في الثلاثين من مارس/آذار 2025، وجّه بابا الكنيسة الكاثوليكية فرانسيس، نداء عاجلا إلى قادة جنوب السودان، حاثا إياهم على "تخفيف التوترات في البلاد" وتجنب الانزلاق مجددا إلى هاوية الحرب الأهلية، في ظل تصاعد الاشتباكات المسلحة التي تهدد بجرّ الدولة الأحدث عالميا إلى كارثة إنسانية جديدة.
جاء النداء ضمن خطاب التبشير الملائكي، الذي يلقيه البابا كل يوم أحد من نافذة مكتبه في القصر الرسولي المطل على ساحة القديس بطرس في الفاتيكان. وأعرب البابا فرانسيس في خطابه عن "قلقه العميق" إزاء التطورات الأخيرة في جنوب السودان، مؤكدا ضرورة "نبذ الخلافات" والالتزام بحوار بنّاء يتسم بالشجاعة والمسؤولية، بهدف تخفيف معاناة شعب جنوب السودان وبناء مستقبل قائم على السلام والاستقرار. لم يقتصر نداء البابا على مجرد دعوة للتهدئة، بل تضمن رسالة واضحة للقادة بأن "الجلوس إلى طاولة المفاوضات هو السبيل الوحيد" لإنقاذ البلاد من شبح الصراع، معبرا عن أمله في أن يستلهموا روح التضامن والمصالحة.
لم يكن نداء البابا فرانسيس الأخير حدثا معزولا، بل امتداد لمساعيه المتواصلة لتعزيز السلام في جنوب السودان. ففي أبريل/نيسان 2019، استضاف البابا قادة جنوب السودان، بمن فيهم الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، في رحلة روحية إلى الفاتيكان، وفاجأ العالم بمشهد رمزي عندما ركع على الأرض وقبّل أقدام هؤلاء الزعماء، داعيا إياهم إلى تجاوز الانقسامات. هذه الخطوة التي لاقت صدى واسعا في أفريقيا، عززت اتفاق السلام المُجدد لعام 2018. كما زار البابا جنوب السودان في 3 فبراير/شباط 2023، برفقة رئيس أساقفة كانتربري، حيث دعا إلى "نبذ الدماء والعنف"، مؤكدا أن "الشعب قد عانى بما فيه الكفاية".
جاء نداء البابا فرانسيس الأخير منسجما مع تحذيرات أساقفة كاثوليك السودان وجنوب السودان، الذين نبّهوا إلى خطر "كارثة وشيكة" إذا انهارت جهود السلام الهشة التي يقوم عليها اتفاق 2018. وفي بيان صدر في 28 مارس 2025، أعرب الأساقفة، بقيادة الكاردينال أميو مارتن مولا، رئيس مؤتمر أساقفة السودان وجنوب السودان الكاثوليك، عن قلقهم العميق إزاء تصاعد العنف في جنوب السودان.
وتفاقمت الأوضاع في جنوب السودان يوم 26 مارس 2025، إثر وضع نائب الرئيس الأول رياك مشار تحت الإقامة الجبرية في جوبا، حيث اقتحمت قوات أمنية، بقيادة وزير الدفاع ورئيس الأمن الوطني، منزل مشار ليلا. ووفقا لبيان "حركة الشعب لتحرير السودان" المعارضة (SPLM-IO)، وهو الحزب الذي يتزعمه مشار، تم نزع سلاح حراسه وتسليمه مذكرة توقيف بتهمة "التحريض على التمرد"، دون تفاصيل دقيقة.
واحتُجز مشار مع زوجته، أنجلينا تيني، وزيرة الداخلية، في خطوة اعتبرها حزبه "إنهاء فعليّا" لاتفاق السلام. سبق ذلك اعتقال قادة موالين له، مثل نائب رئيس الأركان غابرييل دوب لام في 4 مارس، ووزير البترول بوت كانغ تشول في 5 مارس، ووزير بناء السلام ستيفن بار كوول في 6 مارس، مما يشير إلى استراتيجية منهجية من حكومة كير لتفكيك معسكر مشار.
وأعلن بقية قادة الحزب عن مقاطعتهم لوفد الاتحاد الأفريقي المقرر زيارته لجوبا يوم الأربعاء 2 أبريل/نيسان، بسبب مخاوفهم من الاعتقال على خلفية التوترات السياسية الأخيرة، واشترطوا إطلاق سراح مشار للانخراط في مفاوضات مع وفد لجنة الحكماء الأفريقية. كما هدد الجنرال جون مابيه غار، وهو قائد عسكري بارز في حزب مشار، باتخاذ إجراءات عسكرية للإفراج عن مشار إذا لم تتراجع الحكومة عن هذه الإجراءات، مما ينذر بالمزيد من تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد.
انفجرت الأزمة في جنوب السودان بين فبراير ومارس 2025، عندما برزت توترات سياسية وعسكرية متصاعدة في ولاية أعالي النيل، وتحديدا في مدينة الناصر، التي تُعد موقعا استراتيجيا قريبا من الحدود مع إثيوبيا. بلغ التوتر العسكري ذروته عندما استولى "الجيش الأبيض"، وهو ميليشيا شبابية مسلحة تنتمي إلى قومية النوير التي ينحدر منها نائب الرئيس الأول رياك مشار، على قاعدة عسكرية تابعة لقوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان (الجيش الحكومي).