أكرم إمام أوغلو… معركة الاتجاه الواحد

المنافس الأقوى لأردوغان

رويترز
رويترز
إمام أوغلو يخاطب أنصاره خلال تجمع انتخابي قبل الانتخابات المحلية في إسطنبول، تركيا، 30 مارس 2024

أكرم إمام أوغلو… معركة الاتجاه الواحد

في بداياته، لم يكن اسمه معروفا على نطاق واسع خارج دوائر حزب "الشعب الجمهوري"، ولكن ذلك تغيّر في عام 2014، عندما انتُخب رئيساً لبلدية بيليكدوزو، إحدى بلديات إسطنبول الكبرى، وتقع في القسم الأوروبي من إسطنبول. ومنذ ذلك الحين، بدأ نجمه السياسي يتصاعد بوتيرة عالية. وسرعان ما أصبح شخصية محورية في السياسة الوطنية عندما رشحه حزب "الشعب الجمهوري" لمنصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، إحدى أكبر الحواضر في العالم، والتي يسكنها نحو 16 مليون نسمة.

وعلى الرغم من أن الجذور السياسية لإمام أوغلو تمتد إلى تيار يمين الوسط، بسبب تأثره بعائلته، فإن مسيرته ستتخذ مسارا مختلفا. فقد كان والده ناشطا سياسيا في صفوف حزب "الوطن الأم"، وهو حزب وسطي يميني تأسس في ثمانينات القرن الماضي كبديل مدني للحزب الحاكم المدعوم من المؤسسة العسكرية في تلك المرحلة. ولكنه سينتقل، كما يشاع، إلى مواقع الديمقراطية الاجتماعية تحت تأثير زوجته ديليك كايا (إمام أوغلو)، التي تزوّجها في عام 1995.

وُلد إمام أوغلو في 4 يونيو/حزيران 1970 في منطقة أكشابات التابعة لمحافظة طرابزون على ساحل البحر الأسود. وتلقى تعليمه الثانوي في مدرسة طرابزون الثانوية، ثم التحق بكلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول. وكان قد بدأ دراسته الجامعية في إحدى الجامعات بجمهورية شمال قبرص التركية، قبل أن ينتقل إلى إسطنبول لاستكمال تعليمه.

وبعد أكثر من ثلاثين عاما، أقدمت جامعة إسطنبول، في خطوة مثيرة للجدل، على إلغاء شهادته الجامعية، إلى جانب شهادات 28 شخصا آخرين، استنادا إلى ما سُمي "شكاوى عامة" ومزاعم بوجود مخالفات في إجراءات التخرج.

عقب تخرجه، انضم إمام أوغلو إلى شركة العائلة، حيث عمل في مجال البناء والمقاولات. ويقول أصدقاؤه إن تجربته كرجل أعمال سببت له إحباطا من ضعف كفاءة الخدمات العامة، وهو ما شكل أحد الدوافع الأساسية لدخوله عالم السياسة.

وفي عام 2008، انضم رسميا إلى حزب "الشعب الجمهوري" وتولى رئاسة فرع الحزب في منطقة بيليكدوزو، التي كان عدد سكانها آنذاك نحو 415 ألف نسمة.وفي انتخابات 2014 المحلية، خاض السباق على رئاسة بلدية بيليكدوزو وفاز بنسبة 50.82 في المئة من الأصوات، منتزعا السيطرة على المنطقة من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم.

يقول أصدقاؤه إن تجربته كرجل أعمال سببت له إحباطا من ضعف كفاءة الخدمات العامة، وهو ما شكل أحد الدوافع الأساسية لدخوله عالم السياسة

شهدت فترة ولايته في بيليكدوزو إنجازات ملموسة، كان من أبرزها مشروع "وادي الحياة"، وهو مساحة خضراء ضخمة تمتد على 1.2 مليون متر مربع، وتضم مسارا للمشي بطول 7 كيلومترات، ومضمارا للدراجات بطول 16.5 كيلومترا، إلى جانب الكثير من المرافق العامة. كما أشرف على تحسينات كبيرة في البنية التحتية، وركّز على المبادرات الثقافية، بما في ذلك افتتاح مراكز ثقافية جديدة.

سر شعبيته في إسطنبول

وما إن حلّ عام 2019، حتى برز اسم إمام أوغلو كأحد أبرز المرشحين خلال بحث حزب "الشعب الجمهوري" عن شخصية قوية لخوض انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى. وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها الحزب أنه الاسم الأكثر شعبية، ليس فقط بين أنصار الحزب، بل أيضا بين قطاعات كبيرة من سكان إسطنبول المستقلين سياسيا. ويعزو المقربون منه شعبيته إلى قدرته اللافتة على التواصل السريع مع الناس وموهبته الطبيعية في الإقناع.

وبالفعل، رشّحه حزب "الشعب الجمهوري"لخوض انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى في عام 2019. وقد حقّق، في الانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس/آذار من ذلك العام، حقق فوزا ضيقا، ولكنه حاسم على منافسه بن علي يلدريم، رئيس الوزراء السابق وأحد أقرب المقرّبين من الرئيس رجب طيب أردوغان.

رويترز
إمام أوغلو يخاطب أنصاره خلال تجمع انتخابي قبل الانتخابات المحلية في إسطنبول، تركيا، 30 مارس 2024

إلا أن النتائج لم تصمد طويلا، إذ تقدّم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم(AKP) باعتراضات، ما دفع الهيئة العليا للانتخابات إلى إلغاء النتائج والدعوة لإعادة الاقتراع.وفي 23 يونيو/حزيران 2019، عاد أكثر من عشرة ملايين ناخب من سكان إسطنبول إلى صناديق الاقتراع، ليعطوا هذه المرة إمام أوغلو فوزا كاسحا، فارتفع الفارق بين الرجلين من 13 ألف صوت إلى 806 آلاف صوت، وفاز بنسبة بلغت 54.21 في المئة من الأصوات. كان ذلك ضربة موجعة لحزب "العدالة والتنمية"، ولحظة فارقة في التاريخ السياسي الانتخابي التركي.

وبعد إعلان النتائج، ظهر إمام أوغلو أمام الكاميرات في مركز تنسيق الانتخابات التابع لحزبه، قائلاً: "في مساء 31 مارس، تعطلت ساعة الديمقراطية، لكن الحقيقة لا يمكن حجبها. اليوم، لم تخرج من صناديق الاقتراع أوراقُ التصويت فقط، بل خرجت إرادة الشعب".

وعزز إمام أوغلو مكانته السياسية في الانتخابات المحلية لعام 2024، حين فاز بولاية ثانية على رأس بلدية إسطنبول الكبرى بنسبة 51.21 في المئة، بينما حصل منافسه من حزب "العدالة والتنمية" على 39.59 في المئة.

وبعد فترة وجيزة، في 5 يونيو/حزيران 2024، انتُخب رئيسا لاتحاد البلديات في تركيا، مما وسّع من نفوذه السياسي خارج حدود إسطنبول.

يعزو المقربون منه شعبيته إلى قدرته اللافتة على التواصل السريع مع الناس وموهبته الطبيعية في الإقناع

ولكن الحكومة المركزية لم تتركه وشأنه، واتهمته بتقديم طموحاته السياسية الشخصية على مسؤولياته كعمدة. وذهب منتقدوه إلى أنه كان منشغلاً ببناء صورته الوطنية أكثر من اهتمامه بخدمة المدينة.

وردا على ذلك، عرض الموقع الرسمي لبلدية إسطنبول قائمة طويلة بالمشاريع المنجزة وأخرى قيد التنفيذ، تتراوح بين إنشاء خطوط مترو وترام جديدة، ومبادرات لتحويل النفايات إلى طاقة، وتطوير حضري، وبرامج اجتماعية واسعة، منها مطاعم بلدية، وسكن طلابي، ورياض أطفال عامة، إلى جانب مشاريع لإحياء ضفاف القرن الذهبي التاريخي ومحيطها.

في المقابل، كان إمام أوغلو يتهم حكومة "العدالة والتنمية" بوضع العقبات الإدارية والقانونية في طريق إدارته وتقليص التمويل الحكومي. ومع ذلك، كان يفاخر بقدرته على تجاوز تلك التحديات وتأمين مصادر تمويل بديلة والمضي قدما في تنفيذ مشاريعه. ويصفه المقربون منه بأنه قائد يؤمن بالاختصاص، ويشجع على التشاركية، ويعمل بروح الفريق.

الأقدر على هزيمة أردوغان

هذا الصعود السياسي اللافت جعل كثيرين يرون فيه المنافس الأكبر لأردوغان والأقدر على هزيمته في انتخابات رئاسية محتملة، بيد أن الشهرة التي نالها أوقعته أيضا في خصومات داخلية متزايدة داخل حزبه، ناهيك عن تصعيد الضغط عليه من قبل حزب "العدالة والتنمية" وحليفه حزب "الحركة القومية".

رويترز
أنصار رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو يتجمعون خارج مبنى بلدية إسطنبول الكبرى احتجاجا على اعتقاله، في إسطنبول، تركيا، 19 مارس 2025

ولم تتأخر التحديات القانونية في الظهور، ففي ديسمبر/كانون الأول 2022، حُكم عليه بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما مع فرض حظر سياسي عليه بتهمة "إهانة موظفين عموميين". ولكنه استأنف الحكم، ما مكّنه من البقاء في منصبه.

وأخيرا، اعتقل إمام أوغلو في مارس 2025 بتهم تتعلق بالفساد وتقديم الدعم لتنظيم إرهابي، وعلِّقت مهامه كرئيس للبلدية.ووجّه له مكتب المدعي العام في إسطنبول تهما تتضمن قيادة تنظيم إجرامي، والابتزاز والرشوة والاحتيال وجمع بيانات شخصية بطرق غير قانونية والتلاعب في المناقصات.وقد أثار توقيفه، ثم اعتقاله، موجة احتجاجات واسعة في أنحاء تركيا، وأشعل جدلا سياسيا حادا.

وبناء على طلب مكتب المدعي العام في إسطنبول، فقد صودرت شركة العائلة التي يساهم فيها أكرم إمام أوغلو، إلى جانب عدد من الشركات التابعة لبلدية إسطنبول الكبرى. ويرى أنصار حزب "الشعب الجمهوري"، ومعهم وفرة من المراقبين من مختلف التيارات السياسية، أن القضية ذات دوافع سياسية، ويرون أن القضاء يُستخدم لإقصاء إمام أوغلو من الساحة السياسية، بسبب تصاعد شعبيته وازدياد التهديد الذي يُشكّله على إحكام الرئيس رجب طيب أردوغان قبضته على مقاليد الأمور في البلاد.

وقد أُودِع إمام أوغلو في سجن سيليفري، حيث ينتظر صدور لائحة الاتهام الرسمية وبدء الإجراءات القضائية، ولكن هذه العملية ستستغرق على الأرجح وقتا طويلا.

وعلى الرغم من أن مستقبله السياسي يبدو غامضا، فإن كثيرين يعتقدون أن إقصاءه التام عن الحياة العامة لن يكون بالأمر السهل.وقد أعلن فريقه القانوني نيّته استئناف الحكم القضائي، وكذلك الطعن في القرار السابق الصادر عن جامعة إسطنبول بإلغاء شهادته الجامعية.

على الرغم من أن مستقبله السياسي يبدو غامضا، فإن كثيرين يعتقدون أن إقصاءه التام عن الحياة العامة لن يكون بالأمر السهل

وفي 23 مارس، وأثناء وجوده في الحجز، قام حزب "الشعب الجمهوري" بتكتيك غير مسبوق، عندما أجرى استفتاء شعبيا واسعا، من خلال إنشاء مراكز اقتراع في كبرى المدن التركية لقياس مستوى التأييد لترشيح إمام أوغلو للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2028. وبعد فترة وجيزة، أعلن زعيم الحزب، أوزغور أوزَل، أن أكثر من 15 مليون شخص أدلوا بأصواتهم تأييدا لترشيح إمام أوغلو. واعتبر أوزَل هذا الإقبال الكثيف مؤشرا واضحا على أن شريحة واسعة من الشعب التركي تُطالب بانتخابات مبكرة.

رويترز
إمام أوغلو يحيي أنصاره خلال تجمع جماهيري قبل الانتخابات المحلية في إسطنبول، تركيا، 30 مارس 2024

واستجابة لهذا الدعم الشعبي الواسع، عقد حزب "الشعب الجمهوري" اجتماعات لهيئاته القيادية، بما في ذلك كتلته البرلمانية التي تضم جميع نواب الحزب، لإجراء تصويت داخلي بشأن ترشيح إمام أوغلو للرئاسة.وجاءت النتيجة بالإجماع هي إعلان أكرم إمام أوغلو رسميا مرشح حزب "الشعب الجمهوري" للانتخابات الرئاسية، ليُصبح أول مرشح رئاسي في تاريخ تركيا يُدير حملته الانتخابية من داخل السجن.

وعقب إعلان الحزب، نشر إمام أوغلو رسالة من محبسه جاء فيها: "أمامنا من الآن فصاعدا طريق طويل وصعب ومليء بالعقبات، ولكنه سيقودنا نحو الديمقراطية، والعدالة، والازدهار، ومستقبل مشرق لتركيا".

font change