كان لافتا جدا رد فعل الكثير من ساسة الإطار التنسيقي العراقي وإعلامييه والمؤيدين له، فضلا عن جزء ليس صغيرا من الجمهور الشيعي في العراق، على المواجهات المسلحة التي حصلت في الساحل السوري بين السادس والعاشر من مارس/آذار الماضي، وتحولها السريع إلى مجازر بحق مدنيين علويين على يد جماعات مسلحة متحالفة مع الدولة السورية الجديدة في إطار استهداف طائفي واضح.
اتسم هذا الرد العراقي، على نحو غير مألوف، بحس عال بالحقوقية والإنسانية في سياق الدفاع عن العلويين السوريين الذين تعرضوا لانتهاكات فظيعة في تلك الأيام العصيبة. بسبب هذه الانتهاكات، ظهر هؤلاء العراقيون الغاضبون بوصفهم مدافعين أساسيين ومبدئيين عن حقوق الإنسان ودعاة لاحترام التعددية على نحو غير مشروط، باستخدام لغة ساخطة تشي، في نصحها المتعالي، بأحاسيس الترفع الأخلاقي والرسوخ الديمقراطي العراقي إزاء سوريا "المتوحشة" التي يحكمها الآن جهاديون متطرفون ينتمون لعوالم التعصب والكراهية!
ليس ثمة شك أن إجراما كبيرا حصل بحق علويين مدنيين كثيرين ارتكبته جماعات مرتبطة بالدولة السورية الجديدة وأن على هذه الدولة أن تقتص من الفاعلين، وتشكل مصدات مؤسساتية تمنع تكرار هذه الجرائم مستقبلا. لكن اللافت هنا ليس ما حصل في سوريا، بل ما حصل في العراق لجهة الغضب الأخلاقي والاستنكار الشديد للفظائع السورية من جماعات عراقية أيدت كثير منها أفعالا شبيهة في العراق، ووجدت تبريرا متواصلا لها.
بالإمكان هنا المرور بسرعة بضحايا مجزرة الصقلاوية في 2016 حين اختطفت جماعات ميليشياوية شيعية نحو 700 مدني سني في محافظة الأنبار، وقامت بإخفائهم، ويُعتقد على نطاق واسع أنها قتلتهم إذ وُجدت جثث بعضهم في مقابر جماعية (أقرت الحكومة بالجريمة حينها وشكلت لجنة تحقيقية لكن كالعادة لم ينتج عن لجنة التحقيق هذه شيء مفيد ومنصف)، فضلا عن أكثر من 600 شخص من ضحايا "احتجاجات تشرين" من المدنيين في 2019 و2020 الذين استهدفهم رصاص القنص الميليشياوي وأدوات القتل الأخرى (وتكرر سيناريو اللجان التي تشكلها الحكومة لتعقب الجريمة والمجرمين، من دون جدوى).