نعيش في غابة رموز افتراضية تنتج أفعالا واقعية وتحدد الهويات وصورة الذات وملامح الشخصية. تحكم هذا العالم علاقات القوة والسيطرة على نحو لا يستند إلى أي نظام قيم معياري وأخلاقي، كما تبدو القوانين ومناهج التربية والتعليم عاجزة عن مواكبة هذه العلاقات، وتشكل في كثير من الأحيان مجالا لنموها وتطورها.
بناء على ذلك، يمكن التنمر الإلكتروني عبر استخدام رموز معينة اكتسبت صلابة ومعنى باتت بموجبها أفعالا مكتملة الأركان، أن تقتل الذات في حال توجهت إلى شخص معين. ينطلق مسلسل "مراهقة" Adolescence المعروض على منصة "نتفليكس" من هذا البعد ليطرح أسئلة قاسية بأسلوب صارم وثقيل، لا يترك مجالا للمهادنة ولا يعطي فرصة للتفريج عن النفس والنهايات السعيدة.
بأسلوب اتهامي ومقاربة إدانية، يستعرض مخرج العمل المكون من أربع حلقات، فيليب بارانتيني والكاتبان ستيفن غراهام وجاك ثورن، أخطار الانفصال اللغوي بين المراهقين والعائلة والمدرسة والمجتمع والسلطة، إذ يستند كل طرف إلى مرجعية لغوية ذات دلالات مختلفة ومتناقضة مع باقي الأطراف، فيسود العجز عن الفهم والتواصل، وتاليا يصبح الضبط مستحيلا.
عالم المراهقة كما يعرضه المسلسل، يحكمه المؤثرون والرموز، ويتحرك في وسط عائلي مشبع بالتقاليد، وينمو في بيئة تقدس الشعبية والظهور وفي مدارس ليست سوى بؤر عنف وتنمر.
الجريمة لغة رمزية
ينطلق المسلسل من مشهدية جريمة قتل يرتكبها مراهق في حق زميلته إثر تعرضه لتنمر إلكتروني، ليفتح أبواب الأسئلة حول كيفية تشكل الجريمة في عالم الرموز، وكيف ترسم الحدود بين الواقعي والافتراضي، وعن "المانوسفير" Manosphere (وهو اختصارا المصطلح الذي يشمل مجموعة المواقع والمنتديات التي تروج للذكورية) وأبطاله ونجومه وثقافته الشائعة، وعن تحول المؤسسات المختلفة إلى جزر معزولة تتحدث كل منها بلغة غريبة لا يفهمها الآخر.