وأخيرا، أُعلنت الحكومة التي انتظرها الجميع. والجميع هنا هم المجتمع الدولي الذي يراقب تشكيل الحكومة عن كثب، والدول العربية التي كررت دول رئيسة فيها كمصر، ضرورة أن تشمل الحكومة الجديدة كل المكونات، وطبعا السوريون الذين انتظروا الإعلان عن هذه الحكومة بهدف الخروج من حكومة تصريف الإعمال التي كانت امتدادا لحكومة الإنقاذ التي شكلت في إدلب، المنطقة التي كانت تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" قبل أن تتمكن بمساعدة فصائل عسكرية أخرى من إسقاط نظام بشار الأسد وتحرير سوريا وبدء تاريخ جديد لها في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت.
في البداية يمكن القول عنها، إنها أول حكومة سورية ستبسط سيادتها فوق كل الأراضي السورية بعد أن كانت سوريا مقسمة إلى أربع حكومات تعمل على الأرض السورية وفق أربعة نظم سياسية مختلفة، فهناك ما يسمى مناطق الإدارة الذاتية أو "قسد" التي تديرها بدعم من الولايات المتحدة التي كانت تقصف بشكل دائم مناطق في سوريا يعتقد أن تنظيم "داعش" يسيطر عليها وتسمح لإسرائيل بقصف مناطق الميليشيات الإيرانية. وهناك مناطق شمال غربي سوريا من مثل "درع الفرات" و"غصن الزيتون" وغيرهما كانت تديرها الحكومة المؤقتة المشكلة من قبل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وبدعم من تركيا التي كانت وما زالت تحارب النسخة السورية من حزب "العمال الكرستاني" على الأراضي السورية في منبج وفي كل المناطق الحدودية مع سوريا.
وكانت لدينا إدلب التي كانت تحكمها "هيئة تحرير الشام" وشكلت فيها حكومة أطلقت عليها اسم "حكومة الإنقاذ". والحكومة الرابعة كانت حكومة نظام الأسد في العاصمة السورية دمشق، كانت الحكومات الأربع تعمل على الأرض السورية بالتوازي، ولكل منها نظام مروري وتعليمي مختلف على سبيل المثال، ونموذج اقتصادي قائم على طريقة تحصيل وتقاسم الموارد السورية الشحيحة بالأصل.
لقد كانت سوريا ورغم حكوماتها الأربع رمزا لدولة فاشلة نصف سكانها لاجئون وأكثر من 87 في المئة من سكانها النازحين والمقيمين على أراضيها يعيشون في فقر مدقع دون أن تمتلك هذه الحكومات الأربع على اختلاف ما بينها، أية قدرة على تأمين خدمات الدولة الأساسية من مياه وكهرباء. هذا فضلا عن كون مناطق السيطرة السورية تتوزع بين مناطق تسيطر عليها دول خارجية من روسيا إلى الولايات المتحدة إلى تركيا، وتبقى السماء مفتوحة لكل من يرغب بالقيام بقصف من أي نوع كان ضد أي فريق كان. فالولايات المتحدة تقصف أهدافا تدعي أنها لـ"داعش"، أو أن إيران وروسيا تقصف مستشفيات ومراكز طبية في إدلب وريفها. أما تركيا فتقصف مواقع تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" في مناطق مثل عفرين ومنبج.
وبعد أكثر من مئة يوم تقريبا، تغيرت كل الخرائط السورية كليا وولدت حكومة وطنية جديدة عليها أن تخلف هذه الحكومات الأربع ومناطق سيطرتها، فحكومة الأسد ممثلة في رئيس الوزراء الجلالي انهارت مع نظامه وخلفتها حكومة الإنقاذ في إدلب تلك التي كانت تدير الخدمات الأساسية فيها، بينما كانت تعد "هيئة تحرير الشام" لعملها العسكري التاريخي في إسقاط النظام في دمشق، الحكومة المؤقتة أقرت بأن الشرع أصبح الرئيس الشرعي لسوريا وسلمت كل ملفاتها مع نهاية شهر فبراير 2025 لـ"حكومة الإنقاذ" في دمشق التي أصبح اسمها حكومة تصريف الأعمال.