هل يتراجع ترمب عن حرب تجارية عالمية مدمّرة؟

إن سوق الأسهم هو المعيار الأوضح والأكثر شفافية لنجاح الرئاسة الذي يتحدث عنه الرئيس الأميركي كثيرا

أكسل رانجيل غارسيا
أكسل رانجيل غارسيا

هل يتراجع ترمب عن حرب تجارية عالمية مدمّرة؟

كما قد يقول الكوميدي أوليفر هاردي للرئيس الأميركي دونالد ترمب ساخرا من تعريفاته الجمركية، "ها قد أوقعتنا في فوضى جميلة أخرى". في أول يوم كامل من التداول بعد إعلان ترمب، شهدت الأسواق الأميركية أكبر تراجع لها منذ الأيام الأولى لجائحة "كوفيد-19" في عام 2020، إذ انخفض مؤشر داو جونز الصناعي 1679 نقطة.

ماذا الآن؟

إذا استمرت الأسواق في الهبوط وتدنت أرقام استطلاعات ترمب، فسيبحث على الأرجح عن طريقة لتخفيف الألم. ماذا عن تعليقه بأنه "لا يهتم" إذا ارتفعت أسعار السيارات بسبب الرسوم الجمركية؟ لا تصدقوا ذلك. فاستجاباته لضغوط السوق خلال حربه التجارية مع الصين في ولايته الأولى تعطي بعض المؤشرات بشأن المسارات المحتملة التي سيسلكها إذا قرر التراجع أو إذا تحدى آخرون قراراته – يحتمل أن ينتهج بعضهم ذلك أكثر من بعضهم الآخر.

الاستثناءات. كان غياب ما يسمى "الاستثناءات" - الصناعات أو المنتجات التي تعفى من الزيادات الجمركية - من الأمور الأكثر إثارة للحيرة في إعلان ترمب يوم الأربعاء في 2 أبريل/نيسان الجاري. وكما أشار مؤرخ التجارة في "كلية دارتموث"، دوغلاس إروين، على موقع "إكس"، لم يستثن ترمب حتى ثلثي الواردات، وفقا لتقديره، التي تعفى عادة من الرسوم. وتشمل السلع الأساسية مثل القهوة والشاي والموز، التي تنتج الولايات المتحدة كميات ضئيلة منها.

سيفرض رسم جمركي يصل إلى 54 في المئة على أجهزة "أيفون" المشحونة من الصين، ولا بد أن تؤدي الزيادة الكبيرة في الأسعار إلى إضافة ضغط سياسي على ترمب لخفض الرسوم

في أثناء الحرب التجارية الأولى التي شنها ترمب، حرص ممثله التجاري الأميركي على عدم فرض تعريفات جمركية على سلع استهلاكية صينية باهظة الثمن مثل الهواتف المحمولة والحواسيب المحمولة. لكن ليس هذه المرة. فبدءا من 9 أبريل/نيسان، ستفرض تعريفة جمركية تصل إلى 54 في المئة على أجهزة "أيفون" المشحونة من الصين. ولا بد أن تؤدي الزيادة الكبيرة في الأسعار إلى إضافة ضغط سياسي على ترمب لخفض الرسوم.

وعقدت إدارة ترمب الأولى أيضا جلسات استماع مطولة طلبت فيها الشركات إعفاءات من التعريفات الجمركية لعدم تمكنها من العثور على بدائل للواردات الصينية. ووصفت مؤسسة "بروببليكا" الصحفية الإجراءات بأنها "نعمة لمجموعة واحدة من اللاعبين: صناعة النفوذ في واشنطن، بما في ذلك الشركات المرتبطة بمسؤولين وحلفاء سابقين لترمب،" الذين وظفوا لمساعدة الشركات في تجنب التعريفات الجمركية.

الاستثناءات تخفف أثر التعريفات الجمركية

توقعوا عملية مماثلة هذه المرة أيضا. فالاستثناءات تخفف أثر التعريفات الجمركية، وترضي الأسواق والمستوردين. كما أنها تمنح ترمب فرصة أخرى للقيام بدور صانع الملوك بتحديد أي المنتجات والشركات يحظى بالمساعدة وأيها تجب إعاقتها – ومطالبتها بتقديم خدمات في المقابل.

وكان البيت الأبيض قدم الاسبوع الماضي، قائمة طويلة بفئات المنتجات التي ستعفى من التعريفات الجمركية الجديدة، ووصفها بمصطلحات لا يقدرها إلا المحامون التجاريون. وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن السلع تشمل منتجات الطاقة وبعض المعادن والمواد الكيميائية المستخدمة في الطاقة والتصنيع وسواها. وتوقعوا سماع مزيد من التطورات في هذا الشأن.

لطالما عُهد عن ترمب أن يحوّل المسؤولية عن الكوارث الى أشخاص محددين، يرجح أن يكون كبش الفداء وزير التجارة هوارد لوتنيك، الذي كان أبرز مؤيدي ترمب في المسائل التجارية

لطالما عُهد عن ترمب أن يحوّل المسؤولية عن الكوارث - وطرد أحد أشخاص لا علاقة لهم بها. الأسبوع الماضي، طرد ستة مسؤولين في مجلس الأمن القومي بعد شكاوى من منظّرة المؤامرة اليمينية المتطرفة لورا لومر والإحراج التي تسببت به قضية سيغنال غيت.

وزير التجارة كبش الفداء

على صعيد التجارة، يرجح أن يكون كبش الفداء وزير التجارة هوارد لوتنيك، الذي كان أبرز مؤيدي ترمب في المسائل التجارية. فقد صرح الخميس الماضي لشبكة "سي بي إس" بأن ترمب لن يتراجع إذا هبطت الأسواق، وأبلغ شبكة "سي إن بي سي" إن ترمب لن يقدم أي إعفاءات. وقال، "لا أعتقد أن كلمة إعفاء ستكون عاملا مؤثرا". وفي الشهر الماضي، قال إن التعريفات الجمركية "ستكون مجدية" حتى لو تسببت في حدوث ركود - مع أنه سارع إلى تحميل الرئيس السابق جو بايدن المسؤولية عن أي ركود محتمل.

تولى لوتنيك حقيبة التجارة، الأمر الذي فاجأ العديد من مراقبي ترمب الذين توقعوا عودة روبرت لايتهايزر، كبير المسؤولين التجاريين السابق، إلى الحكومة. وسيكون لايتهايزر البديل الواضح للوتنيك. فهو، مثل ترمب، من الدعاة المتشددين لفرض التعريفات الجمركية، لكنه خلافا لرئيسه السابق يتبع نهجا منظما يقلل الضغوط السياسية المطالبة بعكس المسار. وفي كتابه "ما من تجارة حرة"، يدعو إلى القضاء على العجز التجاري مع الصين، على سبيل المثال، إنما يريد القيام بذلك على مدى عدة سنوات.

ما هو مرجح لإعلان ترمب النصر

كيف يمكن لترمب إعلان النصر؟ انتهت أول حرب تجارية لترمب عندما وقعت الولايات المتحدة على المرحلة الأولى من اتفاق تجاري مع الصين في يناير/كانون الثاني 2020. ومع أن الاتفاق لم يحدث تغييرا كبيرا في السياسات الاقتصادية لبكين، فإنه وعد بمشتريات كبيرة (لم تفِ بها الصين أبدا). في ذلك الوقت، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وتزايد الضغوط لإنهاء حرب تجارية استمرت عامين، كان ترمب بحاجة إلى اتفاق يمكنه تقديمه بأنه انتصار.

ألغت إسرائيل التعريفات التي كانت تفرضها على أميركا كوسيلة - غير ناجحة حتى الآن - لكي يتراجع ترمب. وأبدت المكسيك حذرا من القيام برد انتقامي. أما اليابان،فلا ترد لأنها تعتمد بشدة على حماية أميركا العسكرية

هذه المرة، لا يواجه ترمب الضغط المباشر للانتخابات الفيدرالية، لكن الخسارة الأخيرة في انتخابات المحكمة العليا في ويسكونسن شكلت ضربة قوية. وهناك كثير من الطرق التي يمكن ان يتبعها ترمب لإعلان النصر إذا أراد ذلك.

كيف تصرفت إسرائيل والمكسيك واليابان؟

فقد ألغت إسرائيل، على سبيل المثال، التعريفات الجمركية التي كانت تفرضها على الولايات المتحدة بوصفها وسيلة - غير ناجحة حتى الآن – لكي يتراجع ترمب عن تعريفاته. وأبدت المكسيك أيضا حذرا من القيام برد انتقامي. أما اليابان، التي تواجه الآن تعريفة تبلغ 24 في المئة، فإنها لم ترد أبدا في فترة ما بعد الحرب على العقوبات التجارية الأميركية لأنها تعتمد بشدة على الحماية العسكرية الأميركية.

وبتحقيق ما يكفي من هذه "الانتصارات"، أكانت جوهرية أو رمزية، يستطيع ترمب أن يتدبر طريقة للتراجع عن تهديداته على نطاق أوسع. وفي حديثه إلى الصحافيين على متن طائرة الرئاسة، قال إنه قد يكون مهتما بإبرام اتفاقات مع بعض الدول لإلغاء التعريفات الجمركية "ما دامت تقدم لنا شيئا جيدا".

أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث إلى الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان"، والى اليسار المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت بينما المشتركة، في 6 أبريل 2025.

في الإجراءات القضائية. يقول ترمب إن قانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية يمنحه سلطة فرض تعريفات جمركية عالمية ضخمة. ويمنح هذا القانون الرئيس سلطات واسعة "للتعامل مع أي تهديد غير عادي واستثنائي". لكن هل يخوله العجز التجاري الأميركي بذلك، بالنظر إلى أن البلاد تعاني من عجز تجاري سنوي منذ سنة 1976؟

في الحرب التجارية لترمب، رفض وزير الخزانة ستيفن منوتشين استخدام قانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية لتبرير العقوبات التجارية لأنه شعر بالقلق بشأن الحفاظ على مصداقية الدولار بوصفه عملة احتياطية، لذا لم تختبر الصلاحية الرئاسية من الناحية القانونية.

أي دور للمحاكم والقضاء في الطعن بالتعريفات؟

مع ذلك، تشير السوابق إلى أن المحاكم ستتوخى الحذر في اتخاذ إجراء. ففي أغسطس/آب 1971، استخدم الرئيس نيكسون  قانونا سابقا لقانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية للإعلان عن فرض تعريفة جمركية عالمية بنسبة 10 في المئة – أي ما يسمى صدمة نيكسون – بوصفها وسيلة للضغط على اليابان وألمانيا الغربية لإعادة تقييم الدولار. وقد ألغى التعريفة بعد أربعة أشهر عندما وافقت مجموعة العشر، التي كانت أكبر 10 اقتصادات في ذلك الوقت، على تخفيض قيمة العملة بموجب اتفاقية سميثسونيان.

ورفع عدد من كبار المستوردين دعوى قضائية على نيكسون، بحجة أنه يفتقر إلى صلاحية فرض التعريفة الجمركية، لكنهم خسروا. فقد قضت المحكمة الأميركية للجمارك والطعن في براءات الاختراع، التي لم تعد قائمة الآن، بأن إجراءات نيكسون كانت "استجابة معقولة لحالة الطوارئ الوطنية المعنية".

الدرس المستفاد هو أن المحاكم تنقاد إلى الرئيس في الغالب عندما يتعلق الأمر بتفسيرات صلاحيات الأمن القومي.

غيتي
مبنى الكونغرس الأميركي في واشنطن

يملك الكونغرس صلاحية إلغاء حالة الطوارئ أو استعادة دوره الدستوري في تحديد التعريفات الجمركية. لكن ذلك يتطلب من الجمهوريين معارضة الرئيس، وفي حال فعلوا ذلك، يستطيع ترمب أن ينقض مثل هذا الإجراء ما لم يحقق الكونغرس أغلبية محصنة ضد النقض وهو أمر مستبعد سياسيا في الوقت الحالي.

مع أن أربعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ صوتوا مؤخرا مع الديمقراطيين لمنع فرض التعريفات الجمركية على السلع الكندية، فإن من غير المتوقع أن يقر مجلس النواب هذا الإجراء.  كما أدرج في مشروع قانون الإنفاق الأخير تراجع مؤقت عن صلاحيات الكونغرس نفسه الخاصة بإلغاء حالة الطوارئ. لكن التراجع ليس أمرا مؤكدا..

هذه المرة، شن ترمب حربا على العالم بأسره، وليس الصين فحسب. ويبقى السؤال مفتوحا؛ هل سيدفعه تراجع السوق إلى تخفيف التعريفات الجمركية، أم أن الإجراءات الانتقامية قد تجعله يتمسك بموقفه ويرفض التراجع؟

نعم، يراقب ترمب رد فعل السوق عن كثب عندما يهدد بفرض تعريفات جمركية. على سبيل المثال، في حربه التجارية في فترة ولايته الأولى، تسببت تغريدته بأنه "رجل التعريفات" في انهيار السوق في ديسمبر/كانون الأول 2018. لكنه سعى إلى ارتفاع السوق مرة أخرى بكتابة تغريدة جاء فيها أنه يتفاوض ثانية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ للتوصل إلى اتفاق، مع أنه لم يتضح إذا كانا يجريان محادثات بالفعل في ذلك الوقت.

وقال غاري كوهين، مدير المجلس الاقتصادي الوطني الأول في إدارة ترمب، في مقابلة إذاعية في مارس/آذار 2019، "ما معايير نجاح الرئاسة؟ إن سوق الأسهم هو المعيار الأوضح للنجاح الذي يتحدث عنه الرئيس كثيرا والأكثر شفافية".

لكن الصحيح أيضا أن ترمب لا يحب أن يبدو كأنه يتراجع - ومستشاروه في هذه الإدارة أقل قدرة بكثير على إقناعه بعدم ضرب خصومه بشدة. ففي ولايته الأولى، كلما ردّت الصين على التعريفات الجمركية الأميركية، كان ترمب يسارع إلى التهديد بإدخال زيادات أكبر على التعريفات، حتى تتفاعل الأسواق وتضطره إلى الهدوء على الأقل.

وكان يعتقد أن العجز التجاري الأميركي الضخم يعني أن خفض التجارة سيضر الصين أكثر من الولايات المتحدة، وأن ذلك يمنحه مجالا للتحرك. وأخبرني عدد من مساعديه أنه كان يقول، "سوف تنفد ذخيرتهم أولا".

هذه المرة، شن ترمب حربا على العالم بأسره، وليس الصين فحسب. ويبقى السؤال مفتوحا بشأن هل سيدفعه تراجع السوق إلى تخفيف التعريفات الجمركية، أم أن الإجراءات الانتقامية قد تجعله يتمسك بموقفه ويرفض التراجع. لقد ردت الصين بالفعل بفرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة 34 في المئة وإجراء تحقيقات متعددة مع الشركات الأميركية.

ما معايير نجاح الرئاسة؟ إن سوق الأسهم هو المعيار الأوضح للنجاح الذي يتحدث عنه الرئيس كثيرا والأكثر شفافية

غاري كوهين، مدير المجلس الاقتصادي الوطني الأول في إدارة ترمب

يقول لوتنيك إن ترمب لن يتراجع. لكن كثيرا من المسؤولين في حكومة ترمب فقدوا وظائفهم وسمعتهم لاعتقادهم أنهم فهموا ما سيفعله رئيسهم المتقلب لاحقاً.

لا نعرف إذا كان تراجع السوق سيدفع ترمب إلى تخفيف التعريفات الجمركية، أم أن الإجراءات الانتقامية قد تجعله يتمسك بموقفه ويرفض التراجع..

font change

مقالات ذات صلة