مسلسلات رمضان 2025... خمسة أعمال غلبت عليها البطولة الجماعية

من مصر والسعودية وسوريا

AlMajalla
AlMajalla

مسلسلات رمضان 2025... خمسة أعمال غلبت عليها البطولة الجماعية

قسمت منصات العرض الموسم الرمضاني نصفين. بات لا يمكن إطلاق حكم شامل على الموسم دون انتظار عدد من الأعمال التي يبدأ عرضها مع النصف الثاني من رمضان. بل أصبح هناك معيار جديد للحكم على الأعمال المكونة من ثلاثين حلقة: هل كانت تستحق أو كان عليها الاكتفاء بخمس عشرة حلقة، دون تكلفة أو مط درامي. تسبّب ذلك ضمن ما تسبّب، في سرعة الإيقاع أو تخبطه في أفضل الأحوال، والسعي المستمر إلى توريط الجمهور، لكنه قدّم كذلك محاولات أكثر اختلافا وتنوعا.

وعلى الرغم من تفاوت الأعمال الدرامية، إلا أن هناك سمة تجمع غالبيتها، تتمثل في البطولات الجماعية لتلك الأعمال. يمكن أن نتساءل من خلالها إلى جانب تقييمها الفني نقديا: هل باتت البطولة الجماعية الحل الأمثل للعمل الدرامي؟ وهل خلقت واقعا دراميا جديدا؟

"شباب امرأة"... إدانة البطلة

في الحلقة الأولى، يقدم السيناريست محمد سليمان عبد المالك بطلة العمل غادة عبد الرازق، بأداء شعبوي في مشهد فاتن، تجلس فيه أمام المرآة تتأمل وجهها، قبل أن يشوب هذا التأمل انزعاج من ظهور بعض الشعرات البيض في رأسها. بداية تنشغل فيها البطلة بذاتها. يبدو صراعها داخليا تماما، مع الزمن، ولا يمكن حله.

ما الذي يجعل هذا التفصيل مفتاحا لفهم البطلة شفاعات، ثم باقي العالم الدرامي الذي يتطور من خلالها؟ في الفيلم، كما في المسلسل، تظهر السيدة المسنة طاغية، تطمع في التمتع بحياة شاب في عمر أبنائها. يظل السؤال: ما الجريمة في رغبة سيدة مسنة بالحب، حتى لو كان هذا يتشابك مع رغبة إنسانية في العودة إلى الشباب؟

"شباب امرأة"، رواية كتبها أمين يوسف العراب صدرت عام 1952 ثم حولها المخرج صلاح أبو سيف إلى فيلم سينمائى عام 1956، حمل واحدا من أفضل أدوار تحية كاريوكا.

لو حصر المؤلف عوالمه المتفرقة بشخصية شفاعات التي تحارب الزمن، لربما أصبحت تلك نقطة القوة الأكثر نباهة

ينطلق المسلسل مبدئيا من مسارات تشبه الفيلم شكليا، مع شخصيتين: السيدة شفاعات (غادة عبد الرازق)، الأرملة القوية التي تملك مالا وفيرا وسلطة كبيرة في حي درب المسرات، وإمام (يوسف عمر) الآتي من القرية، وهو طبيب شاب يشق حياته. يحذو المسلسل حذو الرواية والفيلم، وربما كان يمكن صناع المسلسل التفكير أبعد، لا السير المثالي مع القصة المعروفة. إلى جانب هاتين الشخصيتين، هناك حسبو (محمد محمود) وأبطال آخرون يفتح لهم السيناريو خطوطا موازية شديدة الأهمية في التعريف بعالم المسلسل والتورط فيه دراميا، خصوصا شخصية سلوى (داليا شوقي). هذا العالم الذي تتعلق فيه الشخصيات بذواتها، لا يلتفت الى أي سياقات خارجية، كل الأبطال أزماتهم من الداخل، ورغباتهم تحمل أنانية مفرطة، من التسرع إدانتها أخلاقيا تماما.  

مشهد من مسلسل "شباب امرأة"

المسلسل نتاج ورشة كتابة المؤلف محمد سليمان عبد المالك الذي يدخل هذا الموسم بمسلسل آخر إلى جانب "شباب امرأة"، هو مسلسل "شهادة معاملة أطفال" لمحمد هنيدي الأقل فنيا من هذا العمل على كل حال. يتغاضى المسلسل كما الفيلم عن البداية التي تختارها الرواية التي تبدأ بالتعريف بـ إمام، ووضعه الاجتماعي وأفكاره في الطفولة، والذي يُدخله القدر في تجربة مع سيدة أنهت اختبارها في مفرمة القاهرة، تقف على الحافة، تنظر إلى عمر بات وراءها وتتحسر قليلا على ضياعه. الاختيار الجيد هنا هو الانطلاق من النهاية التي يعرفها الجميع: لحظة قتل شفاعات، والتحقيق في حيثيات ذلك القتل، الذي يعود الى الوراء لمحاولة فهمها.

ما زلنا نذكر مقالات كتبت بعد فوازير رمضان، "فطوطة"، للراحل سمير غانم. في آخر حلقات الموسم يطرح العمل فزورة، لاكتشاف أي فيلم تتحدث عنه الحلقة، ويكون الفيلم "شباب امرأة". احتج البعض آنذاك، إذ كيف يمكن إعادة تجسيد هذا العمل وقصته المزعجة في شهر رمضان. فبعد مرور كل تلك السنوات، لا يبدو مهما توقيت عرض المسلسل الرمضاني، أو طريقة تناوله، بقدر ما يمكن طرح تساؤل عن الصوت الذي تُحكى من خلاله القصة، والسبب في إدانة شفاعات. ولو فتح المؤلف مسار ذلك التساؤل، وحصر عوالمه المتفرقة بـشفاعات التي تحارب الزمن، لربما أصبحت تلك نقطة القوة الأكثر نباهة في نقل كلاسيكية العمل القديم إلى مجتمع حداثي، بدلا من التساؤل حول ما إذا كانت شفاعات مدانة أم لا.

"ليالي الشميسي"... عالم نساء نساء

يبدأ مسلسل "ليالي الشميسي" بأقوى عناصره على الإطلاق: تتر حميمي يتغنّى به المطرب ماجد المهندس بكلمات عاتبة. تطرق أسماع المشاهد لتخبره عن تكالب بشري غير مبشر ينتظر المشاهد على مدار الحلقات. تتر سوداوي يدين المصالح الفردية التي تعمي الكل دون استثناء.

"ليالي الشميسي" خامس عمل درامي يجمع بين عبد الإله السناني وريم عبدالله، بعد "طاش ما طاش"، "سيلفي"، "كلنا عيال قرية"، و"العاصوف"، التي حققت نجاحات كبيرة خلال السنوات الماضية. لكن هذه المرة يأتي دورهما في مساحة شريرة تماما، مقارنة بالسابق. المسلسل من إنتاج هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، بطولة ريم عبدالله وعبد الإله السناني وعبد الرحمن نافع.

يتحرك كل حدث عن طريق النساء. الغضب النسائي يدفع الأحداث دفعا، بالرغم من ظهوره في أشكال عراك ذكوري بين رجال العائلة

في أكثر من عمل في هذا الموسم، خرجت القصص السعودية من خلال جيل مخضرم نسبيا. فشاهدنا سبعينات الرياض في "ليالي الأعشى"، وفي "ليالي الشميسي" ننتقل إلى الثمانينات، يبدأ المسلسل من عام 1980 داخل الرياض التي تبدو هادئة، بعيدة نسبيا عن الرياض التي يعرفها العالم اليوم. نشاهد والد الأسرة الصغيرة يجلس وحيدا في سيارته، يبدو أنه سمع للتو شيئا أزعجه. الأب لديه أبناء من زوجتين إحداهما ماتت وتركت مكانها للأخرى التي يكرهها أبناء الأولى. يموت الوالد تاركا لغز ميراثه خفيا. يولّد ذلك لدى الجميع تلاعبا وشكوكا بين الأبناء وأزواجهم. كل شيء هنا يدور حول المال، والرغبة في امتلاكه. تتحرك النساء في الليل لتغيير المعادلات. وتصنع دراما متماسكة رغم بعض الملاحظات.

لدينا هنا مجاز مثالي للتسمية التي اختارها الصنّاع للمسلسل: "ليالي الشميسي". هنا تحدث الأشياء فعلا في الليل، بينما نرى أثرها في الحي نهارا. يتحرك كل حدث عن طريق النساء. تبدو العوالم مقلقة ومتوترة ومغرية تصاعديا في كل حلقة نتيجة ذلك. الغضب النسائي يدفع الأحداث دفعا بالرغم من ظهوره في أشكال عراك ذكوري بين رجال العائلة، أو تحديدا بين عبد الله وفهد، الأخوين غير الشقيقين.

بمرور الحلقات، يفقد المخرج محمد لطفي خط إيقاع جيد للمسلسل، فيسير بوتيرة ثابتة، ربما يستهدف من خلالها جمهورا كبيرا نسبيا في السن، لم تعد تراهن عليه الدراما للأسف، فلا تتطور حبكة المسلسل خارج الخط الدرامي الوحيد الذي يدور حوله الجميع: البحث عن الميراث الذي أبعده الوالد عن الجميع. لكن يظل "ليالي الشميسي" محاولة جيدة على كل حال لعمل درامي يجسد حقبة الثمانينات التي لم تجد لها مكانا كثيرا لسرد حكاياتها الخاصة التي تُحكى هذه المرة بجمع من النجوم، لا على طريقة النجم الأوحد.

"البطل"... البيروقراطية ضد البطولة

يعود الممثل السوري بسام كوسا في مسلسل "البطل" الذي كتبه رامي كوسا، بعد سنوات من تقديمه شخصيات شريرة في أعمال مثل "تاج" و"مال القبان". يطرح "البطل" تحديا جديدا أمامه، حيث يقدم شخصية تجمع بين القوة والهشاشة الإنسانية تعبّر عن أمنيات الدولة السورية كلها ربما، اليوم. رجل يحمل صراعات داخلية وتناقضات نفسية تبقي المشاهدين في حالة ترقب.

مسلسل "البطل" الذي يخرج ضمن أعمال قليلة في ثلاثين حلقة على مدار الموسم الرمضاني، بنصفيه، بدا نوعا ما ضمن أفضل أعمال الموسم، فهو جماهيري وحميمي ولديه مجازات سياسية واضحة بالرغم من عدم مباشرتها الفجّة. يطرح المسلسل معضلة قد يشكك فيها من المشهد الأول: من لحظة دخول بطله يوسف السجن واعترافه الذي يبدو أنه خرج للتو من صوت مهزوم وحزين، يبدأ في سرد قصته على المشاهدين، تلك التي ستأخذ لاحقا شكل رسائل مرسلة إلى ذاته.

نور علي في مشهد من مسلسل "البطل"

لدينا أسرة سورية هانئة، مدرس وموظفة في الحي وولدان. وقرية هادئة سرعان ما تعكّر صفوها الحرب. تضطر القرية إلى تحمل النازحين من القرية المجاورة التي هربت من النيران. هنا بطل في لحظة اختبار فعلية ليست تنظيرية على الإطلاق. بين مشهدين في المدرسة، أحدهما يردد الطلاب فيه النشيد الوطني بفخر، والآخر يهرعون فيه الى الخارج مع سماع أخبار عن وصول مساعدات. بعد عدة حلقات وموقف مثل ذلك، يفهم المشاهد إلى أي مدى تغيرت الأمور. يفهم الخطاب كيف تغير أو كيف عليه أن يتغير أكثر. يغلق المسلسل قصته على القرية الصغيرة ويحكي كل شيء عن سوريا من خلالها.

يترك المخرج المخضرم الليث حجو مساحة واسعة من المرور الصامت على الأبطال والمجموعات التي تجلس في صمت تتساءل عن مصيرها

على عكس غالبية الأعمال الدرامية المليئة بالحوار الذي يجعل استقبالها أسهل أو أخف نسبيا، يترك المخرج المخضرم الليث حجو مساحة واسعة من المرور الصامت على الأبطال والمجموعات التي تجلس في صمت تتساءل عن مصيرها، في لحظة مرعبة مجهولة يملأها الجوع والفقر والقلة وقلق الحرب وندرة الرحمة.

بلد، لديه ما يكفي من المشكلات البعيدة عن السياسة والقريبة منها في آن. عليه تقبّل طبقاتها المختلفة بالانصهار في ما بينها لو أرادت التعايش. الانصهار غير المتقبل بين الابن المجهول الأب، ربيب السجن الذي يعيش في القرية وحيدا يريد تكوين أسره، وبين حبيبته التي يرفضه أهلها تماما نتيجة أصله المجهول وماضيه غير المنسي. أو بين حبيبين غيرهما، لديهما منحة في الخارج، أحدهما يرى الحل في السفر، والأخرى تتردد في ترك الأهل في وقت خطر.

يتحرك البطل يوسف كل مرة وفق شعوره بالمسؤولية الفردية، في مقابل البيروقراطية التي تستوجب الانتظار رغم اللحظة الحرجة. التساؤل المفصلي للعمل: هل تتحمل الدولة وحدها مصير الناس وقت الحرب أم يحتاج البلد إلى بطل يرى روح القانون في كل شيء؟ وبينما تتحرك الأعمال السورية عموما لإدانة العام، يخوض مسلسل "البطل" في إدانة الخاص، ويتساءل عن البطولة والمجتمع المنهار الذي عليه أن يبني نفسه من الداخل كذلك، من خلال بطولة جماعية في المسلسل قد تعبر عن قطاع المجتمع الأكبر. في الحرب، يحتاج الجميع إلى الجميع. البطولة لا تصلح فرديا هنا. البيروقراطية عدو البطولة، بشكل عام، الفردية والجماعية.

"منتهي الصلاحية"... عالم المراهنات

على مدار ما يقرب من تسعة أشهر فقط، وصلتنا تقريبا أربعة سيناريوهات مختلفة محورها الحديث عن الرهانات الرياضية، كان آخرها سيناريو المؤلف إسلام عبادي الذي يقوم مسلسله بالكامل على هذا الخط الدرامي فقط. الموسم الرمضاني الحالي يخرج مسلسل "منتهي الصلاحية" الذي يعود خلاله النجم محمد فراج الذي لم يحصل على الأدوار التي يستحقها بعد،، في عمل يجمع بين هذا الخط الدرامي والخط الذاتي للبطل.

يخرج المسلسل بسيناريو من كتابة محمد هشام عبية بعد عمله السابق "صلة رحم"، وهو عمل متواضع بشكل كبير رغم فكرته المغرية. إذ لا يورط السيناريو المشاهد تماما في علاقة الصداقة الغريبة التي تنشأ بين صالح والشاب شرقاوي، عامل البنك لاعب الكرة. لا يبدو مجرد حبه للكرة سببا كافيا، كما أنه لا يؤهل المشاهد للحكاية التي تنتظره. 

عمل طغت عليه الرغبة في تنفيذ الفكرة سريعا دون اختمار كاف، أو ربما بتشتت نسبي، نتيجة سرعة إنتاجه أو أمور أخرى

يتحرك العمل خطابيا من خلال مصطلحات رياضية. يحكي البطل قصته للمشاهد مباشرة كحل سحري سهل، لصناعة حميمية مع المشاهد، من خلال البطل الذي يقول صراحة إنه يرى الحياة كلها "ماتش كورة". يعمل صالح البطل في بنك، فيكتشف فجأة احتيال مديره الذي يتسبب في سجنه. بعد أن يخرج من السجن، يكتشف فكرة المراهنات التي يراها تعويضا مثاليا للانتقام والحصول على الثروة.

يوجز المخرج تامر نادي كل مقدمات فكرته في أول حلقتين، بالتركيز على القصة التي يتحرك خلالها الأبطال. ثم ينتقل تدريجيا للتركيز على قصته الجوهرية، أي المراهنات. كل ذلك يدور في عمل يحمله فراج على كتفه، إلى جانب عدد كبير من التسكينات الخاطئة للممثلين، بداية من الأداء الباهت لزوجته هبة مجدي، أو عامل البنك حسن مالك، أو ياسمين رئيس، التي تقدم أسوأ أدوارها، وغيرهم بالطبع.

لدى المسلسل واحد من أفضل تترات الموسم. محمد عدوية ودبل زوكش في أغنية غاضبة وسوداء، تشبه تماما الصورة الأولى التي يراها المشاهد ليد تخرج من المجاري، لا يبدو أنها تملك شيئا وتريد الحصول على أموال غير معدودة. رغبة في ملامسة السماء من بطل "منتهي الصلاحية" كما يقول عنوان المسلسل، لا يصلح لأي شيء، يمثّل أبطالا كثيرين يتربحون من تلك المراهنات التي باتت رهانهم الحقيقي الوحيد، بعدما بصقهم المجتمع أو بصقوه. البطولة في "منتهي الصلاحية"، هي سعي رجل خسر كل شيء، ولم تعد مبادئه ذات قيمة. عاد لينتقم من الكل.

"منتهي الصلاحية"، عمل طغت عليه الرغبة في تنفيذ الفكرة سريعا دون اختمار كاف، أو ربما بتشتت نسبي، نتيجة سرعة إنتاجه أو أمور أخرى قد لا نعلمها بدقة، قدر ما نقف أمام نتائجها. عمل يحمل الحد الأدنى من القابلية للمشاهدة، لكنه لا يبشر كثيرا. يحدث في عالم يبني قوامه على التشويق، في لحظة إجتماعية مملة وثابتة سياسيا وثقافيا، لم تجد نفسها سوى في الأحلام والضربات السريعة.

مسلسل "ظلم المصطبة"

"ظلم المصطبة"... خيانة جماعية

هنا بطولة جماعية باتت تشكل عصابة محببة لدى الجمهور، تبدأ من الثنائي إياد نصار وريهام عبد الغفور، إلى جانب فتحي عبد الوهاب الذي يمكن تتبع حركة اختياراته الفنية واعتبارها مثالية وفقا لجيله. يبدو هذا العمل ظلاميا إلى درجة تجعله غريبا على الموضوعات الدرامية المختلفة، كغالبية كتابات المؤلف أحمد فوزي صالح. السيناريو والحوار لمحمد رجاء: السوداوي الآخر الذي لديه أعمال مذهلة في مواسم سابقة، وعمل متواضع هذا الموسم، "نص الشعب اسمه محمد". عموما لدينا قصة مليئة بالخيانات والترابطات الإنسانية المزعجة.

التطور الدرامي هو بطل تلك الأحداث. الكل يرغب في الهروب، بينما الحل الوحيد أمامهم هو تخيل ذلك الهروب

هل يمكن الإمساك بخط شعوري يربط أحداث المسلسل؟ لا تبدو التصورات أبعد كثيرا من فقدان السلطة. فلاحون يعانون من التجاهل المجتمعي والعاطفي. تهميش تراكمي ينتج أوهاما بامتلاك الأشياء أو تسرّبها أكثر مما يُحتمل. في الحالتين، خلق رغبة في إعادة وجود سلطة مفتقدة على الجميع. تخبّط يخلق سلاسل من الخيانات التي يظن أصحابها أنها مرحلية قد تنتهي لكنها لا تنتهي البتة. صفحات الماضي هنا لا تغلق، يفقد فيها أحدهم سنوات من عمره داخل السجن، وتعيد الى الآخر رعب عدم حب زوجته بعد سنوات، سلطة مفقودة ومعلقة.

عالم مغلق. محدود الرؤية والحركة. الكاميرا تتحرك مع الوجوه ولا تبتعد كثيرا. ليس لدى أبطاله مسارات كثيرة للترقي دون فهلوة وخداعات. خيانات بين الأصدقاء القدامى، في سلسلة متتالية من المفارقات. صديقان في عمل خارج عن القانون، في بلاد بعيدة، لزيادة التهميش، وتكثيف تبرير تلك النهاية حتى يمكن احتمالها. يعود أحدهما دون الآخر، بالأموال، ليتزوج صديقته. يبدو التصاعد الدرامي بين طيب وشرير، لكنه يتحرك رويدا مع فهم دوافع البطل الضد. الجميع منبوذ هنا عموما، او كما يقول التتر: "مش بتضحكلي الدنيا مش بتضحكلي. مش سامعاني مش سايباني". موسيقى تحوّل كلمات شعرية مكررة في دائرة لحنية أشبه بالزار. لحن دائري يعيد إنتاج نفسه، يبدأ من خلاله المسلسل وينتهي.

إياد نصار

التطور الدرامي هو بطل تلك الأحداث. الكل يرغب في الهروب، بينما الحل الوحيد أمامهم هو تخيل ذلك الهروب. كل القواعد تنقلب نتيجة عودة سريعة الى الماضي. كادرات ضيقة وموسيقى متوترة. تقلبات وخيانات في أعمق أعماقها، لديها شيء صادق يسعى الى الخلاص. 

يعود حسن (إياد نصار) بعد تخيل الجميع موته وموت ماضيه. رغبة الأصدقاء القدماء ليس موت حسن تماما، بل فقط رحيله عن القرية. مجرد تخيل اختراقه لهذا العالم العنكبوتي الضعيف، يشكل تهديدا. تنتج من كل ذلك، انتقامات متقابلة تطور الأحداث لكنها تدور حول ذاتها ولا تصل إلى جديد. التصالح مع الماضي هو المنحى الوحيد. حسن هو ذلك الماضي الذي يرغب الجميع في قتله.

font change