التعالي الأميركي... والتوتر داخل التحالف الغربي

كشف هذه الآراء المهينة لا يسهم في تهدئة الوضع

التعالي الأميركي... والتوتر داخل التحالف الغربي

يسلط الكشف عن تعليقات مهينة أدلى بها كبار مسؤولي إدارة ترمب بحق الحلفاء الأوروبيين الضوء مجددا على التوترات المتزايدة داخل التحالف الغربي بشأن عدد من القضايا الأمنية المحورية.

وقد صدرت هذه التصريحات المهينة عن فريق الأمن القومي التابع للإدارة الأميركية ضمن مجموعة محادثة خاصة، أثناء مناقشات حساسة تتعلق بالتحضيرات العسكرية لتنفيذ ضربات ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

وفي ما يُعد أكبر عملية عسكرية أميركية تُنفذ في الشرق الأوسط منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه في يناير/كانون الثاني، استهدفت الإدارة بنى تحتية حوثية رئيسة يُعتقد أنها تُستخدم في الهجمات المتكررة التي تشنها الجماعة على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر. ووفقا لوزارة الصحة التابعة للحوثيين، أسفرت الضربات الأميركية عن مقتل أكثر من خمسين شخصا وإصابة 101 آخرين.

وفي تصريح أدلى به للصحافيين في البيت الأبيض بعد أيام قليلة من تنفيذ الضربات، أعلن الرئيس دونالد ترمب أن العملية العسكرية نجحت في توجيه ضربة قوية لمواقع الحوثيين في اليمن. كما عبّر عن اعتقاده بأن هذا التحرك سيشجّع طهران، بوصفها أحد أبرز داعمي الحوثيين، على الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن تفكيك برنامجها النووي.

وقال ترمب: "إنها جماعة لا تفتقر إلى الكفاءة. إنهم يصنعون صواريخهم بأنفسهم، ويحصلون عليها أيضا من إيران. إنهم فرع من إيران، فرع آخر".

وأضاف: "هناك (حماس)، وهناك (حزب الله)، وهناك الحوثيون. هناك الكثير مما يجري مع إيران، وقد أرسلنا رسالة إلى إيران. سيتعيّن عليهم التحدث معنا عاجلا أم آجلا، لأننا لا نستطيع السماح باستمرار هذا الوضع".

لكن في الوقت الذي سعت فيه إدارة ترمب إلى تسليط الضوء على ما تعتبره نتائج ناجحة للهجمات ضد الحوثيين، استأثرت المراسلات الخاصة بين كبار مسؤولي الأمن القومي ضمن مجموعة محادثة أثناء العملية العسكرية نفسها بالاهتمام الإعلامي الأوسع.

وقد ضمّت هذه المجموعة، التي أُنشئت عبر تطبيق "سيغنال"، عددا من كبار مسؤولي الإدارة، من بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخارجية ماركو روبيو. إلا أن المجموعة ضمّت كذلك، على ما يبدو عن طريق الخطأ، جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة "ذي أتلانتيك".

المراسلات المسربة من داخل مجموعة محادثة فريق الأمن القومي ليست المثال الوحيد على الموقف المتعالي الذي تتبناه إدارة ترمب تجاه حلفائها الأوروبيين

وأوضح غولدبرغ أنه أُضيف إلى المحادثة بعد تلقيه طلب تواصل من شخص بدا وكأنه مايك والتز. وقد أقر مستشار الأمن القومي الأميركي لاحقا بأنه أضاف غولدبرغ إلى المجموعة عن طريق الخطأ.
ورغم أن كشف غولدبرغ لاحقا عن اطلاعه على خطط عسكرية أميركية سرية لاستهداف مواقع الحوثيين، بما في ذلك حزم الأسلحة، والأهداف، والتوقيتات، أثار عاصفة سياسية في واشنطن، فإن التعليقات المهينة بحق الحلفاء الأوروبيين لواشنطن هي التي أثارت أكبر قدر من الاستياء في أوروبا.
فخلال نقاش دار حول التكاليف المحتملة للعملية، اشتكى نائب الرئيس جيه دي فانس من أن أي تحرك عسكري أميركي سيعود بالنفع في النهاية على الأوروبيين، نظرا لاعتمادهم على ممرات الشحن في منطقة البحر الأحمر التي يستهدفها الحوثيون. وقال: "أكره أن أضطر لإنقاذ أوروبا مرة أخرى".
وقد ردّد وزير الدفاع بيت هيغسيث مشاعر فانس المناهضة للأوروبيين، قائلا: "السيد نائب الرئيس: أشاركك تماما شعورك بالاشمئزاز من اعتماد الأوروبيين على غيرهم. إنه أمر مخزٍ".
ولا تعد هذه المراسلات المسربة من داخل مجموعة محادثة فريق الأمن القومي المثال الوحيد على الموقف المتعالي الذي تتبناه إدارة ترمب تجاه حلفائها الأوروبيين. إذ أدلى ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس ترمب وأحد الأعضاء البارزين في مجموعة المحادثة، بتصريحات مهينة مماثلة بشأن الخطة المقترحة من قبل الحكومتين البريطانية والفرنسية لتشكيل "تحالف الراغبين" لتنفيذ عمليات حفظ سلام في أوكرانيا في حال التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وبدلا من دعم المبادرة، سخر ويتكوف من المقترح، واصفا إياه بأنه "مزيج من التظاهر والتصنّع"، وذلك في مقابلة مع تاكر كارلسون، الصحافي المؤيد لترمب.
كما اتهم رئيس الوزراء البريطاني باعتناق فكرة "ساذجة" مفادها أن على القادة "جميعا أن يكونوا مثل وينستون تشرشل".
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتصاعد فيه التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا بسبب تقاعس الكثير من الدول الأوروبية عن توفير التمويل الكافي لبرامجها الدفاعية. وفي ظل هذه الأجواء، فإن كشف هذه الآراء المهينة التي عبّر عنها عدد من كبار مسؤولي إدارة ترمب تجاه نظرائهم الأوروبيين لا يسهم في تهدئة الوضع. إذ لطالما وجّه ترمب انتقادات متكررة للقادة الأوروبيين بسبب تقاعسهم عن دفع حصصهم العادلة في تمويل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فيما تسهم التصريحات المهينة الصادرة عن مسؤولين مثل هيغسيث وفانس في تعميق مخاوف الأوروبيين من أن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا يُعتمد عليه في حماية مصالحهم.

من المؤكد أن القادة الأوروبيين لن يرحبوا بإعلان نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس عن خططه لزيارة غرينلاند

علاوة على ذلك، تزايدت المخاوف من أن إدارة ترمب تمضي قدما في تنفيذ أجندتها الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها الأوروبيين السابقين، وذلك بعد قرار البيت الأبيض استبعاد القادة الأوروبيين من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الصراع في أوكرانيا، مفضلا التفاوض المباشر مع موسكو للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ومن المؤكد أن القادة الأوروبيين لن يرحبوا بإعلان نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس عن خططه لزيارة غرينلاند، الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي والتي يزعم ترمب أنه يرغب في ضمها لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
وبما أن غرينلاند تتبع تقنيا لمملكة الدنمارك، فإن أي تحرك من جانب إدارة ترمب لتوسيع نفوذها على هذه المنطقة القطبية من شأنه أن يفاقم التوتر القائم أصلا في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا.

font change