بعد ساعات قليلة من إعلان حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" المؤيد لحقوق الأكراد في تركيا عن موقف سياسي "محايد" مما يجري في تركيا، بعد اعتقال رئيس بلدية مدينة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، واندلاع مظاهرات عارمة في مختلف المدن الرئيسة من البلاد، محددا نفسه كـ"خط ثالث"، غير منحاز للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" والتحالف الحاكم، أو لحزب "الشعب الجمهوري" المعارض، بعده بساعات قليلة، ألغت الحكومة التركية زيارة وفد الحزب المقررة إلى زعيم حزب "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان في سجنه، ومنعت نشر أي خطاب للأخير بمناسبة "عيد النوروز".
شكل ذلك دلالة قوية على التأثر المتبادل بين الثنائيتين الرئيستين الراهنتين في البلاد: المظاهرات الكبرى بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، كصورة "للمواجهة السياسية الصفرية" الكلية في تركيا، بين السلطة ممثلة بالرئيس أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم والتحالف الحاكم من طرف، وحزب "الشعب الجمهوري" المعارض من طرف آخر. و"عملية السلام بين الحكومة وحزب (العمال الكردستاني)" والتي توجت خلال الأسابيع الماضية بالنداء التاريخي لزعيم "الكردستاني" عبد الله أوجلان، والذي دعا فيه مقاتليه لنزع السلاح وتفكيك الحزب.
حسابات أردوغان
في حديث مطول مع "المجلة"، شرح الباحث التركي حلمي أصلان ما يسميها "القواسم المشتركة" بين المسارين السياسيين الرئيسين الراهنين في تركيا، محددا "طموح السلطة الأبدية" الذي يعتري أردوغان كمصدر أولي وتأسيسي لتلك العلاقة، وتاليا تلازمهما الحتمي، طردا أو عكسا على حد سواء.
يتابع أصلان حديثه مع "المجلة" قائلا: "منذ أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حين أعلن زعيم حزب "الحركة القومية التركية" (دولت بهجلي) عن مبادرته لإحلال السلام بين الحكومة التركية وحزب "العمال الكردستاني"، أكدت كل التحليلات أن سلوكه السياسي نبع من حسابات خاصة "بـالدولة العميقة" في البلاد- التي يعتبر بهجلي نفسه وحزبه أمينين عليها- تبعا لما تعتبره تلك النواة التحولات الإقليمية التي قد تهز استقرار تركيا وتؤثر على مستقبلها. حيث لم يكن أردوغان موافقا في البداية على ذلك المسار، وإن كان مطلعا عليه، بدلالة التصريحات المتباينة بين الطرفين في الأيام الأولى للطرح، وتوضيحات بهجلي الدائمة بأن أمرا بهذا العمق والحساسية هو وظيفة الدولة وواجبها، وليس السلطة أو الحكومة. في مرحلة متقدمة، اقتنع أردوغان بأن المسار الذي حدده بهجلي حتمي الحدوث، لكنه طالب قبالة ذلك بتعويض استثنائي، هو تغيير الدستور والنظام السياسي في البلاد، لفتح المجال أمام إمكانية استمرار أردوغان في موقع الرئاسة لمرات قادمة أخرى، وأن يكون قبول الأكراد بهذا الأمر شرطا للاستمرار في عملية السلام معهم".