الحكومة السورية... وتثبيت هزائم "الهلال"

إيران حاضرة في كل شيء والتخلص من نفوذها وتركتها، لن يكون مهمة سهلة

الحكومة السورية... وتثبيت هزائم "الهلال"

يروي أحد الوزراء الجدد في الحكومة السورية، أنه عندما غاص في سجلات وزارته، فوجئ بحجم "الملفات الإيرانية" وخطورتها. حال هذه الوزارة كوزارات ومؤسسات كثيرة في سوريا. ملفات وعقود وصفقات ومعلومات وتداخلات وامتدادات تصل أحيانا إلى طهران. توغل في "النظام العميق"، ما يجعل تخلص حكومة ما بعد "نظام الأسدين"، من هذه التركة لن يكون سهلا وسريعا.

مرت العلاقات السورية–الإيرانية خلال العقود الماضية بمراحل تصاعدية مختلفة بعد فوز "الثورة" بالحكم عام 1979. وأمام كل أزمة وامتحان تزداد عمقا عموديا واتساعا أفقيا. في الحرب العراقية-الإيرانية في 1980 انحاز حافظ الأسد إلى الخميني ضد صدام. وخلال الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان في 1982 فتح الأسد الأراضي اللبنانية أمام "الحرس الثوري" لتأسيس "حزب الله".

وخلال حرب الخليج عام 1990 وقف الأسد ضد رفيقه "البعثي" في بغداد وشارك في حرب تحرير الكويت بعد عام. حتى عندما فاوض الأسد الإسرائيليين برعاية أميركية في عقد التسعينات، أبقى على الحضور الإيراني والتنسيق مع حلفائها في الفصائل الفلسطينية التي عارضت "اتفاق أوسلو" 1993.

لقد حافظ الأسد-الأب على تعاون عسكري وأمني مع روسيا (بعد الاتحاد السوفياتي) والصين وكوريا الشمالية من جهة، وعلاقات سياسية واقتصادية مع الدول العربية من جهة ثانية، لكنه أبقى مع إيران على البرامج السرية للتعاون العلمي في المجالات العسكرية والأمنية والصواريخ.

ومع تسلم الأسد-الابن الحكم في عام 2000، انتقلت علاقة دمشق مع طهران من التحالف والتوازن إلى التماهي مع رأي "المرشد". ومع خروج الجيش السوري من لبنان في 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري وحرب يوليو/تموز 2006، أصبح النظام السوري ينام ويستيقظ في "الحضن الإيراني".

هناك الكثير في سوريا: ميليشيات ومعسكرات وممرات وشبكات تهريب، وشركات الالتفاف على العقوبات، وبرامج أسلحة وصواريخ، ومنشآت وصفقات

النقلة الأكبر حصلت في العقد الأخير، عندما اندلعت الثورة السورية في 2011، بات نظام بشار الأسد تابعا إلى "المرشد" الإيراني و"حزب الله" اللبناني، وبات من أدوات إيران في سوريا، فالقرار في طهران والضاحية الجنوبية والتنفيذ من أذرع إيران في الإقليم، وتحولت سوريا ساحة في معركة النفوذ، وممرا ومعبرا للسلاح والذخيرة والعقيدة من طهران إلى العراق إلى لبنان والقضية الفلسطينية وباقي مناطق الشرق الأوسط.

تحت مظلة التحالف، هناك الكثير في سوريا: ميليشيات تابعة لإيران، ومعسكرات تدريب، وممرات ومعابر سرية، وشبكات تهريب، وشركات الالتفاف على العقوبات، وبرامج أسلحة وصواريخ، ومنشآت عسكرية واقتصادية واجتماعية ودينية، وصفقات اقتصادية ومناطق صناعية، وتنسيق أمني، وبنية تحتية كاملة من البرامج الإلكترونية والخلايا السرية التي انتعشت في البلاد مع تراجع قدرات النظام في العقد الأخير.

إيران حاضرة في كل شيء والتخلص من تركتها، لن يكون مهمة سهلة. تحقق قسم كبير، وما تبقى هو عملية صعبة ومعقدة وستأخذ وقتا طويلا. ولا شك أن إحدى المهمات السرية للحكومة الجديدة هي التخلص من البرامج السرية

حاولت إيران بناء "دولة الظل"، بمنشآتها العسكرية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ومع فتح كل ملف من ملفات الحكومة يظهر حجم التوغل الإيراني في سوريا. في المصالح العقارية هناك الكثير من العقارات مسجلة باسم مؤسسات إيرانية. وفي الأمن والجيش هناك الكثير من لجان التنسيق، وأيضا البنية التحتية للتجسس والتنصت إيرانية.

انهيار النظام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول، أنهى القسم العلني من "الحضور الإيراني". وانسحبت الميليشيات والمستشارون وضربت المسيرات والطائرات. لكن القسم الأكبر غير المرئي هو الأخطر. تفكيك شبكات تهريب السلاح والمخدرات وقطع الممرات السرية على الحدود السورية مع العراق ولبنان والأردن. وتفكيك الخلايا والبرامج في بنية النظام السوري.

إيران حاضرة في كل شيء والتخلص من نفوذها وتركتها، لن يكون مهمة سهلة. تحقق قسم كبير، وما تبقى عملية صعبة ومعقدة وستأخذ وقتا طويلا. ولا شك أن إحدى المهمات السرية لحكومة ما بعد "نظام الأسدين" هي التخلص من البرامج السرية. ولا شك أن حجم الترحيب العربي والأوروبي بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، هو استعداد لدعمها في استكمال الانقلاب الإقليمي وتثبيت نكسات "الهلال الإيراني" في سوريا والشرق الأوسط.

font change