في مثل هذا اليوم... فتح حسني الزعيم باب الانقلابات في سوريا

بعض الانقلابيين جاءوا بدعم خارجي

غيتي
غيتي
العقيد حسني الزعيم منتصبا أثناء عزف النشيد الوطني خلال حفل تنصيبه رئيسا للجمهورية السورية في دمشق، وخلفه الضباط والمسؤولون الذين دعموه عندما تولى الحكم بانقلاب. في 11 يوليو 1949

في مثل هذا اليوم... فتح حسني الزعيم باب الانقلابات في سوريا

في مثل هذا اليوم سنة 1949، دخلت مجموعة عسكرية منزل رئيس الجمهورية السورية المنتخب دستوريا شكري القوتلي في حي بستان الرئيس، يتقدمها الضابط قائد الشرطة العسكرية إبراهيم الحسيني. بعد تحية الرئيس أبلغوه قرار الاعتقال الصادر بحقه من قبل قيادة الجيش والقوات المسلحة. لم يعارضهم القوتلي، ودخل غرفته لتغيير ملابسه، فجاءت زوجته للمساعدة دون معرفة من أعطى الأمر باعتقال زوجها، الذي كان يعرف بين السوريين بأبي الجلاء، لأن جلاء المستعمر الفرنسي جرى في عهده قبل ثلاث سنوات. سألته همسا: "هل هم الإسرائيليون، أم جماعة ملك الأردن عبد الله بن الحسين، الطامع بعرش سوريا؟". خطر في بالها أن مهندس الانقلاب كان إسرائيليا أو أردنيا، ولم يخطر في بالها أن يكون مواطنا سورياً كان الرئيس القوتلي قد أحسن إليه ورعاه، وهو رئيس أركان الجيش حسني الزعيم، إنه نفسه حسني الزعيم الذي كان يقول: "إذا كان في سوريا رجل يجب علينا تقبيل رأسه قبل يديه، فهو شكري القوتلي".

انتشرت الدبابات والمصفحات في شوارع العاصمة السورية في ليلة 29 مارس/آذار، وصباح 30 مارس 1949، وعلى أبراجها المفتوحة كان يطل الجنود وعلى رأسهم الخوذ الحديدية. الدمشقيون لم يكونوا يعرفون هذه المظاهر العسكرية، ولا حتى الجنود أنفسهم كانوا يعرفونها، قبل أن يدمنوها. شوهد مواطن يقترب من إحدى الدبابات على مدخل البرلمان ويسأل: "أخي... شو في البلد؟ شو صاير؟"، فأجابه الجندي: "انقلاب"! فسأل المواطن ببراءة: "أيوه... شو يعني انقلاب؟".

أما رئيس المجلس النيابي، العلامة فارس الخوري، فقد تمارض وجلس في منزله لتجنب مقابلة حسني الزعيم، فجاء الأخير إلى داره، وعرض عليه أن يكون أول رئيس حكومة في عهده. فرد الخوري بالقول: "إن جئت إلى الحكم أول ما سأقوم به هو أن أضعك في السجن لأنك تطاولت على الشرعية وعلى الدستور. سامحك الله، لقد فتحت بابا على سوريا من الصعب على التاريخ أن يرده".

وبالفعل، فتح حسني الزعيم باب الانقلابات العسكرية في سوريا، ولم يردّه إلا أحمد الشرع سنة 2024، يوم أطاح بآخر عهد عسكري عرفته البلاد، وهو عهد حزب "البعث العربي الاشتراكي" الممثل برئيسه ووريثه بشار الأسد.

لم يكن انقلاب الزعيم هو الأول في الوطن العربي كما يزعم الكثيرون، فقد سبقه انقلاب بكر صدقي في العراق الذي أطاح برئيس الحكومة ياسين باشا الهاشمي سنة 1936، وفي مذكراته المنشورة في الدوحة قبل سنوات، يقول الصحافي اللبناني أسعد داغر، أحد أعوان الملك فيصل الأول سنة 1920، إن بعض السوريين فكّروا في القيام بانقلاب عسكري ذلك العام، وفاتحوا وزير الحربية يوسف العظمة بالأمر ولكنه رفض التعاون. يقول داغر في مذكراته إن الفكرة كانت أن يقوم العظمة بانقلاب على الملك فيصل، لضعفه في مواجهة الفرنسيين، والإتيان بأخيه غير الشقيق الأمير زيد بن الحسين. يوسف العظمة كان ابن المؤسسة العسكرية العثمانية التي انقلبت على السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1908 وعادت بانقلاب ثان سنة 1913، أوصل "جمعية الاتحاد والترقي" إلى الحكم في إسطنبول. ولو قبل يوسف العظمة هذا الطرح لغيّر تاريخ سوريا والشرق الأوسط، وربما لما كانت معركة ميسلون، أو حتى الانتداب الفرنسي. ولكن رفضه القاطع للقيام بانقلاب أخّر سلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا حتى سنة 1949، والتي تضمنت 9 انقلابات ناجحة، و9 انقلابات لم يكتب لها النجاح.

أما رئيس المجلس النيابي، العلامة فارس الخوري، فقد تمارض وجلس في منزله لتجنب مقابلة حسني الزعيم، فجاء الأخير إلى داره، وعرض عليه أن يكون أول رئيس حكومة في عهده

الانقلابات الناجحة:

1- انقلاب حسني الزعيم على رئيس الجمهورية شكري القوتلي، 29 مارس 1949.

2- انقلاب سامي الحناوي على رئيس الجمهورية حسني الزعيم، 14 أغسطس 1949.

3- انقلاب أديب الشيشكلي على رئيس الأركان سامي الحناوي، 19 ديسمبر 1949.

4- انقلاب الشيشكلي على رئيس الحكومة معروف الدواليبي، 29 نوفمبر 1951.

5- الانقلاب على رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي، 25 فبراير 1954.

6- انقلاب الانفصال على جمهورية الوحدة، 28 سبتمبر 1961.

7- انقلاب حزب "البعث" على الرئيس ناظم القدسي، 8 مارس 1963.

8- انقلاب صلاح جديد على الرئيس أمين الحافظ، 23 فبراير 1963.

9- انقلاب حافظ الأسد على رئيس الدولة نور الدين الأتاسي، 16 نوفمبر 1970.

حافظ الأسد وشقيقه رفعت يتوسطهما نجل الأول باسل

الانقلابات الفاشلة:

1- محاولة انقلاب أردني عن طريق بهيج الكلاس، 27 سبتمبر 1950.

2- محاولة انقلاب محمد صفا على أديب الشيشكلي، ديسمبر 1952.

3- محاولة انقلاب عراقي على شكري القوتلي سنة 1956.

4- محاولة انقلاب أميركي على شكري القوتلي سنة 1957 (قضية هاوورد ستون).

5- انقلاب عبد الكريم النحلاوي على الرئيس ناظم القدسي، 28 مارس 1962.

6- عصيان حلب، 2 أبريل 1962.

7- انقلاب جاسم علوان، 18 يوليو 1963.

8- انقلاب سليم حاطوم على اللواء صلاح جديد، 8 سبتمبر 1966.

9- انقلاب رفعت الأسد على حافظ الأسد سنة 1984.

عندما وقع الانقلاب الأول في دمشق، سارع النواب إلى عقد جلسة طارئة في البرلمان، ولكن الجنود منعوهم من الاقتراب

شهدت سنة 1949 ثلاثة انقلابات ناجحة في سوريا، بينما بعض الانقلابيين نفذوا أكثر من انقلاب واحد في حياتهم، مثل العقيد أديب الشيشكلي الذي قاد انقلابه الأول سنة 1949 والثاني سنة 1951 وكاد أن ينفّذ الثالث سنة 1956 ولكنه انسحب. كل هذه الانقلابات جاءت بثوب واحد: ضابط طموح يقود مجموعة من العسكريين، يتحركون للاستيلاء على مبنى الإذاعة، ومن ثم يتوجهون إلى المجلس النيابي والقصر الجمهوري، ورئاسة الأركان للإطاحة بنظام الحكم القائم، ديمقراطيا كان أم عسكريا.

Alamy
جنود خلال انقلاب في سوريا، في 6 أبريل 1949

بعض الانقلابيين جاءوا بدعم خارجي، إما من العراق أو الأردن أو من الولايات المتحدة، وفي معظم الأحيان كانت الانقلابات السورية "بيضاء" وليس فيها سفك للدماء، باستثناء انقلاب اللواء سامي الحناوي الذي أدى إلى إعدام رئيس الجمهورية حسني الزعيم رميا بالرصاص سنة 1949، ومعه رئيس الحكومة محسن البرازي. ومما لا شك فيه أن نجاح الانقلاب السوري الأول– انقلاب حسني الزعيم– ألهم الضباط الأحرار الانقلاب على الملك فاروق في 23 يوليو/تموز 1952، وبأن الانقلاب المصري الذي سمّي بالثورة ألهم بدوره عبد الكريم قاسم الانقلاب على الحكم الملكي في العراق يوم 14 يوليو 1958. كان انقلاب العراق هو الأكثر دموية في تاريخ الانقلابات العسكرية في الوطن العربي، فقد أودى بحياة الملك الشاب فيصل الثاني مع أفراد أسرته جميعا من نساء ورجال، وأدى طبعا إلى سحل رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد بطريقة وحشية في شوارع بغداد. تكررت الدموية نفسها في الانقلاب على عبد الكريم قاسم سنة 1993، وأدت هذه السلسلة إلى وصول صدام حسين إلى السلطة سنة 1979. 

معارضة الانقلاب الأول

عندما وقع الانقلاب الأول في دمشق، سارع النواب إلى عقد جلسة طارئة في البرلمان، ولكن الجنود منعوهم من الاقتراب. اعترضهم نائب دمشق ورئيس الحكومة الأسبق لطفي الحفار وقال: "نحن نواب الأمة المنتخبون... لا يمكنكم منعنا من دخول المجلس. أنا نائب دمشق". فردّ عليه أحد الجنود الفتيان بسخرية، وإصبعه على زناد الرشاش: "نحن اعتقلنا رئيس الجمهورية منذ قليل ولا شيء يمنعنا من اعتقالك أو قتلك".

لم يراعوا تقدم الحفار بالسن ولا مكانته السياسية والاجتماعية، وقد تكرر الموقف نفسه مع الحفار يوم أصبح أحد ضحايا انقلاب عبد الكريم النحلاوي في 28 مارس 1962. كان الحفار يومها معتزلا السياسة بشكل تام، ولكن مهندس الانقلاب أمر باعتقاله، وأرسل مفرزة لجلبه من منزله مخفورا. كان النحلاوي نفسه صاحب الانقلاب الشهير على الوحدة في سبتمبر 1961، ثم انقلب ثانية على رئيس الجمهورية المنتخب ناظم القدسي في مارس 1962 واعتقل فيه كل السياسيين القدامى. دخل عسكري على لطفي الحفار البالغ من العمر 77 عاما وقال له: "أرجو يا لطفي بك أن ترافقني حالا وأن لا تؤاخذني على إزعاجك، فأنا عبد مأمور ونحن أولادكم".

أ.ف.ب
صورة أرشيفية بتاريخ 3 فبراير 1958 للرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر، بعد توقيع اتفاقية الوحدة

ردّ الحفار بغضب بالغ: "لا، لستم أولادنا لأننا لم نربِّ أولادنا على اقتحام دور المواطنين وتوقيفهم دون مذكرة توقيف، ولا على اللعب بالأوطان، ونسف القوانين. أمهلني قليلا لأحضر أدويتي". نُقل بعدها إلى السجن في سيارة جيب عسكرية في ساعة متأخرة بعد منتصف الليل، وهو يرتجف من البرد القارس، وهنا صاح بأعلى الصوت المتهدج: "أنا مريض، أنا بردان... ارحمونا يا ناس". أما رئيس الجمهورية ناظم القدسي فقد رد بشكل مماثل على تطاول العسكريين عليه وعلى الشرعية الدستورية، وبحسب ما جاء على لسان مطيع السمّان مدير الأمن الداخلي في مرحلة الانفصال أنه قال لهم: "الله يخرب بيتكم يا عسكر... رايحين تضيعوا استقلال البلاد بتصرفاتكم".

font change

مقالات ذات صلة