شهدت الإدارة الأميركية في مارس/آذار 2025 واقعة مثيرة للجدل بشأن تسريب معلومات حساسة تتعلق بمناقشة تفاصيل خطط عمليات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، عبر محادثات تطبيق المراسلة المشفر "سيغنال" (Signal) تضم مسؤولين رفيعي المستوى.
وأثارت الواقعة جدلا حادا وتساؤلات قانونية ودستورية جادة، خاصة في ما يتعلق بمعضلة الحدود الفارقة بين حرية التعبير والحق في الشفافية والوصول إلى المعلومات من ناحية، ومقتضيات حماية الأمن القومي والسيبراني للدولة من ناحية أخرى، لا سيما وأن هذه الواقعة تتعلق بعدة انتهاكات محتملة لبعض القوانين الفيدرالية الأميركية.
تفاصيل التسريب
خلال الفترة من 11 إلى 15 مارس 2025، فوجئ جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة" ذي أتلانتيك"، بإضافته عن طريق الخطأ من قبل مستشار الأمن القومي مايكل والتز إلى مجموعة دردشة غير مؤمنة تضم حوالي 18 عضوا من أعضاء إدارة الولايات المتحدة وكبار مسؤولي الأمن القومي، من بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخزانة سكوت بيسينت، بالإضافة إلى مستشار الأمن القومي.
وكان أعضاء هذه المجموعة يتواصلون بأجهزتهم الشخصية عبر تطبيق "سيغنال"، وهو تطبيق تجاري مشُفر يستخدم للمراسلة والتواصل الآمن بين مستخدميه. وقد ناقش الأعضاء تفاصيل خطط العمليات الأميركية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن قبل بدايتها، بما في ذلك توقيت الضربات العسكرية وتسلسلها الزمني، وتفاصيل الأهداف وأنواع الأسلحة والذخائر المستخدمة بالإضافة لبعض المعلومات الاستخباراتية حول العملاء السريين لوكالة الاستخبارات المركزية في ميدان المعارك.
نشر جيفري غولدبرغ تقريرا مفصلا عن الواقعة متضمنة النص الكامل للمحادثة في "ذي أتلانتيك" بتاريخ 25 مارس 2025 بعد بداية العمليات العسكرية، وبعد خروجه من المجموعة.
الموازنة بين حرية التعبير والأمن القومي
تعتبر الموازنة بين حرية التعبير، والحق في الوصول إلى المعلومات، وضرورات الأمن القومي إحدى أبرز المعضلات القانونية في النظام الدستوري الأميركي، ويرجع ذلك إلى أن التمييز بين الحد الفاصل في الحقوق بين أنصار الشفافية وحرية الصحافة، وبين دعاة الحفاظ على أسرار الدولة يقع غالبا في منطقة رمادية شديدة التعقيد والتشابك من الصعب الجزم فيها بحقيقة مطلقة.
فمن ناحية يُعتبر التعديل الأول للدستور الأميركي حجر الزاوية في حماية حرية التعبير في الولايات المتحدة، حيث يمنع الحكومة من تقييد حق الأفراد في التعبير عن آرائهم بحرية، كما يضمن هذا التعديل حماية واسعة للخطاب السياسي والصحافة، ما يتيح للأفراد نشر المعلومات التي تهم الرأي العام دون خوف من الرقابة الحكومية.