كما تتدخل إسرائيل في الشأن السوري عبر قنوات تتعلق بالأكراد والدروز، حيث تقدم نفسها كجهة حامية لهذه المكونات. وعلى الأرض، أنشأت القوات الإسرائيلية، التي لا تزال تسيطر على ما تبقى من أراضي الجولان، مواقع عسكرية ثابتة داخل الأراضي السورية خارج حدود تلك المنطقة. وتقوم دوريات من الجيش الإسرائيلي بتفتيش القرى والبلدات في جنوب سوريا، فيما أفادت تقارير بأن مروحيات تابعة للجيش الإسرائيلي، نفذت في إحدى المناسبات غارة في جنوب غربي البلاد، أسفرت عن مقتل مدنيين سوريين.
في المقابل، وفي إطار التعاون الدفاعي الذي جرى الاتفاق عليه بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع خلال زيارة الأخير إلى أنقرة في فبراير/شباط، من المتوقع أن تضطلع تركيا بدور محوري في تشكيل الجيش السوري الجديد، وتوفير التدريب اللازم له. كما أشارت تقارير إلى أن أنقرة تستعد لإنشاء قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، تُخصص لنشر مقاتلات وطائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي، وإن كانت هذه المعلومات لم تُؤكد رسميا حتى اللحظة.
وتوجد بالفعل وحدات من القوات المسلحة التركية داخل سوريا، أساسا في إطار محاربة "وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني"، وقد تُستخدم القواعد المذكورة لأغراض عدة، منها:
تدريب الجيش السوري.
محاربة تنظيم "داعش". وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا ستنفذ هذه المهام بمفردها بالتعاون مع سوريا، أم ضمن التحالف الدولي، أم بالتنسيق مع الدول الأربع التي شاركت في اجتماع عمّان في مارس.
حماية سوريا من أي تدخل خارجي، وهو ما سيشكل في حال تحققه تحولا كبيرا في الدور التركي، ومهمة جديدة للجيش التركي من المتوقع أن تثير جدلا كبيرا داخليا وخارجيا.
مركبة عسكرية مدمرة في موقع لغارة جوية إسرائيلية استهدفت شحنات أسلحة في القامشلي، في شمال شرق سوريا
لقد وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تهديدا مباشرا إلى سوريا، خاطب فيه الرئيس السوري المؤقت بالقول: "إذا سمحتَ لقوى معادية– في إشارة واضحة إلى تركيا– بدخول سوريا وتهديد المصالح الأمنية لإسرائيل، فسوف تدفع ثمنا باهظا".
وفي هذا السياق، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية عددا من القواعد الجوية داخل الأراضي السورية، من بينها قواعد تقع في حمص وحماة، إلى جانب قاعدة "تي فور" (T4) المعروفة. وتفيد مصادر بأن بعض هذه المواقع كانت تُستخدم من قبل القوات التركية.
وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية، استنادا إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين، أن هذه الضربات جاءت في إطار رسالة تحذيرية واضحة إلى أنقرة.
كما طُرحت مزاعم تفيد بمقتل ثلاثة مهندسين أتراك خلال إحدى الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قاعدة جوية في سوريا، دون أن يصدر أي بيان رسمي من الجهات المعنية، لتأكيد أو نفي هذه المعلومات. غير أن صحّة هذه المزاعم، إن ثبتت، تحمل دلالات خطيرة على أكثر من مستوى، وقد تؤدي إلى تصعيد التوترات بين الجانبين.
وتُعدّ الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية خرقا واضحا للقانون الدولي، والأعراف المتعارف عليها بين الدول، إلا أن المجتمع الدولي، وكما هو الحال في الملف الفلسطيني، يكتفي بإصدار بيانات إدانة شكلية، في حين تواصل إسرائيل، بدعم أميركي كامل، تنفيذ ضرباتها غير المبررة ضد دولة ذات سيادة.
في المقابل، ترى تركيا نفسها محاطة بتهديدات إقليمية متشابكة، تمتد من شرق البحر المتوسط وصولا إلى حدودها مع سوريا وإيران، وتشمل إسرائيل، و"وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني"، إضافة إلى الولايات المتحدة، واليونان، وإدارة قبرص اليونانية، وفرنسا، وبعض الدول العربية. وتدفع هذه التهديدات أنقرة إلى اتخاذ خطوات مضادة وتحركات محسوبة لحماية أمنها القومي.
وفي تصريح أدلى به لوكالة "رويترز" أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن بلاده لا تسعى إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل على الأراضي السورية. ومع ذلك، تنظر تركيا إلى إسرائيل بوصفها "كيانا صهيونيا توسعيا" وقد عبّر الرئيس رجب طيب أردوغان عن هذا الموقف بوضوح حين قال، عقب أدائه صلاة الجمعة الأسبوع الماضي: "لعن الله إسرائيل الصهيونية إلى الجحيم".
في المقابل، ترى إسرائيل في تركيا "قوة توسعية ذات نزعة عثمانية جديدة" وتضعها في خانة التهديد، إلى جانب إيران. وفي حال اندلاع مواجهة مباشرة، حتى وإن كانت محدودة وقصيرة الأمد، فإن الجانبين مرشحان لتكبّد خسائر كبيرة، خصوصا على المستوى الاقتصادي. كما قد تُستخدم هذه المواجهة كذريعة لتبرير فرض إجراءات طوارئ في كلا البلدين، اللذين يواجهان أصلا أزمات سياسية داخلية عميقة.
ومن غير المستبعد أن تتدخل الولايات المتحدة في مرحلة معينة، في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد بين اثنين من أبرز حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، هما تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل.