بين الإجابة على فرضيات الضغط الأميركي باتجاه حل "الحشد الشعبي" والخلافات بشأن تمرير قانونه في البرلمان، وبين الصراع على رئاسته والخلاف بين الأقطاب السياسية في "الإطار التنسيقي" بشأن السن القانونية لرئيس هيئته، ومرورا بالاتهامات باستغلاله انتخابيا، والتي أكدها وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الحالية والناطق باسم "الحشد" سابقا بتصريحه: "كلنا في الهوا سوا"، يبقى موضوع "الحشد الشعبي" هو الأكثر جدلا في السجالات والحوارات السياسية هذه الأيام، وربما سيستمر في قادم الأيام أيضا.
ويبدو أن موضوع "الحشد الشعبي" لم يعد موضوع نقاش سياسي داخلي، وإنما هو من بين الاشتراطات التي طرحت للنقاش بشأن عودة التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران. فالسفير الإيراني في بغداد محمد آل صادق، تحدث بأن من بين مطالبات الإدارة الأميركية من إيران "حل الحشد أو دمجه". ووصف هذه المطالب بأنها "غير مقبولة لا عراقيا ولا إيرانيا... اليوم (الحشد) مؤسسة قانونية وأدت دورا كبيرا في الحرب ضد (داعش)". وكان السفير الإيراني متناقضا عندما تحدث عن عدم قبول إيران حل "الحشد الشعبي" وفي الوقت ذاته يقول: "الحشد مؤسسة عسكرية قانونية عراقية، العراق هو من يقرر. وما هو دخل إيران حتى يتكلم معها الأميركيون بشأن حله؟".
ورغم ذلك، فإن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في آخر لقاء تلفزيوني معه، نفى التدخل الأميركي بشأن حل "الحشد الشعبي" وأكد "أنه غير موجود وغير مسموح". لكن تصريح رئيس الوزراء بنفي مطالب أميركية بشأن التعامل مع "الحشد الشعبي"، لا ينفي وجود تصريحات من مسؤولين أميركيين تشير إلى وجود رؤية أميركية بشأن التداخل في الملف الأمني بين العراق وإيران يثير حفيظتهم. وهذا ما أشارت إليه تامي بروس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، في مؤتمر صحافي يوم 24 مارس/آذار الماضي، بدعوة الحكومة العراقية إلى أن "تتأكد من سيطرتها على جميع الأجهزة الأمنية داخل حدود العراق، بما في ذلك (الحشد الشعبي)، الذي يجب أن يستجيب للقائد العام، وليس لإيران".
تناقضات في الرؤية
المفارقة هنا، أن المؤشرات السياسية تتحدث عن تعقيد في النظرة الخارجية لموضوع "الحشد الشعبي"، وربما يكون من بين الملفات المعقدة التي تتحكم في الرؤية الأميركية للعلاقة المتداخلة مع العراق وإيران، وتعقيدات الأزمة بين طهران وواشنطن. ولكن في المقابل، تنشغل القيادات السياسية الشيعية داخل "الإطار التنسيقي" بسجالاتٍ موضوعها "من يفرض سيطرته على (الحشد الشعبي)". ويتم تجاهل الرؤية الأميركية لـ"هيئة الحشد الشعبي"، وكيف تنظر إليه إدارة ترمب وفريقه في البيت الأبيض، باعتباره من ضمن "أذرع النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط"!
ومن زاوية أخرى، هناك تناقض بين تصريحات قيادات سياسية عدة، ففي الوقت الذي تطلق فيه تصريحات بأن وظيفة ومهام "الحشد الشعبي" بعد نهاية المعارك ضد تنظيم "داعش"، أصبحت حماية "النظام السياسي والعملية الديمقراطية"، وبات التوجه في الخطابات السياسية نحو إضافة "القداسة" على عنوان "الحشد الشعبي"، تتحدث تصريحات قيادات سياسية عن وجود "فضائيين في الحشد"، وهو توصيف أول من تحدث به رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، في إشارة إلى وجود أسماء منتسبين يتسلمون رواتب ولكن ليس لديهم وجود فعلي! وهذا الموضوع أعاد تكراره نوري المالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون" داخل "الإطار التنسيقي"، ويتحدث المالكي عن وجود محاولات "توظيف الحشد انتخابيا، أو توظيفه طائفيا". وكالعادة لا يحدد السياسيون هوية هؤلاء الذين يريدون استغلال "الحشد الشعبي"، وكأنما هم مخلوقات فضائية ليس لديهم عناوين سياسية!
وهناك شخصيات بعناوين رسمية تعمل في "الحشد الشعبي"، تستعرض بسياراتها الفارهة وأرتال الحمايات. وهذا ما فعله أسامة الكلداني نائب قائد عمليات "الحشد الشعبي" في الموصل، إذ ظهر في فيديوهات استعراضية بسيارات فارهة تتجاوز قيمتها 6 ملايين دولار! ما دفع رئيس مجلس الوزراء إلى إقالته من منصبه، وإحالة ملفه إلى "هيئة النزاهة".