غزة تواجه أزمة جوع خانقة في ظل تراجع الاهتمام العالمي

على حافة الهاوية

رويترز
رويترز
فلسطينيون يفرون من منازلهم، بعد أن أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء لعدد من الأحياء، في أعقاب الضربات الإسرائيلية العنيفة، في شمال قطاع غزة 18 مارس

غزة تواجه أزمة جوع خانقة في ظل تراجع الاهتمام العالمي

منذ بداية مارس/آذار الماضي، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا بإغلاق كافة المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وشاحنات الوقود بشكل كامل. وكان من المفترض بموجب البروتوكول الإنساني الموقّع ضمن اتفاق وقف إطلاق النار منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أن يتم السماح بدخول 600 شاحنة مساعدات يوميا و50 شاحنة وقود، إلا أن إسرائيل وبعد مماطلات في عقد جلسات تفاوضية مع حركة "حماس" برعاية الوسطاء- مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية- خلال المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق لتطبيق المرحلة الثانية، وفور انتهاء فترة المرحلة الأولى مباشرة، اتخذت إسرائيل قرارا بإغلاق المعابر كافة، وحتى إشعار آخر.

وعلى مدار أكثر من شهر من منع دخول المساعدات الإغاثية والإنسانية والمواد الغذائية الأساسية والخضراوات واللحوم المجمدة والمحروقات والمستلزمات الطبية، تفاقمت الأزمات وانعكست على كافة مناحي الحياة لأكثر منمليونين و400 ألف مواطن في قطاع غزة، واجهوا مخاطر الجوع والمرض والقتل والاعتقال والنزوح على مدار أكثر من عام ونصف العام دون أي حلول، حتى باتوا على مشارف مواجهة كارثة إنسانية ومجاعة قادمة وانتشار للأمراض بسبب انعكاس أزمة إغلاق المعابر على حياتهم اليومية تحت القصف والتوغلات البرية الإسرائيلية واستمرار عمليات التدمير والقتل بشكل يومي.

وفور إعلان إسرائيل إغلاق المعابر، بدأت أسعار السلع والبضائع بكافة أنواعها في الارتفاع تدريجيا من قبل التجار والباعة، وذلك بالتزامن مع فئة بسيطة مازال لديها بعض من مصادر الدخل والقدرة على شراء كميات أكبر من المعتاد من السلع لتخزينها خوفا من استمرار عملية الإغلاق لفترة طويلة.

مسعود سلمان، من سكان وسط قطاع غزة، يوضح لـ"المجلة"، أنّ أزمة إغلاق المعابر من قبل إسرائيل، لم تكن المرة الأولى خلال حرب الإبادة الجماعية التي انطلقت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث أغلقت أكثر من مرة وفي كل إغلاق كان يستمر لأسابيع، كان يواجه مشاكل فقد السلع الأساسية وارتفاع أسعارها، ما دفعه للتبضع وشراء كميات تكفي لشهرين تقريبا.

ويضيف: "الأسعار ارتفعت مباشرة بعد إغلاق المعابر، واضطريت أشتري، لكن كمان الخضراوات واللحوم المجمدة ما قدرت أشتري منها كميات، لا في عنا كهربا ولا ثلاجات، وين بدي أخزنها"، مشيرا إلى أنه تمكّن من الشراء بسبب استمرار قدرته على العمل وتوفير دخل شهري، وعدم فقده لمنزله وعائلته، حيث فقد أكثر من 70 في المئة من سكان القطاع مصادر الدخل كما فقدوا منازلهم وأصبحوا يتنقلون بين مخيمات النزوح، وذلك قبل استئناف الجيش الإسرائيلي للعمل العسكري في 18 مارس الماضي بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

ونتيجة للحرب وما خلفته من كوارث وأزمات على مدار عام ونصف العام، أصبح قرابة 80 في المئة من سكان غزة، يعتمدون على المؤسسات والمنظمات الدولية الإغاثية والتي تقدم لهم طُرودا غذائية كلما سمحت إسرائيل لتلك المنظمات بدخول شاحناتها، كما يعتمدون على وجبة طعام يومية يحصلون عليها من تكايا الطعام الخيرية والتي تشرف عليها مؤسسات دولية ومحلية ومُبادرين محليين، إلا أنهم ومع استمرار إغلاق المعبر باتوا يواجهون شحا في الكميات المخزنة ما اضطر الكثير من القائمين على تكايا الطعام تخفيض عدد الوجبات اليومية التي يقدمونها للنازحين، فيما أغلق آخرون وتوقفوا عن تقديم خدماتهم الإنسانية الأساسية.

 أصبح قرابة 80 في المئة من سكان غزة، يعتمدون على المؤسسات والمنظمات الدولية الإغاثية والتي تقدم لهم طُرودا غذائية كلما سمحت إسرائيل لتلك المنظمات بدخول شاحناتها

تقول فوزية عبد الرحمن، النازحة إلى منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس، إنها كانت تحصل يوميا وأطفالها على وجبة طعام رئيسة، والتي تتكون من لحوم أو دواجن وأرز مطبوخ مع واحدة من أنواع الخضراوات، لكن ومع إغلاق المعابر، انخفضت كميات اللحوم والدواجن في وجباتهم بشكل يومي حتى اختفت تماما بعد انتهاء الكمية المتوفرة في الأسواق.وأضافت لـ"المجلة": "حتى كمية الخضراوات والأرز تناقصت يوم عن يوم وبدل ما كنا نشبع أنا وولادي منها، صارت يادوب بتكفي وأحيانا لولاد بحكولي، يما ما شبعنا".

حاولت فوزية النزول إلى السوق بهدف شراء بعض الخضراوات المتوفرة- حيث يعتمد القطاع على ما هو متوفر من كميات بسيطة من الخضراوات التي يقوم بزراعتها المزارعون في منطقة المواصي غرب خانيونس، لكنها لم تتمكن من شراء كميات كافية، موضحة: "يعني نزلت على السوق، في خضراوات أساسية من بندورة وخيار وباذنجان وكوسا ومزروعات ورقية، لكن الأسعار كتير غالية وأنا ما بقدر عليها، ما عندي مصدر دخل وزوجي متوفي وبعتمد على المساعدات من أهل الخير والجمعيات".

ارتفاع أسعار المحروقات

ربما المشكلة الثانية التي أثرت على مناحٍ مختلفة من حياة الغزيين تحت الحرب وبسبب إغلاق المعابر، ومنع دخول المحروقات بمختلف أنواعها وخاصة غاز الطهي، حيث ارتفعت أسعار الكيلو الواحد من قرابة 10 دولارات لكل كيلو من السوق السوداء، إلى قرابة 70 دولارا لكل كيلو واحد، فيما ارتفع سعر لتر البنزين من نحو15 دولارا في السوق السوداء إلى ما بين 90 وحتى 100 دولار لكل لتر واحد، وانعكس ارتفاع أسعار المحروقات على أزمة مياه حادة، بات يعاني منها أكثر من 90 في المئة من السكان، وذلك نتيجة اعتمادهم على تشغيل مولدات الطاقة على المحروقات مرتفعة الأسعار وعدم قدرتهم على شرائها ودفع ثمن المياه الباهظ جدا بالنسبة لأوضاعهم المادية المتهالكة في الوقت الحالي.

ويوضح بشير سمعان من مدينة غزة، لـ"المجلة"، والذي فقد مصدر دخله الوحيد منذ بداية الحرب، وأصبح يعيش على الطرود الغذائية والتكايا وبعض المساعدات النقدية هو وأسرته، لم يعد بإمكانه شراء الماء سواء الذي يستخدم للأعمال اليومية (الاستحمام وغسل الأطباق وغسل الملابس أو في دورة المياه)، أو ماء الشرب، وذلك بسبب ارتفاع سعر كوب الماء الواحد من نحو25 دولارا إلى أكثر من 100 دولار لكل كوب ماء، مضيفا "من وين بدي أقدر أشتري المي أنا؟ مصدر دخل ما في والأسعار في الطالع كل اشي طالع إلا دمنا بالنازل سعره".

أيضا، ساهمت أزمة المحروقات وبالأخص غاز الطهي، من توقف عمل مطاعم شعبية وتكايا طعام خيرية وكذلك الأهم، توقف عمل 25 مخبزا مدعوما من قبل منظمة الغذاء العالمي (WFP)أواخر مارس الماضي، وذلك بعد نفاذ مخزون الغاز وكذلك الطحين. وكانت تباع ربطة الخبز الواحدة والمدعومة من قبل المنظمة الدولية بـ2 شيكل أي قرابة 60 سنتا، فيما كان يباع جوال الطحين الذي يزن 25 كيلوغراما بما يعادل 6 دولارات لكنه ارتفع بعد إغلاق المخابز وتوقف عملها لأكثر من 50 دولارا لكل جوال طحين.

ولم تتوقف الكوارث الناجمة عن أزمة منع دخول المحروقات والتي انعكست كذلك على: "توقف برامج فتح الشوارع وإزالة الركام بسبب انعدام الوقود، وتراكم النفايات في مئات الشوارع، وانتشار البعوض والحشرات الضارة وانتشار الأمراض"، وكذلك توقف شبه كامل لقطاع النقل والمواصلات بسبب ارتفاع الأسعار وشُح الكميات المتوفرة، حيث بات من الصعب الحصول على وسيلة نقل من مكان إلى آخر، وفي حال توفرها تكون مكلفة بشكل غير منطقي، لتصاحب حركة النقل والمواصلات بالشلل.

وفي هذا الإطار، حذرت وزارة الصحة في غزة، من انعكاس إغلاق المعابر ومنع دخول المحروقات في قدرتها على تشغيل مولدات الطاقة بالمستشفيات في مختلف المناطق، وكذلك قدرتها على استمرار تشغيل سيارات الإسعاف التي تنقل الضحايا والجرحى جراء استمرار عمليات القصف الإسرائيلي. وحذر مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة بغزة الدكتور محمد زقوت، خلال حديثه لـ"المجلة"، من انخفاض مخزون الوزارة للمستلزمات الطبية، وفقدان عشرات الأصناف الأساسية، لسببين: الأول يتمثل في منع دخول الشاحنات التي تحمل مستلزمات طبية في ظل استمرار إغلاق المعابر، والثاني في استمرار استهداف الجيش الإسرائيلي مستودعات المستلزمات الطبية والأدوية، والتي كان آخرها، استهداف مستودع يحتوي على مخزون من المستلزمات الطبية تابع للمركز السعودي للثقافة والتراث في رفح.

37 في المئة من الأدوية أصبح رصيدها في المخازن والمستودعاتصفرا، فيما يضطر الأطباء في المستشفيات لاستنزاف أدوية العمليات والعناية المركزة وأقسام الطوارئ بمستويات غير مسبوقة

وقالت وزارة الصحة إن37 في المئة من الأدوية أصبح رصيدها في المخازن والمستودعات صفرا، فيما يضطر الأطباء في المستشفيات لاستنزاف أدوية العمليات والعناية المركزة وأقسام الطوارئ بمستويات غير مسبوقة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية.

أما عن أدوية مرضى السرطان وأمراض الدم، فإن54 في المئة من الأصناف أصبح رصيدها صفرا، الأمر الذي يهدد حياة المرضى واضطرارهم لتوقف بروتوكولات علاجهم.

رويترز
فلسطينيون بين الدمار بعد غارة إسرائيلية على منزل في الشجاعية في مدينة غزة، 9 أبريل

وأوضح مدير عام المستشفيات زقوت، أن استمرار الجيش الإسرائيلي بإغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات الغذائية والطبية، من شأنه أن ينذر بمجاعة قريبة وكارثة غذائية وصحية وإصابة غزيين بفقر الدم خاصة فئة الأطفال منهم نتيجة سوء التغذية، مضيفا: "كذلك أزمة الوقود وتعطيل خطوط المياه وانتشار القمامة في الشوارع والحشرات، كل ذلك ينذر بتفشي الأمراض الجلدية والرئوية، لذلك طالبنا ولازلنا نطالب بتحرك دولي وإخراج المنظومة الصحية من دائرة الاستهداف الإسرائيلي وإتاحة الإمدادات الطبية".

font change