المسار السوري والمطالب الأميركية

المسار السوري والمطالب الأميركية

ما هي إلا أيام على تسريب لائحة المطالب الأميركية التي سلمت لسوريا، حتى أصدرت سفارة الولايات المتحدة في سوريا تحذيرا لرعاياها، من تزايد مخاطر وقوع هجمات خلال عيد الفطر، وذكرت السفارة في بيان على موقعها أن "وزارة الخارجية الأميركية تحذر المواطنين الأميركيين من تزايد خطر الهجمات خلال الاحتفال بعيد الفطر، التي قد تستهدف السفارات والمنظمات الدولية والمؤسسات السورية العامة في دمشق". وأضاف البيان أن "أساليب الهجوم قد تشمل مهاجمين أو رجالا مسلحين أو استخدام عبوات ناسفة".

هذا التحذير سبقه أيضا إلغاء وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر ونظيرها النمساوي غيرهارد كارنر زيارتهما إلى سوريا بعد تلقي تحذيرات أمنية عن وجود تهديد إرهابي.

كذلك قيل إن تأجيل إعلان الحكومة السورية لساعات سببه أمني، كل ذلك تزامن مع إعلان وزارة الداخلية السورية إطلاق حملة أمنية في منطقة السيدة زينب بريف دمشق استهدفت خلايا قالت إنها تابعة لـ"حزب الله" اللبناني وكانت "تخطط لتنفيذ عمليات إجرامية"، وأوضح بيان الداخلية أن قوات الأمن "تمكنت من إلقاء القبض على عدد منهم".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي أحبطت قوات الأمن السورية مخططا لتنظيم "داعش" كان يستهدف تفجير قنبلة في مقام السيدة زينب، وفقا لما أوردته حينها وكالة الأنباء السورية الرسمية. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن واشنطن شاركت معلومات استخباراتية سرية مع الإدارة السورية أدت لإحباط هذا المخطط.

ستة مصادر مطلعة قالت لـ"رويترز" إن الولايات المتحدة سلمت سوريا قائمة شروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، منها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة. كما نقلت "المجلة" في وقت سابق لائحة هذه المطالب والتي سلمتها ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام وسوريا إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مؤتمر المانحين في بروكسل. ومن ضمن قائمة المطالب الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل والسلاح الكيماوي، والتعاون في الحرب ضد "داعش" ومنع ظهور التنظيم ثانية، وتصنيف "الحرس الثوري الإيراني" مجموعة إرهابية، مع توقعات بإبقاء إيران خارج سوريا، وضبط الحدود مع لبنان، وكذلك الانضمام الى "الاتفاقات الإبراهيمية".

هذه المطالب في معظمها لا تبدو تعجيزية، بل هي أيضا مطالب سورية، وقد بدأت دمشق بتنفيذها وإن لم تعلن عن ذلك صراحة، فبعد أيام من هذا التسريب زار مفتشو الأسلحة الكيماوية دمشق واصطحبهم مسؤولون سوريون إلى خمسة مواقع إنتاج وتخزين أسلحة كيماوية تعود إلى عهد نظام بشار الأسد. ومن بين هذه المواقع مواقع لم يصرح عنها نظام الأسد للمنظمة.

أما فيما يتصل بموضوع "داعش"، فالمصلحة سورية. أولا بمحاربة هذا التنظيم الإرهابي، ويبدو أن ثمة تعاونا حصل ويحصل بهذا الخصوص بين سوريا وعدة دول منها الولايات المتحدة الأميركية.

أما عن موضوع "داعش"، فالمصلحة سورية. أولا بمحاربة هذا التنظيم الإرهابي، ويبدو أن ثمة تعاونا حصل ويحصل بهذا الخصوص بين سوريا وعدة دول منها الولايات المتحدة الأميركية

في جدة بالمملكة العربية السعودية، وبحضور وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، التقى وزيرا الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، واللبناني ميشال منسى، والوفدان الأمنيان المرافقان لهما، الاجتماع الذي حصل بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، "بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك بين سوريا ولبنان بما يعزز الأمن والاستقرار بينهما. وتم توقيع اتفاق أكد فيه الجانبان الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عددٍ من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، ولا سيما تلك التي قد تطرأ على الحدود بينهما، كما تم الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة القادمة". فضبط الحدود السورية اللبنانية ليس ضرورة سورية ولبنانية فحسب، بل هو ضرورة لأمن المنطقة وضمان عدم عودة تهريب المخدرات والسلاح كما كان الوضع أيام سيطرة نظام الأسد و"حزب الله" على جانبي الحدود.

أما عن بقاء إيران خارج سوريا، وتصنيف "الحرس الثوري الإيراني" منظمة إرهابية، فهذان مطلبان يلبيان تطلعات السوريين بل إنهما بعض من مطالبهم التي ناضلوا من أجلها سنوات، قبل أن تكون مطالب أميركية.

بقاء إيران خارج سوريا وتصنيف "الحرس الثوري الإيراني" منظمة إرهابية، مطلبان يلبيان تطلعات السوريين، بل إنهما بعض من مطالبهم التي ناضلوا من أجلها سنوات، قبل أن تكون مطالب أميركية

في المقابل، هناك المطلب المتعلق بالانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، وهنا لا بد من السؤال هل المطلوب من السلطات السورية التطبيع مع إسرائيل لمجرد التطبيع أم التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين البلدين؟ وهل يمكن أن يتم الضغط على سوريا بموضوع العقوبات للحصول منها على تنازلات، وكل ذلك في وقت لم تتوقف فيه الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية؟ أم هل يمكن أن يكون الضغط من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات والبدء بمفاوضات جدية توصل لعملية سلام؟

هنالك أيضا مطلب عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة، قد يبدو المطلب أمرا بديهيا، فالطبيعي أن لا يتولى أي "أجنبي" منصبا قياديا في دولة أخرى، والطبيعي أن تكون قيادة الجيش السوري والقوى الأمنية السورية الجديدة حصرا على السوريين، وهنا يبدو أن الرئيس السوري أحمد الشرع سيكون أمام اختبار صعب، فهو يعتبر أن هؤلاء "الأجانب" شركاء في النصر الذي تحقق ورفاق نضال، ولكن السؤال: هل "يمون" عليهم من أجل سوريا أولا، أم إن ثمة مخاطر عليه شخصيا إن هو أبدى مرونة تجاه هذا الأمر؟

يبدو أنه يحاول أن ينتقل من الاعتماد على حمَلة السلاح للاعتماد على المواطنين عبر خطاب تطميني لهم والاستجابة لكثير من مطالبهم ضمن معادلات سوريا الصعبة، لكن المؤكد أن خطوة الألف ميل قد بدأت في سوريا في ظل مجموعة هائلة من التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، وسيكون الحكم على هذا المسار من خلال كل خطوة يخطوها الحكم الانتقالي باتجاه سوريا التي تشبه جميع السوريين.

font change