حكومة الشرع الانتقالية... الاولى على كل سوريا

كان مفاجئا غياب وزارة للاجئين والنازحين

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس السوري أحمد الشرع يلقي كلمة خلال الاعلان عن تشكيل الحكومة السورية الجديدة في 29 مارس

حكومة الشرع الانتقالية... الاولى على كل سوريا

وأخيرا، أُعلنت الحكومة التي انتظرها الجميع. والجميع هنا هم المجتمع الدولي الذي يراقب تشكيل الحكومة عن كثب، والدول العربية التي كررت دول رئيسة فيها كمصر، ضرورة أن تشمل الحكومة الجديدة كل المكونات، وطبعا السوريون الذين انتظروا الإعلان عن هذه الحكومة بهدف الخروج من حكومة تصريف الإعمال التي كانت امتدادا لحكومة الإنقاذ التي شكلت في إدلب، المنطقة التي كانت تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" قبل أن تتمكن بمساعدة فصائل عسكرية أخرى من إسقاط نظام بشار الأسد وتحرير سوريا وبدء تاريخ جديد لها في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت.

في البداية يمكن القول عنها، إنها أول حكومة سورية ستبسط سيادتها فوق كل الأراضي السورية بعد أن كانت سوريا مقسمة إلى أربع حكومات تعمل على الأرض السورية وفق أربعة نظم سياسية مختلفة، فهناك ما يسمى مناطق الإدارة الذاتية أو "قسد" التي تديرها بدعم من الولايات المتحدة التي كانت تقصف بشكل دائم مناطق في سوريا يعتقد أن تنظيم "داعش" يسيطر عليها وتسمح لإسرائيل بقصف مناطق الميليشيات الإيرانية. وهناك مناطق شمال غربي سوريا من مثل "درع الفرات" و"غصن الزيتون" وغيرهما كانت تديرها الحكومة المؤقتة المشكلة من قبل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وبدعم من تركيا التي كانت وما زالت تحارب النسخة السورية من حزب "العمال الكرستاني" على الأراضي السورية في منبج وفي كل المناطق الحدودية مع سوريا.

وكانت لدينا إدلب التي كانت تحكمها "هيئة تحرير الشام" وشكلت فيها حكومة أطلقت عليها اسم "حكومة الإنقاذ". والحكومة الرابعة كانت حكومة نظام الأسد في العاصمة السورية دمشق، كانت الحكومات الأربع تعمل على الأرض السورية بالتوازي، ولكل منها نظام مروري وتعليمي مختلف على سبيل المثال، ونموذج اقتصادي قائم على طريقة تحصيل وتقاسم الموارد السورية الشحيحة بالأصل.

لقد كانت سوريا ورغم حكوماتها الأربع رمزا لدولة فاشلة نصف سكانها لاجئون وأكثر من 87 في المئة من سكانها النازحين والمقيمين على أراضيها يعيشون في فقر مدقع دون أن تمتلك هذه الحكومات الأربع على اختلاف ما بينها، أية قدرة على تأمين خدمات الدولة الأساسية من مياه وكهرباء. هذا فضلا عن كون مناطق السيطرة السورية تتوزع بين مناطق تسيطر عليها دول خارجية من روسيا إلى الولايات المتحدة إلى تركيا، وتبقى السماء مفتوحة لكل من يرغب بالقيام بقصف من أي نوع كان ضد أي فريق كان. فالولايات المتحدة تقصف أهدافا تدعي أنها لـ"داعش"، أو أن إيران وروسيا تقصف مستشفيات ومراكز طبية في إدلب وريفها. أما تركيا فتقصف مواقع تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" في مناطق مثل عفرين ومنبج.

وبعد أكثر من مئة يوم تقريبا، تغيرت كل الخرائط السورية كليا وولدت حكومة وطنية جديدة عليها أن تخلف هذه الحكومات الأربع ومناطق سيطرتها، فحكومة الأسد ممثلة في رئيس الوزراء الجلالي انهارت مع نظامه وخلفتها حكومة الإنقاذ في إدلب تلك التي كانت تدير الخدمات الأساسية فيها، بينما كانت تعد "هيئة تحرير الشام" لعملها العسكري التاريخي في إسقاط النظام في دمشق، الحكومة المؤقتة أقرت بأن الشرع أصبح الرئيس الشرعي لسوريا وسلمت كل ملفاتها مع نهاية شهر فبراير 2025 لـ"حكومة الإنقاذ" في دمشق التي أصبح اسمها حكومة تصريف الأعمال.

تستعيد النظم الرئاسية بدلا عن ذلك بما يسمى الوكالات الحكومية أو الهيئات الحكومية التي لم يعلن عن أي منها في حكومة الشرع الانتقالية واقتصر تشكيلها على الوزارات الثلاث والعشرين

أما حكومة الإدارة الذاتية فتستعد لتسليم ملفاتها بعد توقيع الاتفاق التاريخي بين الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي في منتصف شهر مارس 2025، وكما وعد الرئيس الشرع منذ استلام "حكومة الإنقاذ" لمقاليد الأمور في دمشق في نهاية شهر ديسمبر 2024 أن هذه هي حكومة تصريف أعمال وستعقبها حكومة انتقالية شاملة في شهر مارس 2025 وفعلا جرى تشكيل هذه الحكومة في قصر الشعب في نهاية شهر مارس 2025 بعد أن تم إطلاق إعلان دستوري حول شكل النظام السياسي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي ملغيا بذلك منصب رئيس الوزراء ومحولا الحكومة إلى وزراء يخدمون تحت إدارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع تماما كما في النظامين الرئاسيين الأميركي والتركي.

ضمت الحكومة الجديدة 23 وزيرا ولذلك تعد حكومة كبيرة في مقاييس الأنظمة الرئاسية التي تفضل دوما أن تكون وزارات مكثفة بهدف الوصول إلى حكومة رشيقة وتخفيف الأعباء البيروقراطية، بل إننا نتابع اليوم كيف ألغى الرئيس ترمب وزارة التربية التي أسست في الستينات من القرن الماضي وإعادة شؤون التربية للولايات دون أن يكون للحكومة الفيدرالية دور في تنظيم شؤون التربية.

أ.ف.ب
الحكومة السورية الجديدة يتوسطها الرئيس أحمد الشرع في صورة جماعية في القصر الرئاسي يوم السبت 29 مارس

وتستعيد النظم الرئاسية بدلا عن ذلك بما يسمى الوكالات الحكومية أو الهيئات الحكومية التي لم يعلن عن أي منها في حكومة الشرع الانتقالية واقتصر تشكيلها على الوزارات الثلاث والعشرين.

لقد جرى حذف ثلاث وزارات كانت موجودة في حقبة الأسد هي وزارات الري التي ألغيت كلياً ووزارة الكهرباء التي أدمجت ضمن وزارة الطاقة والتي أشار إليها الرئيس في خطابه الاقتتاحي التكليفي للحكومة بأن وزارة النفط والكهرباء ستدمجان ضمن وزارة الطاقة.

أما الوزارة الثالثة التي ألغيت من حكومة الأسد الأخيرة فهي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلكفي مؤشر واضح لاتجاه حكومة الشرع نحو مبدأ اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر، وإلغاء الرقابة الحكومية التي غالبا ما تقود إلى الاحتكار والفساد الحكوميين بدل أن تقود إلى المنافسة وتعزيز الشفافية في السوق.

وكان مهماً أن وزيري الاقتصاد والمالية كليهما من مدينة دمشق. وزير الاقتصاد نضال الشعار ووزير المالية محمد يسر برنيه ربما في مؤشر لتطمين النخبة الاقتصادية في مدينة دمشق التي بات يطلق عليها "البرجوازية الدمشقية" لكنها وفق المعايير السورية تبدو في غاية التواضع بعد أن أرهقها نظام الأسد على مدى عقود، وخاصة خلال سنوات الحرب.

كان لافتا استحداث وزارتي الكوارث والطوارئ ووزارة الشباب والرياضة لكن غياب وزارة للاجئين والمهجرين، وأعتقد أن هذه كانت أهم عيوب الحكومة الجديدة

كان تركيز المجتمع الدولي على تشكيل الحكومة كبيرا بهدف إظهار صفة الشمولية والتنوع اللتين غابتا عن حكومة تصريف الأعمال بعد التحرير، الآن في الحكومة الانتقالية نجد التنوع طائفيا وسياسيا ومناطقيا بشكل كبير، حيث دخل 13 وزيرا الحكومة لأول مرة، ولم يبق من حكومات الأسد سوى اثنين هما وزير النقل ووزير الاقتصاد.

وضمت الحكومة الانتقالية علويا ودرزيا ومسيحية وكرديا بما يحقق التنوع الطائفي، كما ضمت من خلفيات سياسية متنوعة ليست بالضرورة تنتمي إلى "هيئة تحرير الشام" التي ما زالت تهيمن على الوزارات السيادية من مثل الخارجية والدفاع والداخلية والعدل واحتفظت بما يقارب 9 وزارات في الحكومة بينما دخل التكنوقراط بقوة إلى الحكومة عبر وزارات الاقتصاد والمالية والتعليم العالي والصحة والتربية، وأيضا وزراء ينتمون إلى المجتمع المدني كوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات ووزير الإعلام حمزة المصطفى ووزير الكوارث والطوارئ رائد الصالح.

وكان لافتا استحداث وزارتي الكوارث والطوارئ ووزارة الشباب والرياضة لكن غياب وزارة للاجئين والمهجرين، وأعتقد أن هذه كانت أهم عيوب الحكومة الجديدة. فقضية النزوح الداخلي واللجوء في دول الجوار هي أهم القضايا الإنسانية في سوريا اليوم ويتأثر بها أكثر من 8 ملايين سوري داخليا وخارجيا كان يجب أن تعطى الاهتمام السياسي الأول والأخير وتشكيل وزارة بهدف وضع الإحصاءات والدراسات الدقيقة ووضع البرامج والخطط لإعادة المهجرين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم، وتأمين التمويل اللازم من أجل تحقيق ذلك.      

font change

مقالات ذات صلة