لطالما كانت محافظة السويداء جزءا فاعلا في المشاريع الوطنية الكبرى التي شهدها التاريخ السوري الحديث، حيث تميزت النخبة الدرزية بميلٍ قوي نحو الاندماج في إطار الدولة الوطنية، بعيدا عن النزعات الانفصالية. تجسد هذا الميل في مراحل مفصلية، بدءا من مقاومة الاحتلال العثماني والمشاركة في الثورة العربية الكبرى ثم السورية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش، مرورا بمشروع الدولة الدستورية بعد الاستقلال، وصولا إلى الانخراط في المشروع القومي الناصري. كانت هذه المشاريع ذات الطابع العمومي، البيئة التي وجد فيها الدروز أنفسهم،جزءا من الكيان الوطني السوري.
إلا أن التحولات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد أفرزت حالة من الغموض والتوتر داخل السويداء، انعكست في تباين مواقف المرجعيات الروحية، والزعامات التقليدية، والفصائل المسلحة، والقوى السياسية والمدنية تجاه الإدارة السورية الجديدة. لم يكن هذا التباين وليد اللحظة، بل تغذى بعوامل متعددة، أبرزها السياسات الحكومية الجديدة التي شملت قرارات التعيين وعمليات التسريح والفصل التي طالت الآلاف من موظفي القطاع العام، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية واستمرار الأزمات الاقتصادية والمعيشية والخدمية دون أي تحسن ملموس.
إلى جانب هذه العوامل الداخلية، كان للأحداث التي شهدها الساحل السوري أثر عميق في تشكيل مواقف فئات واسعة من أهالي السويداء. إلى جانب أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري بين مقاتلين مرتبطين بالحكومة السورية الجديدة وقوات موالية للرئيس المخلوع بشار الأسد، وما رافقها من انتهاكات ضد المدنيين، وجرائم قتل ذات صبغة طائفية ضد العلويين، أثارت هذه الأحداث لدى الدروز قلقا وجوديا حقيقيا، مما زاد من توترهم حيال مستقبلهم واستقرارهم.
وبالإضافة إلى هذه العوامل، فقد جاء الإعلان الدستوري مخيبا لآمال البعض، ما عمق حالة القلق داخل السويداء- التي تشهد حراكا مدنيا وسياسيا يشي بذلك، في ظل غياب رؤية وطنية جامعة قادرة على استيعاب المكونات المختلفة ضمن مشروع يوحّد السوريين، ويحد من تعميق الاستقطابات القائمة.