تراجع شعبية "حماس" في غزة... والشعب يصرخ: "بدنا نعيش"

هذه هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها المطالبات دون اعتبار للخوف

رويترز
رويترز
فلسطينيون يتظاهرون للمطالبة بإنهاء الحرب، مرددين شعارات مناهضة لـ"حماس"، في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، في 26 مارس

تراجع شعبية "حماس" في غزة... والشعب يصرخ: "بدنا نعيش"

في 25 مارس/آذار الحالي، خرج عشرات الغزيين في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، في مظاهرات شعبية تطالب بوقف الحرب وإنهاء الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل وجيشها بحقهم منذ عام ونصف العام. وخلال المظاهرة التي قادها عدد من مخاتير العائلات والوجهاء، صدحت أصوات تطالب حركة "حماس" بتسليم الحكومة والخروج من المشهد السياسي الحاكم ووقف إدارتها للقطاع بعد سيطرتها على الحكم عقب اشتباكات مسلحة دارت بين عناصرها والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في عام 2007، أدت لسيطرتها العسكرية ثم السيطرة على حكم غزة.

وعقب المظاهرات، انتشرت مقاطع فيديو قصيرة من الاحتجاجات الشعبية، حيث صرخ المشاركون "بدنا نعيش وما بدنا نموت"، "برا برا برا... حماس تطلع برا"، إلى جانب رفع يافطات كُتب عليها "كفى للحرب"، "كفى للإبادة والقتل" وغيرها من المطالبات. كما انتشرت دعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي للخروج في مسيرات أوسع، شارك فيها المئات لليوم التالي، ما أدى إلى نزول المواطنين بمشاركة أكثف من اليوم الأول في عدة أحياء ومدن داخل القطاع، وتحمل نفس المطالبات لـ"حماس".

وتزامنت المظاهرات والمطالبات الشعبية مع استمرار الحكومة الإسرائيلية وجيشها في العمليات العسكرية عقب استئنافها الحرب على قطاع غزة في 18 مارس، والذي تزامن مع قرار الحكومة بإغلاق المعابر التجارية ومنع دخول الشاحنات التي تحمل المواد الإغاثية والغذائية، والمماطلة في الانتقال لتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى منذ بداية الشهر الحالي، والذي أدى إلى إصابة وفد حركة "حماس" المفاوض بالشلل وعدم القدرة على اتخاذ أي قرار من شأنه أن يؤدي إلى وقف حرب الإبادة الجماعية، خاصة أن الولايات المتحدة- وهي أحد الوسطاء الثلاثة الضامنين لتنفيذ الاتفاق إلى جانب مصر وقطر- صرحت على لسان إدارتها ورئيسها دونالد ترمب، بأنهم يقفون إلى جانب إسرائيل في دعمها بالدفاع عن نفسها والقضاء على "حماس" وقدرتها العسكرية في غزة.

كل ذلك أدى إلى ممارسة ضغوط غير مسبوقة على أكثر من مليونين و300 ألف فلسطيني في قطاع غزة، اضطروا إلى العيش تحت الإبادة وفقدان أبنائهم وأقاربهم وجيرانهم، وتدمير منازلهم وأعمالهم وأملاكهم، وفقد حياتهم بالأكمل طيلة عام ونصف العام من استمرار الحرب دون الوصول إلى نتيجة تؤدي إلى وقفها واستعادة أمنهم وحياتهم من خلال عملية إعادة الإعمار التي من المفترض أن تعقب انتهاء الحرب، كما روجت "حماس" والدول الوسيطة للاتفاق.

لم تكن المظاهرات الحالية وليدة اللحظة، حيث حاول غزيون التظاهر في مسيرات طالبت "حماس" خلال الأشهر الماضية- وبمشاركة شعبية محدودة- بإنهاء الحرب وتسليم الحكم

يقول خالد عيسى (44 عاما) من سكان بيت لاهيا: "احنا شعب مسالم وبدنا نعيش، تحملنا الحرب والدمار، تحملنا الجوع وفقدنا ولادنا والباقيين مش قادرين نطعميهم ولا عارفين وين نروح فيهم، كل يوم من مكان لمكان بنجري تحت القصف، طيب خلص بكفي، تعبنا، وطالما (حماس) مش قادرة توصل لنتيجة، خليها تسلم ملف الأسرى لمصر أو أي دولة أو جهة تانية وخلينا نخلص قبل ما يخلصوا علينا كلنا".

ويشير خلال حديثه لـ"المجلة"، إلى أنه قرر الخروج ورفع صوته بعدما لم يعد بمقدوره توفير الطعام والشراب لأطفاله، ولم يعد بإمكانه توفير الأمان خاصة أنه فقد عمله في مجال البناء قبل عام ونصف العام المتزامن مع بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، واضطراره للنزوح والتنقل بسبب العمليات البرية العسكرية الإسرائيلية والقصف المتواصل وإطلاق القذائف الصاروخية في القطاع.

رويترز
فلسطينيون يتظاهرون للمطالبة بإنهاء الحرب، مرددين شعارات مناهضة لـ"حماس"، في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، في 26 مارس

ويتفق محمد زريق (49 عاما) مع سابقه خالد عيسى في المطالب بعدما ضاقت به سبل الحياة، وعدم قدرته على توفير احتياجات أبنائه الأساسية، حيث فقد منزله في حي الشجاعية شرق غزة خلال الحرب، واضطر إلى النزوح أكثر من ثماني مرات في مناطق وسط وجنوب القطاع، مضيفا لـ"المجلة" "الصمت لم يعد خيارا، بدنا نعيش ونربي ولادنا، بدناش نموت بكفي اللي صار فينا. بكفي".

وطالب زريق "حماس"، بالتخلي عن حكم قطاع غزة، قائلا: "من 18 سنة (حماس) بتحكمنا، ومن يوم ما أجت لا عارفين نشتغل ولا نربي ولادنا ولا نعلمهم، كل أكم سنة في حرب جديدة وفي فقد وفي تراجع، العمر بجري واحنا مش قادرين نعمل أي مستقبل أو أي تغيير بحياتنا وحياة ولادنا، طيب خلص بكفي بدنا نرتاح، صحيح الاحتلال هو السبب الرئيسي، لكن خلص بكفي، احنا اكتفينا".

ولم تكن المظاهرات الحالية وليدة اللحظة، حيث حاول غزيون الخروج والتظاهر في مسيرات طالبت "حماس" خلال الأشهر الماضية- وبمشاركة شعبية محدودة في مدينتي دير البلح وخان يونس- بإنهاء الحرب وتسليم الحكم، إلا أن ملثمين تغلغلوا بين المشاركين بأسلحتهم وفرقوا المتجمهرين بالقوة، كما حدث سابقا خلال السنوات الماضية حينما خرجت أكثر من مرة مظاهرات شعبية ضد استمرار حكم الحركة.

وخلال سنوات حكمها الماضية، طالبت مجموعات شبابية تحت اسم "شباب 15 آذار" بإنهاء الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، إلا أن المشاركة في الضفة كانت محدودة مع انتشار عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ومهاجمة عناصر "حماس" للمشاركين في المظاهرات التي خرجت إلى الشوارع وصلت حد الاعتداء عليهم بالهراوات وملاحقتهم حتى الاعتقال والمحاسبة.

سبق المظاهرات الشعبية الأخيرة في القطاع، تذمر الكثير من المواطنين من الصور والفيديوهات التي كانت تخرج للإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لقيادات من حركة "حماس"

تبع ذلك، في عام 2019، خروج مظاهرات شعبية تحت شعار "بدنا نعيش"، وكان مركزها مخيم جباليا والشجاعية، إلا أن أمن وزارة الداخلية التابعة لـ"حماس" وعناصرها العسكريين، هاجموا المشاركين بالضرب والاعتقال وتفريق المشاركين بإطلاق النار في الهواء، وكذلك عاد المشهد مرة أخرى تحت الشعار ذاته عام 2022، ولكن المشاركة كانت أقل من الحراك السابق، حيث طالب المشاركون بتحسين ظروف الحياة وإطلاق الحريات العامة التي صادرتها الحركة عن طريق جهازها الأمني المعروف بجهاز "الأمن الداخلي".

وبالرغم من جميع الحراكات والمظاهرات الشعبية السابقة، فإن السواد الأعظم من الغزيين، صمدوا وصبروا خلال الحرب على فقد منازلهم ونزوحهم تحت القصف وإطلاق الرصاص وقتل أبنائهم وفقد الكثير منهم دون معرفة مصيرهم إن كانوا أحياء في السجون الإسرائيلية، أم تعرضوا للقتل ونهشت الكلاب والطيور جثامينهم التي ألقى بها الجيش الإسرائيلي في الشوارع لأشهر طويلة دون قدرة ذويهم على دفنهم.

رويترز
تظاهرة للمطالبة بوقف الحرب، في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، في 26 مارس

وسبق المظاهرات الشعبية الأخيرة في القطاع، تذمر الكثير من المواطنين من الصور والفيديوهات التي كانت تخرج للإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لقيادات من حركة "حماس"، إلى جانب بعض التصريحات الاستفزازية لمعاناتهم وصمودهم تحت القصف واستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية، ومنها تصريحات على لسان عضو المكتب السياسي في "حماس" أسامة حمدان، المقيم خارج فلسطين، والذي دائما ما يتحدث عن صمود الناس في غزة وعدم الانصياع للمطالب الإسرائيلية، وصمود المقاومة، دون التطرق بشكل دقيق لمعاناة السكان جراء النزوح وفقد الغذاء وشعور الغزيين بإهانة كرامتهم في الوقوف على طوابير دورات المياه وتكايا الطعام أو طوابير الحصول على بعض الطرود الغذائية، إن توفرت.

كذلك، مشاهد لقيادات من حركة "حماس" خلال اجتماعاتهم ولقاءاتهم مع وفود في العواصم العربية، والصور التي تبرز ابتساماتهم وضحكاتهم، أو مثال الفيديو الذي انتشر للقيادي في "حماس" طاهر النونو ووفد "حماس" أثناء حضور دعوة إفطار رمضان في أحد فنادق القاهرة، حيث بدا وأنه غير قادر على الجلوس بعد الأكل ونومه أثناء الجلوس والاستماع لإحدى الكلمات التي تتحدث عن الحرب وما يعانيه الغزيون، حيث انتشرت التهكمات حينها من مواطنين على "فيسبوك".

حدث كل ذلك في الوقت الذي كان ينتظر فيه المواطنون تحت القصف، أن يشاهدوا قيادات "حماس" في الخارج والتي تفاوض على حياتهم وتضحياتهم، يعيشون حياة كحياتهم، بعيدا عن مشاهد الترف والراحة وحتى الابتسام، لكن ذلك لم يحدث إلا فيما ندر.

يبدو أن "حماس" بقادتها وأبنائها والمؤيدين لها، لم يكن بحسبانهم الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور داخليا، وما هو مؤكد، أن "حماس" خسرت الكثير من شعبيتها

لقد لعبت إسرائيل، التي دائما ما تراهن على النفس الطويل في الصمود حتى الوصول إلى مرادها، على هذا الوتر، وساهمت في تأجيج الرأي العام أكثر من مرة، وحتى بعد خروج المظاهرات في بيت لاهيا، تلقفها إسرائيليون وساهموا في الترويج لها، مما تسبب في انتشار مناكفات بين منتمين إلى "حماس" ومؤيدين للمقاومة الفلسطينية، وآخرين فقدوا إيمانهم بكل ما هو فلسطيني، وكانت أبسط مطالبهم "العيش بأمان وسلام لهم ولأبنائهم"، حتى وصل الأمر إلى توجيه تهم التخوين والعمالة مع إسرائيل.

رويترز
مظاهرة للمطالبة بإنهاء الحرب رفعت خلالها شعارات مناهضة لـ"حماس"، في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، في 25 مارس

وذلك أيضا، لا يحدث للمرة الأولى. فقد حدث الكثير من موجات التخوين سابقا وكانت تسيطر عليها "حماس" من خلال ملاحقة عناصرها الأمنيين والعسكريين لكل من يختلف معهم في الرأي أو يطالبهم بالتنحي عن الحكم. لكن ربما هذه هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها حدة المطالبات دون أي اعتبارات للخوف أو الملاحقة. ويقول يوسف عبد الرحمن (33 عاما) من مخيم جباليا لـ"المجلة": "ما ضل اشي نخاف عليه، كل اشي راح، لا بيت ولا شغل ولا حياة، من ايش بدنا نخاف؟ وإذا على الموت، احنا بكل لحظة معرضين للموت والقتل".

يبدو أن "حماس" بقادتها وأبنائها والمؤيدين لها، لم يكن بحسبانهم الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور داخليا، وما هو مؤكد، أن "حماس" خسرت الكثير من شعبيتها- داخل قطاع غزة- التي كانت دائما ما تستحوذ وتسيطر عليها وتقودها بسبب استحواذها ومنح نفسها الحق الحصري في مقاومة إسرائيل عسكريا حينما تشعر بأنها مستعدة لذلك.

font change