الحكومة الانتقالية في سوريا... خطوة إلى الأمام أم أزمة جديدة؟

جهات سياسية أساسية لا تزال تعارض التشكيلة الجديدة

الحكومة الانتقالية في سوريا... خطوة إلى الأمام أم أزمة جديدة؟

بعد ترقب طويل، أعلن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة، وذلك بعد نحو أربعة أشهر على الإطاحة بنظام بشار الأسد. ويُعد تعيين وزراء شباب وضم عدد كبير من التكنوقراط والمستقلين من أصحاب الكفاءات تحولا ملحوظا مقارنة بالحكومة المؤقتة السابقة التي كانت خاضعة لـ"هيئة تحرير الشام". ورغم أن تشكيل الحكومة لاقى ترحيبا من قبل الكثير، إلا أنه أثار في الوقت ذاته مخاوف، لا سيما فيما يتعلق بضعف تمثيل النساء والخلفيات المثيرة للجدل لبعض الوزراء.

وعلى الرغم من القبول الواسع نسبيا داخل سوريا وخارجها، فإن جهات سياسية أساسية لا تزال تعارض التشكيلة الجديدة. فقد رفضت القوى السياسية الكردية في الشمال الشرقي، إلى جانب المجلس العسكري في السويداء وجهات محلية أخرى في المحافظة، الحكومة بشكل قاطع، مشيرة إلى أنها خاضعة لسيطرة الدائرة المقربة من الشرع ولا تعكس تنوع سوريا أو تعدديتها السياسية. ويشكل هذا الرفض نكسة كبيرة للشرع، إذ يقوض التقدم الذي أحرزه مؤخرا في مساعي إدماج هذه المناطق ضمن إدارته. ومن دون التوصل إلى تسويات، ستتلقى جهود توحيد البلاد سلميا ضربة كبيرة، مما يزيد الانقسامات ويضاعف خطر الاضطرابات في المستقبل.

تفاؤل حذر

في يوم السبت الموافق 29 مارس/آذار الماضي، كُشف النقاب عن الحكومة الانتقالية المؤلفة من 23 وزيرا خلال حفل أُقيم في دمشق. وبينما احتفظت "هيئة تحرير الشام" وحلفاؤها بتسع وزارات، شغل بقية المناصب تكنوقراط مستقلون وشخصيات من المجتمع المدني، مما أضفى على التشكيلة مزيجا من الخبرة المهنية والتمثيل المجتمعي. ومن بين الأسماء البارزة، رائد الصالح، قائد منظمة "الخوذ البيضاء"، الذي عُين وزيرا لشؤون الطوارئ والكوارث، وهند قبوات، الناشطة المعارضة والمدافعة عن قضايا المجتمع المدني، التي تولت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

وفي ظل الضغوط الدولية المتزايدة لتحقيق انتقال سياسي شامل، ضمّت الحكومة الجديدة أربعة وزراء من الأقليات السورية: مسيحي، درزي، كردي، وعلوي، من بينهم امرأة واحدة. وعلى الرغم من استمرار بعض المخاوف، قوبل هذا الإعلان بترحيب حذر من قبل المراقبين الدوليين والسوريين، فضلا عن المحللين والمواطنين، الذين اعتبروه خطوة ذات مغزى في مسار التحول السياسي في سوريا.

شددت مصادر على أن إدراج مسيحي ودرزي وكردي وعلوي في التشكيلة الحكومية يعكس نهجا سطحيا يشبه ممارسات النظام السابق في تمثيل المكونات الدينية والإثنية

ورغم الإعلان عن الحكومة الانتقالية، سارعت جهات فاعلة رئيسة في السويداء وشمال شرقي سوريا، وهما المنطقتان الأساسيتان اللتان لا تزالان خارج نطاق إدارة الشرع، إلى رفض التشكيلة الجديدة فورا. فقد أعلنت الإدارة الذاتية بقيادة الأكراد في الشمال الشرقي، إلى جانب المجلس الوطني الكردي، وهما أبرز كتلتين سياسيتين كرديتين، أنهما لا تعترفان بشرعية أو صلاحية هذه الحكومة. وفي السويداء، عبّر مجلسها العسكري عن الرفض من خلال بيان رسمي، ويُقال إن هذا المجلس يضم عددا من الفصائل المسلحة ويتماشى مع موقف الزعيم الديني الدرزي البارز، حكمت الهجري.
ورغم أن هذه الجهات أعلنت معارضتها بصورة منفصلة، فإن المبررات التي استندت إليها جاءت متطابقة إلى حد كبير. إذ تكشف أحاديث خاصة مع مصادر قريبة من هذه الجماعات أن أبرز ما يثير استياءها هو عدم التشاور معها قبل تشكيل الحكومة. وترى هذه الأطراف أن غياب الحوار المسبق حول المشاركة والتمثيل يجعل من الحكومة الانتقالية كيانا لا يعكس حقيقة التنوع السوري ولا التعددية السياسية.

غياب التشاور


شددت المصادر على أن إدراج مسيحي ودرزي وكردي وعلوي في التشكيلة الحكومية يعكس، في نظرها، نهجا سطحيا يشبه ممارسات النظام السابق في تمثيل المكونات الدينية والإثنية. وأوضحت أن مجرد تعيين أفراد من هذه الجماعات لا يرقى إلى مستوى التمثيل الحقيقي، إذ لا توجد ضمانات بأن هؤلاء الوزراء سيمثلون مصالح وحقوق وتطلعات مجتمعاتهم استنادا إلى خلفيتهم فقط.
وفي استباق لهذه الانتقادات، تطرق الشرع إلى هذه المخاوف في خطاب ألقاه بمناسبة عيد الفطر، مؤكدا أن الحكومة صُممت لتعكس تنوع المجتمع السوري، مع رفض صريح لفكرة المحاصصة الطائفية أو الإثنية. وأشار إلى أن اختيار الوزراء جرى بناء على الكفاءة والخبرة، دون اعتبار للانتماءات الأيديولوجية أو السياسية، وأن الهدف الأساسي من التشكيل هو إعادة بناء الدولة. كما أقر بأن عملية التشكيل خضعت لمراجعة دقيقة، لكنه اعترف بأن من الصعب إرضاء الجميع.

مخاوف مشتركة


رغم أن الانتقادات المتعلقة بغياب التشاور لم تلقَ صدى واسعا خارج الأوساط المعارضة في السويداء وشمال شرقي سوريا، فإن بعض المخاوف الأخرى التي طرحتها تلك الجهات تتقاطع مع هواجس سكان مناطق مختلفة من البلاد. من أبرز هذه القضايا ضعف تمثيل النساء في الحكومة الانتقالية، وهو ما لا يعكس تطلعات شريحة واسعة من السوريين، رجالا ونساء على حد سواء. إذ لم تضم الحكومة سوى وزيرة واحدة، ما يسلّط الضوء على فجوة واضحة في التمثيل الجندري.

وتبرز أيضا مخاوف أساسية بشأن هيمنة "هيئة تحرير الشام" وحكومتها (الإنقاذ)، التي تسيطر على تسع وزارات، من ضمنها وزارات سيادية بالغة الأهمية مثل الدفاع والخارجية والداخلية والعدل. كما أثارت خلفيات بعض الوزراء المعينين قلقا بالغا، وعلى رأسهم وزير العدل مظهر الويس، الذي لا يحمل مؤهلا قانونيا رسميا، ويُعرف بانتمائه الأيديولوجي "السلفي"، ما أثار مخاوف من احتمال تغليب الفقه الديني على مبادئ الحقوق القانونية.
كما أثار تعيين أنس خطّاب وزيرا للداخلية موجة عارمة من الانتقادات، بسبب توليه سابقا رئاسة جهاز الأمن العام التابع لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، وهو الجهاز الذي وُجهت إليه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتزداد حدة الانتقادات نظرا لكون خطّاب مدرجا على قوائم الإرهاب الأميركية منذ عام 2012، وعلى قوائم الأمم المتحدة منذ عام 2014، ما من شأنه أن يعقّد بشكل بالغ جهود الحكومة في المجال الدبلوماسي ويقيّد قدرة وزارة الداخلية على التعاون مع الشركاء الدوليين.
وتأتي حدة الخطاب المتصاعد ضد الحكومة الجديدة في توقيت بالغ الحساسية، تزامنا مع توقيع اتفاقيات واعدة مع جهات فاعلة رئيسة في شمال شرقي سوريا والسويداء، كانت قد بعثت الأمل بإمكانية السير في مسار سلمي نحو تحقيق الوحدة الوطنية.
ففي 10 مارس/آذار، وقّع الشرع اتفاقا مع الإدارة الذاتية يقضي بدمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إطار إدارة الدولة السورية. كما أُعلن عن اتفاق مماثل مع ممثلين عن الطائفة الدرزية في السويداء، بهدف إدماج المحافظة في مؤسسات الدولة.

رغم أن السويداء تفتقر إلى القوة العسكرية التي تتمتع بها "قوات سوريا الديمقراطية،" فإن العوامل الخارجية تُضفي على المشهد بُعدا إضافيا من التقلبات

غير أن نجاح هذين الاتفاقين مرهون بحل قضايا أساسية، في مقدمتها مطلب الإبقاء على الاستقلال العسكري والإداري في تلك المناطق، وهو ما ترفضه دمشق بشدة. ويُرجَّح أن يؤدي رفض الحكومة الجديدة وما أثاره من توتر إلى تعقيد مسار التفاوض بشكل إضافي. ومع تعاظم هذه التحديات، قد يصبح التوصل إلى اتفاق نهائي مشروطا بإجراء تعديل وزاري، أو حتى تشكيل حكومة جديدة بالكامل، وهو ما سيسعى الشرع على الأرجح لتجنّبه.
ولا يمكن التقليل من خطورة الموقف. فـ"قوات سوريا الديمقراطية" تسيطر على ما يُقدّر بنحو 100 ألف مقاتل مدرّب ومجهز جيدا، ما يجعلها القوة العسكرية الأكبر خارج سيطرة الدولة. كما أن سيطرتها على أغنى المناطق السورية بالموارد تشكّل فرصة حيوية لإنعاش الاقتصاد المنهك، إذا ما نجحت جهود إعادة الدمج. أما في حال فشل التسوية السياسية، فقد تنزلق البلاد مجددا إلى صراع مسلح، وهو سيناريو ستكون تبعاته كارثية على جميع الأطراف.
ورغم أن السويداء تفتقر إلى القوة العسكرية التي تتمتع بها "قوات سوريا الديمقراطية،" فإن العوامل الخارجية تُضفي على المشهد بُعدا إضافيا من التقلبات. فإسرائيل، التي لها مصلحة واضحة في إبقاء سوريا مقسّمة وحكومتها ضعيفة، قد تبادر، في حال اندلاع مواجهة، إلى تقديم الحماية للسويداء، سواء طلب سكانها ذلك أم لا. ومثل هذا السيناريو لن يؤدي فقط إلى زعزعة استقرار البلاد، بل قد يعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية ويُطلق شرارة تحولات جيوسياسية يصعب التنبؤ بها.
في لحظة مفصلية كهذه، حيث يتحدد مصير سوريا، فإن المضي قدما يتطلّب قدرا كبيرا من الصبر، والدبلوماسية، وتقديم التنازلات المتبادلة. أما البديل، وهو مزيد من الانقسام، وعدم الاستقرار، أو حتى اندلاع حرب مفتوحة، فمن شأنه أن يُبدد كل ما تحقق من خطوات نحو سوريا موحدة وذات سيادة. لقد آن أوان القيادة الواقعية، لا المغامرات المتهورة.

font change