، نعم، لقد طردناهم، فكان يعتقد أن ذلك سيجعل موقفه السياسي غير شرعي. أمااليوم، ففي التلفزيون، والراديو، والصحف، هناك أشخاص يعبرون عن رغبات إبادة جماعية وتطهير عرقي. كل هذا أصبح أمرا عاديا، وجزءا من البرامج السياسية للأحزاب الرئيسة.

أ ب
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الجوية والبريّة الإسرائيلية في جباليا، شمال قطاع غزة، الخميس 30 مايو 2024

* كيف حصل ذلك؟

- هناك في الصهيونية أساس استعماري، لكنها لا تختزل به. جزء من اليهود الذين غادروا وسط أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر لم يغادروا بسبب الاضطهاد والفقر وحسب، بل كان لديهم دافع سياسي، مع أيديولوجيا سياسية لم تكن مهمة كثيرا في "العالم اليهودي" وقتذاك. كان هدفهم إنشاء دولة يهودية يعيش فيها اليهود وحدهم. إذن الصهيونية تتلخص في أن تكون إسرائيل دولة لليهود. فهي ليست مجرد استعمار، بل هي حركة قومية مختلفة عن القومية الفرنسية أو الأميركية مثلا. تلك القوميات فكرتها جامعة. أما الصهيونية فلا تهتم بالآخرين، تريد أن تكون إسرائيل لليهود فقط.

هناك أمر بسيط جدا؛ الشعار الرسمي للصهيونية هو "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، الشعب بلا أرض هم اليهود، والأرض بلا شعب هي فلسطين. لكن كان هناك شعب في فلسطين، وهذا هو ما كان يجب إخفاؤه. لذلك، في الصهيونية هناك تناقض أساسي، هم ينكرون الواقع ليحتفظوا بما يناسبهم.

سأعطي مثالا أخيرا لتوضيح الفكرة. في عام 1948 صدر قراران عن الأمم المتحدة الأول يسمح بإنشاء دولتين، دولة يهودية ودولة فلسطينية. الفلسطينيون والعرب رفضوه، لكن كان هناك أغلبية لصالح إسرائيل فأقر. والثاني يقرّ حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لكن الإسرائيليين لم يقبلوا به أبدا. قبلوا القرار الأول لأنه يناسبهم لكنهم رفضوا القرار الثاني لأنه لا يناسبهم وحاججوا بأن رفض العرب للقرار الأول كاف لتدفيعهم الثمن.

نحن إذن إزاء خطاب إسرائيلي منحاز، يحتفظ بما يناسبه ويتجاهل ما لا يناسبه. لكن منذ عام 1948 حتى عام 1967، كان الإسرائيليون يتظاهرون بأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.

في تاريخ إسرائيل المبكر، كان الأميركيون في محطات عدة يقولون لإسرائيل: لا. لكن سيأتي وقت يتوقف فيه هذا الأمر لسببين

لكنّ حرب عام 1967 جعلتهم يشعرون بالنشوة. لقد أعادت تلك الحرب إلى الواجهة ما كان يطالب به جزء كبير من الحركة الصهيونية، أي إسرائيل من البحر إلى النهر، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة. لقد اعتاد الإسرائيليون- ما دام لا أحد يمنعهم من فعل ما يفعلون- على أن يكون الاستيطان واحتلال الفلسطينيين هما الوضع الطبيعي، وطالما أنهم اعتادوا على مجتمع يوجد فيه نوعان من الناس، أولئك الذين لديهم حقوق وأولئك الذين لا يملكونها، فهذا يغير طريقة نظرهم إلى الأمور. لهذا انتقل المجتمع الإسرائيلي من الحاجة إلى الإنكار إلى قبول الجريمة.

لقد سبق أن أجريت مقابلات مع مستوطنين، هم يقولون إنهم عندما أخذوا المستوطنات، لم يكن فيها أحد. لكن غزة هي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، والضفة الغربية لا تقل عنها كثيرا في ذلك. إذن، إنه الإنكار التام.

* هل تحولات المجتمع الإسرائيلي عائدة أيضا إلى تحولات عالمية؟ وهل من تأثير للتحالف مع الولايات المتحدة على هذه التحولات؟

- القيادة الإسرائيلية أدركت بسرعة، بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس دولة إسرائيل، أن الهيمنة البريطانية قد انتهت، وأن القوة الأهم في المنطقة ستكون الولايات المتحدة.

أ.ب
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الوسط، يرتدي سترة واقية وخوذة في شمال قطاع غزة، 25 ديسمبر 2023

بيد أنه في تاريخ إسرائيل المبكر، كان الأميركيون في محطات عدة يقولون لإسرائيل: لا. في عام 1948، على سبيل المثال، عندما دخلت القوات الإسرائيلية سيناء وكانت على وشك عبور قناة السويس والدخول إلى مصر، تدخل الرئيس الأميركي هاري ترومان وقال لهم: "هل أنتم مجانين؟ هل تريدون إسقاط النظام الملكي في مصر؟ وأعطاهم مهلة 24 ساعة للانسحاب. في عام 1956، حدث الأمر نفسه عندما سيطرت إسرائيل على سيناء وأرادت الاحتفاظ بها، ولكن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور، رغم انشغاله بمشكلات أخرى، أخذ بعض الوقت ثم تدخل وأمرهم بالانسحاب من غزة وسيناء بعد بضعة أشهر. وفي عام 1973، عندما اشتعلت الحرب عبر الإسرائيليون القناة، فتدخل الأميركيون مجددا وقالوا لهم: "ماذا تريدون؟ هل تريدون إسقاط السادات؟ هل تريدون أن يتم اغتياله؟ أنتم مجانين! عليكم الانسحاب فورا من هناك".

لكن سيأتي وقت يتوقف فيه هذا الأمر لسببين. أولا، بدأ الإسرائيليون يدركون تدريجيا كيفية تعزيز مكانتهم لدى الأميركيين كقوة إقليمية في الشرق الأوسط. وثانيا، سيقتنع الأميركيون أن هناك فرقا بين إسرائيل وجميع الدول الأخرى الحليفة لهم في المنطقة. لماذا؟

لأن الشعوب العربية ليست مؤيدة إجمالا للسياسات الأميركية، بينما الإسرائيليون مؤيدون. بالتالي أيا يكن على رأس السلطة في إسرائيل فإن العلاقة بين إسرائيل وأميركا تظل ثابتة، لأن الشعب الإسرائيلي يقف دائما إلى جانب أميركا.

التغيير الرئيس الذي حصل في الجيش على مدار 50 عاما يتمثل في أن المسيحانيين أصبحوا يشغلون مناصب أكثر أهمية داخل هيئة الأركان العامة

كانت هذه الديناميكية واضحة جدا عندما شنت الولايات المتحدة حربين على العراق في 1990 و2003، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن الشعب الإسرائيلي كان أكثر دعما للحرب من الشعب الأميركي نفسه. من هذه الزاوية، قدّر الأميركيون أنهم إذا منعوا إسرائيل من فعل ما تريد، فإن ذلك سيضعفها، وما داموا لا يدركون نتائج إضعافها على تحالفهم معها وعلى استراتيجياتهم في المنطقة، فهم يفضلون أن لا يخاطروا... هكذا، فكر جو بايدن طوال الوقت، تركهم يفعلون ما يريدون.

* ما الفرق إذن بين بايدن وترمب في ما يخص دعم إسرائيل؟

- لقد دعم بايدن إسرائيل عسكريا في الحرب على غزة، لكنه لم يكن ليوقع على نقل السفارة الأميركية إلى القدس قبل التوصل إلى تسوية في المنطقة. هذا هو الفرق بين الرجلين. ترمب ليس لديه أي احترام للقانون الدولي، أما بايدن، فهو يحاول التظاهر بالتقيد به، وعندما لا يكون الأمر مناسبا له، يستخدم حق النقض. لكن ترمب لا يهتم بالقانون الدولي على الإطلاق.

لكن في النهاية، إسرائيل تفضل ترمب، لأن العقلية في إسرائيل اليوم هي كراهية القانون الدولي. هم يقولون، إنهم يكرهون الأمم المتحدة، الأمم المتحدة هي "الأونروا"، "الأونروا" هي الكارثة، ويجب تدميرها. وهذا ما فعلوه في غزة.

المجلة
غلاف كتاب لسيلفان سيبيل بالإنكليزية، بعنوان: "المطمورون، المجتمع الإسرائيلي في طريق مسدود"- 2006

* هل شملت تحولات المجتمع الإسرائيلي الجيش أيضا؟

- بالتأكيد، التغيير الرئيس الذي حصل في الجيش على مدار 50 عاما يتمثل في أن المسيحانيين أصبحوا يشغلون مناصب أكثر أهمية داخل هيئة الأركان العامة. لقد فرضت الحركة المتمثلة في الاستيطان المسيحاني إرادتها على الجيش. تاريخيا، كان سكان الكيبوتسات (وهم من خلفية يسارية)، أي ثلاثة في المئة فقط من الإسرائيليين، يشكلون 40 في المئة من الضباط الكبار في الجيش.

بيد أن المسيحانيين عملوا بشكل فعال على مدار 50 عاما، لترسيخ حضورهم على الصعيد الأيديولوجي في إسرائيل، حيث أنشأوا معاهد، ومؤسسات، وأصبح لهم دور متزايد في المدراس والجامعات. اليوم هناك تفسير للكتاب المقدس في المدارس باعتباره وحيا، وليس مجرد قصة أسطورية، وهذا لا يقتصر على المدارس الدينية وحسب.

منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في 1994، أي منذ نحو 30 عاما، واغتيال إسحاق رابين على يد يغال عمير بعد ذلك بعام، لم يتوقف المعسكر المسيحاني عن توسيع نطاق نفوذه

* ألم يكن الأمر كذلك قبلا؟

- كان كذلك لكن الخطاب كان مختلفا. قبلا كان الكتاب المقدس يقدم غالبا كقصة لشعب إسرائيل، أما الآن فقد تحول إلى دليل ممارسة. إذا كان الكتاب المقدس يقول إن الله سمح بإبادة سكان أريحا بالكامل، بما في ذلك الأطفال والنساء والمسنون... إلخ، فحينها يصبح ذلك مشروعا لأن الله أمر بذلك، وقد ورد في الكتاب المقدس... هذا هو التغيير الكبير، اليوم، هناك جنرالات يعتقدون بذلك.

* هل طالت هذه التحولات المستوطنين أيضا؟ وكيف؟

- نعم، في البداية كان الجيش الإسرائيلي موجودا في الضفة الغربية لسببين، حماية المستوطنين، وأيضا الحفاظ على النظام في الأراضي المحتلة. اليوم لم يعد الجنود حماة للمستوطنين بل أصبحوا في خدمتهم.القرار الآن للمستوطنين، وهذا التحول استغرق 50 عاما.

لكن لماذا؟ لأنه في الحقيقة، الإسرائيليون لم يتوقفوا أبدا عن الاستيطان. هناك حكاية مشهورة جدا في إسرائيل عندما دخل مستوطن من أقصى اليمين، يدعى باروخ غولدشتاين، إلى الحرم الإبراهيمي بالخليل عام 1994 وقتل 29 مصليا مسلما وجرح أكثر من 250. وقتذاك قال الكثير من مستشاري إسحاق رابين له: "لديك فرصة رائعة الآن، يجب تحويل غولدشتاين إلى مثال". لأن رابين هو الزعيم الإسرائيلي الوحيد الذي كان فعلا ضد المستوطنين. قالوا له: "هذه فرصة استثنائية لأنك إذا أمرت الجيش بأن يخرج هؤلاء المستوطنين، فلن يستطيع أحد الاعتراض بالنظر إلى هول الجريمة". لكنه تردد، ولم يفعل ذلك، وقال: "ماذا سيعطينا الفلسطينيون في المقابل؟".

وفرض حظر تجوال على مدينة الخليل والمناطق المحيطة بها، وهذا يعني كل شيء عن الاستيطان الإسرائيلي، فعندما ينفذ الفلسطينيون هجوما، فإن جميع القرى والمدن الفلسطينية تخضع لحظر تجوال، وعندما ينفذ يهودي هجوما، تخضع القرى والمدن الفلسطينية أيضا لحظر تجوال. لماذا؟ لأنهم يريدون تجنب رد الفعل. هذه هي الحال إذن في الأراضي المحتلة، أيا يكن المجرمون فإن من يدفع الثمن دائما هم الفلسطينيون.

أعتقد أنه منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في العام 1994، أي منذ نحو 30 عاما، واغتيال إسحاق رابين على يد يغال عمير بعد ذلك بعام، لم يتوقف المعسكر المسيحاني عن توسيع نطاق نفوذه، رغم أنه بقي ولمدة طويلة هامشيا في الحركة الصهيونية.

font change

مقالات ذات صلة