"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

أصبح من بين الاشتراطات التي طرحت للنقاش بشأن عودة التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران

رويترز
رويترز
مسلمون شيعة يحضرون مسيرة بمناسبة يوم القدس السنوي في آخر جمعة من شهر رمضان، في النجف بالعراق، 28 مارس 2025

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

بين الإجابة على فرضيات الضغط الأميركي باتجاه حل "الحشد الشعبي" والخلافات بشأن تمرير قانونه في البرلمان، وبين الصراع على رئاسته والخلاف بين الأقطاب السياسية في "الإطار التنسيقي" بشأن السن القانونية لرئيس هيئته، ومرورا بالاتهامات باستغلاله انتخابيا، والتي أكدها وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الحالية والناطق باسم "الحشد" سابقا بتصريحه: "كلنا في الهوا سوا"، يبقى موضوع "الحشد الشعبي" هو الأكثر جدلا في السجالات والحوارات السياسية هذه الأيام، وربما سيستمر في قادم الأيام أيضا.

ويبدو أن موضوع "الحشد الشعبي" لم يعد موضوع نقاش سياسي داخلي، وإنما هو من بين الاشتراطات التي طرحت للنقاش بشأن عودة التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران. فالسفير الإيراني في بغداد محمد آل صادق، تحدث بأن من بين مطالبات الإدارة الأميركية من إيران "حل الحشد أو دمجه". ووصف هذه المطالب بأنها "غير مقبولة لا عراقيا ولا إيرانيا... اليوم (الحشد) مؤسسة قانونية وأدت دورا كبيرا في الحرب ضد (داعش)". وكان السفير الإيراني متناقضا عندما تحدث عن عدم قبول إيران حل "الحشد الشعبي" وفي الوقت ذاته يقول: "الحشد مؤسسة عسكرية قانونية عراقية، العراق هو من يقرر. وما هو دخل إيران حتى يتكلم معها الأميركيون بشأن حله؟".

ورغم ذلك، فإن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في آخر لقاء تلفزيوني معه، نفى التدخل الأميركي بشأن حل "الحشد الشعبي" وأكد "أنه غير موجود وغير مسموح". لكن تصريح رئيس الوزراء بنفي مطالب أميركية بشأن التعامل مع "الحشد الشعبي"، لا ينفي وجود تصريحات من مسؤولين أميركيين تشير إلى وجود رؤية أميركية بشأن التداخل في الملف الأمني بين العراق وإيران يثير حفيظتهم. وهذا ما أشارت إليه تامي بروس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، في مؤتمر صحافي يوم 24 مارس/آذار الماضي، بدعوة الحكومة العراقية إلى أن "تتأكد من سيطرتها على جميع الأجهزة الأمنية داخل حدود العراق، بما في ذلك (الحشد الشعبي)، الذي يجب أن يستجيب للقائد العام، وليس لإيران".

تناقضات في الرؤية

المفارقة هنا، أن المؤشرات السياسية تتحدث عن تعقيد في النظرة الخارجية لموضوع "الحشد الشعبي"، وربما يكون من بين الملفات المعقدة التي تتحكم في الرؤية الأميركية للعلاقة المتداخلة مع العراق وإيران، وتعقيدات الأزمة بين طهران وواشنطن. ولكن في المقابل، تنشغل القيادات السياسية الشيعية داخل "الإطار التنسيقي" بسجالاتٍ موضوعها "من يفرض سيطرته على (الحشد الشعبي)". ويتم تجاهل الرؤية الأميركية لـ"هيئة الحشد الشعبي"، وكيف تنظر إليه إدارة ترمب وفريقه في البيت الأبيض، باعتباره من ضمن "أذرع النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط"!

ومن زاوية أخرى، هناك تناقض بين تصريحات قيادات سياسية عدة، ففي الوقت الذي تطلق فيه تصريحات بأن وظيفة ومهام "الحشد الشعبي" بعد نهاية المعارك ضد تنظيم "داعش"، أصبحت حماية "النظام السياسي والعملية الديمقراطية"، وبات التوجه في الخطابات السياسية نحو إضافة "القداسة" على عنوان "الحشد الشعبي"، تتحدث تصريحات قيادات سياسية عن وجود "فضائيين في الحشد"، وهو توصيف أول من تحدث به رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، في إشارة إلى وجود أسماء منتسبين يتسلمون رواتب ولكن ليس لديهم وجود فعلي! وهذا الموضوع أعاد تكراره نوري المالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون" داخل "الإطار التنسيقي"، ويتحدث المالكي عن وجود محاولات "توظيف الحشد انتخابيا، أو توظيفه طائفيا". وكالعادة لا يحدد السياسيون هوية هؤلاء الذين يريدون استغلال "الحشد الشعبي"، وكأنما هم مخلوقات فضائية ليس لديهم عناوين سياسية!

وهناك شخصيات بعناوين رسمية تعمل في "الحشد الشعبي"، تستعرض بسياراتها الفارهة وأرتال الحمايات. وهذا ما فعله أسامة الكلداني نائب قائد عمليات "الحشد الشعبي" في الموصل، إذ ظهر في فيديوهات استعراضية بسيارات فارهة تتجاوز قيمتها 6 ملايين دولار! ما دفع رئيس مجلس الوزراء إلى إقالته من منصبه، وإحالة ملفه إلى "هيئة النزاهة".

مسودة القانون الجديد التي قرئت قراءة أولى داخل البرلمان، تركز على إضفاء الشرعية القانونية على التشكيلات الحالية لـ"الحشد الشعبي"

وهناك تناقض آخر بين من يحمل لواء الدفاع عن "الحشد الشعبي" ورمزيته وتضحياته، ويريد التأكيد على أنه مشروع لحماية التجربة الشيعية في الحكم من التحديات التي تفرض عليها من الداخل والخارج على حد سواء، ولكنهم في الوقت ذاته، يريدون إدخاله في دوامة صراعهم السياسي في الاستحواذ على مؤسسات الدولة، وشخصنة هذا الصراع بين الفاعلين السياسيين الشيعة! ولذلك يتم التركيز على من يكون رئيسا لـ"الحشد"، وكيفية إعادة تقاسم المناصب العليا فيه. ومن ثم، كيف يمكن توظيفه في التنافس الانتخابي والحصول على الحصة الأكبر من أصوات المنتسبين فيه؟! فأي رمزية يمكن أن تبقى لمؤسسة بعناوين تحفظ الدولة والتجربة ويتم تقزيمها من خلال شخصنة الصراع عليها، ومحاولة احتكارها لصالح هذا "الزعيم" أو ذاك؟!

قانونان لـ"الحشد"

بعد تصاعد الخلافات بشأن قانون الخدمة والتقاعد لـ"الحشد الشعبي"، والذي اختصر الخلاف فيه بشأن السن القانونية لفالح الفياض رئيس "هيئة الحشد"، قامت الحكومة في 11 مارس 2025، بسحب مشروع القانون من مجلس النواب بهدف تعديله.

ويبدو أن هناك شبه اتفاق سياسي على دمج القانونين في مسودة قانون واحد ترفع إلى مجلس النواب، وتأجيل الخلاف بشأن السن التقاعدية لرئيس هيئة "الحشد الشعبي". إذ نصت المسودة على أن "رئيس (الهيئة) هو الرئيس الأعلى والمسؤول عن تنفيذ أعمالها ومهامها، ويمارس الرقابة والإشراف على أنشطتها وفعاليتها، ويكون بدرجة وزير، ويعين وفقا للقانون". وإذا تم إقرار هذه المسودة سيبقى فالح الفياض في منصبه في هذه الدورة الحكومية وبدرجة وزير.

أ ب
13 يناير 2023، برلين: محمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق، يتحدث خلال مؤتمر صحفي في المستشارية الاتحادية

رغم أن الفكرة الرئيسة من قانون الخدمة والتقاعد لـ"الحشد الشعبي"، هي محاولة تنظيم الحقوق التقاعدية والضمانات المالية للمنتسبين وضمان الحقوق التقاعدية لذوي "شهداء الحشد"، فإن مسودة القانون الجديد التي قرئت قراءة أولى داخل البرلمان، تركز على إضفاء الشرعية القانونية على التشكيلات الحالية لـ"الحشد الشعبي". إذ إن قانون "هيئة الحشد الشعبي" رقم 40 لعام 2016، كان تشريعا مقتضبا يتألف من ثلاث مواد فقط، ولا يتضمن تفاصيل كافية بشأن شروط توظيف القوات أو هيكلها الإداري.

وما بين 2019 و2023 زادت أعداد منتسبي "الحشد الشعبي" ما يقارب 95 في المئة. فبعد أن كان في جداول موازنة 2019، نحو 122 ألفا. أصبح في موازنة 2023، أكثر من 238 ألفا. وارتفعت التخصيصات المالية لـ"الهيئة" مما يقارب 2.5 تريليون دينار عراقي (تقريبا 1.7 مليار دولار) في موازنة 2019. إلى 3 تريليونات دينار و700 مليار دينار عراقي (2.8 مليار دولار) في جداول موازنة 2023. وفي جداول 2024، بلغت التخصيصات 3.4 مليار دولار.

يبدو أن هناك توجها من الأطراف السياسية التي يرتبط بها "الحشد الشعبي"، لأن يكون له كوادر مستقلة من حيث التدريب والتجهيز والتطوير

هذا التضخم في أعداد منتسبي "الحشد الشعبي"، وزيادة المخصصات المالية، هما السبب الرئيس في الصراع على رئاسة "الحشد". وأساس الصراع هو التنافس على أصوات منتسبي "الحشد الشعبي" في الانتخابات، الذي لم يعد خافيا أو لا يتم التصريح به. لا سيما أن النقاشات داخل "الإطار التنسيقي" كانت بين من يريد التمديد لإبقاء فالح الفياض رئيسا لـ"هيئة الحشد الشعبي" لحين الانتهاء من الانتخابات القادمة، وهذا الرأي هو رأي الحكومة ومن يستعد للتحالف مع الفياض في الانتخابات. أما الرافضون لبقائه في منصبه، فيعتقدون أن خروجه من المنصب هو فرصة لتقويض إمكان حصول الفياض ومن يتحالف معه على مقاعد أكثر في الانتخابات. وهذا ما تحدث به بصراحة السيد فالح الفياض بوصف هذه الخلافات "بالدواعي الانتخابية أو الخلاف مع رئيس الحكومة". وأكدها الشيخ قيس الخزعلي عندما اعتبر أن أسباب مقترح التمديد للفياض "مبررات انتخابية".

القانون الجديد

تحاول مسودة القانون الجديد لـ"الحشد الشعبي"، إعطاء صفة تنظيمية لـ"هيئة الحشد" تتجاوز فيها مرحلة القوة العسكرية الموازية للجيش والمؤسسات الأمنية الرسمية. إذ تريد إضفاء الشرعية على توصيفه بـ"حامي النظام السياسي"، حيث تضمنت مسودة القانون الجديدة لـ"الحشد الشعبي"، تعريفا جديدا لوظيفة "الحشد"، وهي "المساهمة في حماية النظام الديمقراطي في العراق، والدفاع عن البلد وحماية وحدة وسلامة أراضيه، ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، والمساهمة في تأمين وحماية الأمن الوطني".

رويترز
مسلمون شيعة عراقيون يشاركون في مسيرة بمناسبة يوم القدس السنوي في آخر جمعة من شهر رمضان، في بغداد، 28 مارس 2025

وحددت مسودة القانون الجديد مهام رئيس "الهيئة" بـ"رسم السياسة، وتنفيذ قرارات مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وإصدار قواعد السلوك والاشتباك الخاصة بمجاهدي (الهيئة)". أما مهام رئيس أركان "الهيئة" فحُددت بـ"تنفيذ الخطط والعمليات العسكرية والاستخباراتية، والإشراف على تسليح وتجهيز وتدريب مجاهدي (الهيئة)، والرقابة على سير النظام العسكري في (الهيئة)".

ويبدو أن هناك توجها من الأطراف السياسية التي يرتبط بها "الحشد الشعبي"، ل أن يكون لـ"الحشد الشعبي" كوادر مستقلة من حيث التدريب والتجهيز والتطوير من خلال تشكيل "أكاديمية الحشد الشعبي" التي تتمتع بالشخصية المعنوية وترتبط برئيس "الهيئة"، وتمنح شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية. وتم تضمين ذلك في مسودة القانون الجديد.

وفي المسودة أيضا، هناك تأسيس "شركة المهندس العامة للمقاولات" لتنفيذ مشروعات إنشائية وهندسية وميكانيكية. وهنا يمكن أن يكون لـ"الحشد الشعبي" دور مشابه لجيوش في المنطقة تسيطر على مفاصل الاقتصاد والاستثمار في دولها. وقد يكون الهدف من تأسيس هذه الشركة هو إدارة مشاريع استثمارية تعطي مساحة اقتصادية لـ"هيئة الحشد" لم تعطَ لأي مؤسسة أمنية أخرى في العراق.

font change