معركة الخرطوم…7 عوامل حاسمة رجحت كفة الجيش

التفوق التنظيمي والقدرات العسكرية المنهجية للجيش عاملان حاسمان

رويترز
رويترز
رئيس أركان الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يحيي الجنود داخل القصر الرئاسي بعد أن أعلن الجيش السوداني سيطرته على المبنى، في العاصمة الخرطوم، السودان 26 مارس 2025

معركة الخرطوم…7 عوامل حاسمة رجحت كفة الجيش

غمرت مشاعر فرح وطني عارمة قطاعات واسعة من الشعب السوداني إثر التقدم المطرد لقوات الجيش السوداني وإعلانها استعادة السيطرة على جميع مناطق العاصمة الخرطوم وإعادة السيطرة عليها بشكل كامل من قبضة ميليشيا "قوات الدعم السريع"، التي ظلت مسيطرة على أجزاء واسعة منها منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023. وهو الإنجاز العسكري الذي فك أسر عشرات الآلاف من المواطنين المدنيين الذين عانوا الأمرين على مدى عامين من سيطرة الميليشيا وسيسمح بعودة ملايين آخرين أجبروا على مغادرة بيوتهم.

وفي 26 مارس/آذار 2025، وصل قائد الجيش السوداني إلى القصر الجمهوري، الذي استعادت السيطرة عليه قوات الجيش، وذلك بعد سلسلة من التقدم العسكري رافقت عمليات الجيش، بدءا من استعادة السيطرة على ولاية الجزيرة- القلب الزراعي للسودان- الواقعة جنوبي العاصمة الخرطوم في 11 يناير/كانون الثاني 2025، مرورا بفك الحصار عن مقر قيادة الجيش وسلاح المدرعات في الخرطوم، بعد حصار استمر قرابة العامين، وانتهاء باستعادة السيطرة علىالقصر الجمهوري.

ومنذ اندلاع الحرب، لم يكن ثمة سيناريو منطقي تنتهي فيه الحرب بانتصار ميليشيا "قوات الدعم السريع"، بتركيبتها غير النظامية، والتي زادت من فوضويتها ركون الميليشيا إلى التجنيد الجهوي لعناصر تفتقر إلى التدريب العسكري النظامي، على قوات الجيش السوداني النظامي التي تتمتع ببنية تنظيمية أكثر رسوخا وخبرة مؤسسية ومعرفة منهجية في إدارة العمليات العسكرية.

ولكن التقهقر وسلسلة الانتكاسات والتراجع الذي حاق بقوات الجيش في مطلع الحرب وأدى إلى خسارتها للسيطرة على العاصمة الخرطوم، وولاية الجزيرة ومساحات معتبرة من إقليمي دارفور وكردفان، أثار الشك بين المتابعين في قدرة الجيش على الصمود في مواجهة تكتيك حرب المدن الذي اعتمدته "قوات الدعم السريع". لكن مع مرور الوقت، بدأت ديناميكيات المواجهة تتكشف بشكل يعكس عودة الجيش إلى استعادة زمام المبادرة. فالتقدم العسكري الذي أحرزه الجيش موخرا جاء ليؤكد صحة التقديرات المبدئية، التي رجحت أن التفوق التنظيمي والقدرات العسكرية المنهجية للجيش ستكون عاملا حاسما في حسم الصراع لصالحه. هذا التطور أظهر أن الفوضى الهيكلية والاعتماد على عناصر غير مؤهلة عسكريا، كما في حالة الميليشيا، لا يمكن أن يشكلا أساسا مستداما لتحقيق نصر استراتيجي أمام قوة نظامية راسخة، رغم التعثرات الأولية التي قد تواجهها الأخيرة.

العوامل الحاسمة

تصاعد المقاومة الشعبية ضد الميليشيا: شهدت فترة ما بعد اندلاع الحرب انخراط مقاتلين متطوعين من شتى أطياف المجتمع السوداني، ومن بينهم برزت مجموعة "غاضبون" والتي تميزت بجرأتها في مواجهة الانقلاب العسكري الذي قامت به قوات الجيش و"الدعم السريع" بشكل مشترك في أكتوبر/تشرين الأول 2021 ضد الحكومة الانتقالية، كما كانت عضويتها منخرطة بعنفوان في المظاهرات الشعبية التي أسقطت نظام عمر البشير الإسلامي العسكري في 2019. انخرط هولاء المقاتلون تطوعا في صفوف الجيش لمواجهة ميليشيا "قوات الدعم السريع"، والتي انكشف حال انتهاكاتها ضد المواطنين المدنيين منذ اليوم الأول للحرب بشكل شمل القتل العشوائي والنهب الممنهج والاغتصاب والانتهاكات الجنسية، مما شجع على استنفار المقاومة المجتمعية ضدهم، وخلق حالة غضب شعبي عارم ضد الميليشيا وأفرادها، وعرى زيف ادعاءاتها السياسية، وصب كل ذلك في صالح الجيش الذي أضفى هذا الزخم الشعبي عليه شرعية متزايدة، حيث بات يُنظر إليه بشكل واسع على أنه الجهة التي تتصدى لوحشية "قوات الدعم السريع" وتحمي المدنيين الذين يلجأون لمناطق سيطرته فرارا من مناطق سيطرة "قوات الدعم السريع". وبذلك، لم تقتصر المقاومة الشعبية على دورها القتالي المباشر، بل أسهمت في ترجيح كفة المعركة سياسيا ومجتمعيا لصالح الجيش، مما عزز موقعه في الصراع وأعطاه دفعة قوية نحو تحقيق المزيد من التقدم الميداني.

التفوق التكتيكي لعمليات الجيش السوداني مقابل الانتشار العشوائي لميليشيا "قوات الدعم السريع": اعتمد الجيش السوداني على عمليات موجهة تستند إلى أهداف عسكرية واضحة ومرتبطة باستراتيجية كلية، تتمحور حول استعادة السيطرة على المراكز الاستراتيجية، وقطع خطوط إمداد الميليشيا، وإجبارها على خوض معارك استنزاف طويلة (كتلك التي حدثت في الخرطوم) تؤدي إلى إنهاكها. وفي المقابل، تبنت "قوات الدعم السريع" استراتيجية انتشار أفقي واسعة دون القدرة على تركيز قواتها في مواقع استراتيجية محددة تخدم أهدافها السياسية والعسكرية. هذا الانتشار الواسع لـ"قوات الدعم السريع"، أو ما يمكن تسميته "التوزيع المفرط للقوات"، جعلها غير قادرة على الاحتفاظ بمواقع مهمة أو الدفاع عنها بفعالية. بدلا من ذلك، انخرطت الميليشيا في نهج يقوم بالتركيز على النهب الاقتصادي والسعي وراء الغنائم عبر احتلال المدن والقرى بشكل متفرق، دون أن تمتلك القوة الكافية للدفاع عنها عند استهدافها من قبل الجيش، مما جعلها تفقد الكثير من المناطق بسرعة بمجرد أن ركز الجيش عملياته لاستعادتها.

التفوق الجوي للجيش واستخدام المسيرات: مثّل التفوق الجوي للجيش السوداني أحد العوامل الحاسمة التي رجحت كفته موخرا في مواجهة "قوات الدعم السريع"، حيث مكّنته السيطرة الجوية، المدعومة بالطائرات الحربية والمسيرات، من فرض تفوق استراتيجي ميداني. اعتمد الجيش على الضربات الجوية الموجهة لشل قدرة الميليشيا على الحركة والإمداد، مستهدفا مخازن الذخيرة وقوافل التموين والإمداد القادمة من مناطق نفوذها في غرب السودان نحو الخرطوم. وأسهمت هذه الاستراتيجية في خنق الدعم اللوجستي لـ"قوات الدعم السريع"، مما أدى إلى إضعاف قدرتها على شن عمليات هجومية منظمة وأجبرها على تبني تكتيكات دفاعية غير مجدية. علاوة على ذلك، أدى الاستخدام المكثف للمسيرات إلى رصد تحركات الميليشيا بدقة واستهداف مواقعها بشكل استباقي، ما أدى إلى تفكيك تشكيلاتها القتالية وعزل وحداتها عن بعضها البعض، وبالتالي إضعاف قدرتها على التنسيق العملياتي.

التفوق الجوي للجيش السوداني أحد العوامل الحاسمة التي رجحت كفته موخرا في مواجهة "قوات الدعم السريع"، حيث مكّنته السيطرة الجوية، المدعومة بالطائرات الحربية والمسيرات، من فرض تفوق استراتيجي ميداني

كما كان لهذا التفوق الجوي تأثير نفسي عميق على مقاتلي "الدعم السريع"، حيث أدى القصف المفاجئ والمستمر إلى انخفاض معنوياتهم، ودفع بعضهم إلى الفرار كما أظهرت تسجيلات الفيديو. وفي الوقت نفسه، نجح الجيش بعد أن تخلى عن النهج الدفاعي للحفاظ على مقاره الاستراتيجية في دمج تكتيكاته البرية مع العمليات الجوية، حيث اعتمد على القصف التمهيدي لإضعاف مواقع الميليشيا قبل شن الهجمات البرية. وفي محاولة لمعادلة هذا التفوق، سعت "قوات الدعم السريع" إلى إدخال المسيرات إلى ترسانتها العسكرية، مستفيدة من الدعم الخارجي الذي تلقته من الجهات الإقليمية الداعمة لها. وكشفت وثائق حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست" أن الميليشيا قد تواصلت مع شركة أسلحة تركية معروفة باسم "بايكار"، من خلال القوني حمدان دقلو موسى، شقيق زعيم الميليشيا حميدتي والمسؤول عن شراء الأسلحة للميليشيا في سبتمبر/أيلول 2024، بعد علمه بصفقة طائرات مسيرة مع الجيش السوداني، الذي عبّر عن استيائه وحاول عبر وسيط إيقاف صفقة الجيش السوداني، بل وعرض دفع ضعف المبلغ للحصول على المسيرات، لكن الشركة رفضت طلبه. كما أن افتقار الميليشيا للكوادر المؤهلة والخبرات الفنية اللازمة لتشغيل المسيرات وتسييرها بفعالية قلل من قدرتها على استخدامها بشكل استراتيجي. وبينما نجح الجيش في استثمار المسيرات لتعزيز تفوقه الميداني عبر الاستطلاع والتدمير الدقيق، ظلت محاولات "الدعم السريع" متعثرة، حيث لم تتمكن من تشغيل المسيرات التي توفرت لها بكفاءة تتيح لها تحقيق مكاسب عسكرية ملموسة وعمدت إلى استخدامها في عمليات دعائية مثل محاولة اغتيال قائد الجيش البرهان في جبيت في يوليو/تموز 2024.

رويترز
لقطة من فيديو تظهر أشخاصا، يقول الجيش السوداني إنهم من قوات الدعم السريع، وهم يخلون المدينة عبر جسر سد جبل أولياء فوق نهر جنوب الخرطوم، السودان، في 26 مارس

انهيار فاغنر وإعادة هيكلتها: منذ 2015/2016 كانت فاغنر لاعبا رئيسا في دعم "قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ 2017، حيث قدمت تدريبات عسكرية وأسلحة، خاصة صواريخ أرض-جو، وساهمت في عمليات تعدين الذهب غير القانونية لتمويل نشاطاتها. هذا الدعم كان حاسما في تعزيز قدرات "الدعم السريع" ضد الجيش السوداني في الحرب التي اندلعت في أبريل 2023. لكن مع انهيار قيادة فاغنر التقليدية، في أغسطس/آب 2023، بعد أن لقي زعيمها يفغيني بريغوجين مصرعه في حادث تحطم طائرة ظهرت مؤشرات على أن هذا الدعم قد تأثر.

ويمكن النظر إلى التأثير على "قوات الدعم السريع" من زاويتين: أولا، على المستوى العسكري، فقد أدى إلى انخفاض في إمدادات الأسلحة والدعم الفني من فاغنر، خاصة مع تركيز روسيا على إعادة تنظيم قواتها. وكان شهود عيان قد أفادوا بوجود ضباط تكتيكيين من فاغنر في رفقة "قوات الدعم السريع" منذ بداية الحرب وحتى احتلالهم لولاية الجزيرة. وثانيا إعادة التموضع السياسي الروسي الذي أصبح يسعى للتقارب مع الجيش السوداني سعيا وراء تأمين صفقة القاعدة الروسية على سواحل البحر الأحمر السودانية.

التفكك الداخلي انعكس أيضا في تزايد الانقسامات والانسلاخات بين صفوف "الدعم السريع"، حيث بدأت بعض المجموعات في التمرد على القيادة المركزية، إما بسبب غياب الإمدادات، أو نتيجة لتضارب المصالح بين قادة الميدان

انهيار النموذج اللامركزي لقوات "الدعم السريع" وتحولها إلى تحالف عصابات ومرتزقة: خلال عام 2024 ، تراجعت "قوات الدعم السريع" من كونها ميليشيا لها قيادة مركزية ذات طموحات سياسية إلى كيان متفكك يعتمد بشكل أساسي على النهب والتغنيم للحفاظ على تماسكه الداخلي. وأصبحت الميليشيا تعتمد على نموذج لامركزي في القيادة والتجنيد، حيث كانت وحداتها الميدانية تدار بشكل شبه مستقل، معتمدة على ارتباطات قبلية وجهوية أكثر من ارتباطها بمنظومة عسكرية موحدة.

ومع استمرار الحرب وتصاعد الخسائر العسكرية وتراجع قدرتها على تحقيق اختراقات ميدانية، فقدت "قوات الدعم السريع" تدريجيا أي إطار تنظيمي مركزي حقيقي، مما أدى إلى تحولها إلى شبكة من العصابات المسلحة التي تسعى للبقاء عبر استغلال ونهب موارد المناطق التي تسيطر عليها.

وأحد أبرز مظاهر هذا الانهيار هو الاعتماد المتزايد على نهب الممتلكات العامة والخاصة كمصدر رئيس للتمويل، وهو ما جعل الميليشيا تتحول من كيان سياسي-عسكري يسعى إلى السيطرة على الدولة، إلى مجموعات مقاتلة تبحث عن البقاء بأي ثمن. هذا التحول دفع "الدعم السريع" إلى تكثيف عمليات التغنيم والسلب، حيث أصبح نهب الأسواق والمنازل والبنوك والمساعدات الإنسانية جزءا أساسيا من استراتيجيتها للحفاظ على ولاء مقاتليها. وبالتوازي، تزايد اعتمادها على التجنيد الجهوي عبر ما يعرف بـ"الفزع"، وهو أسلوب تقليدي تقوم بموجبه القبائل بحشد المقاتلين بشكل طارئ ومؤقت وفق الولاءات المحلية، وليس ضمن بنية عسكرية موحدة ذات أهداف سياسية واضحة. ونتيجة لذلك، لم تعد "قوات الدعم السريع" جيشا موحدا تحت قيادة مركزية، بل أصبحت خليطا من الميليشيات القبلية وفرق المرتزقة، التي تختلف دوافعها بين السعي للغنائم أو تحقيق مكاسب محلية، دون التزام استراتيجي واضح تجاه قيادة الميليشيا العليا.

غياب حميدتي وتصاعد الانقسامات والانسلاخات داخل الميليشيا: التفكك الداخلي انعكس أيضا في تزايد الانقسامات والانسلاخات بين صفوف "الدعم السريع"، حيث بدأت بعض المجموعات في التمرد على القيادة المركزية، إما بسبب غياب الإمدادات، أو نتيجة لتضارب المصالح بين قادة الميدان. وقد ظهر ذلك بوضوح في الجزيرة (أبو عاقلة كيكل) ودارفور وكردفان، حيث انشق عدد من القادة الميدانيين عن الميليشيا، وفضلوا إبرام تحالفات محلية تخدم مصالحهم المباشرة، أو حتى تسليم أنفسهم للجيش السوداني والانخراط في صفوفه في بعض الحالات. إلى جانب ذلك، لعب غياب (حميدتي) عن المشهد العسكري والميداني دورا إضافيا في تعميق هذا التفكك. فمنذ تعرضه للإصابة أو الاختفاء عن الأنظار في الأشهر الأولى للحرب، اقتصر ظهوره على خطابات فيديو متفرقة وغير متماسكة، يوجهها من مواقع مجهولة، مما عزز من الشكوك حول إصابته وقدرته على إدارة الميليشيا في هذه المرحلة الحرجة.

وبينما كان حميدتي يتمتع بكاريزما شخصية أهلته للحفاظ على ولاء مقاتليه خلال السنوات الماضية، فإن شقيقه عبد الرحيم دقلو، الذي تصدر المشهد السياسي والعسكري باسم "الدعم السريع"، يفتقد لهذا التأثير الرمزي، ولا يتمتع بنفس النفوذ أو الحضور القيادي الذي كان لحميدتي، مما جعل ظهوره غير مقنع لكثير من المقاتلين، وأدى إلى تفاقم الخلافات داخل الميليشيا والتي شهدت إبعاد وطرد بعض أبرز رموزها المقربين لحميدتي (مثل مستشاره السياسي ذي الجنسية الكندية يوسف عزت) وهو ما زاد الشكوك بابتعاد حميدتي عن التحكم في قرار الميليشيا التي لا يزال يقودها نظريا أو يملكها بشكل فعلي على أرض الواقع.

رويترز
مواطنون سودانيون يحتفلون في الشوارع بعد سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم، في بورتسودان، السودان، 27 مارس 2025

انكشاف الدعم الخارجي وتراجع الإمدادات الخارجية: اعتمدت "قوات الدعم السريع" على إمدادات عسكرية مستمرة ودعم خارجي غير مسبوق من قوى إقليمية، لكن الضغوط الإعلامية والدولية كشفت تفاصيل هذا الدعم. وفيما صعدت الحكومة السودانية مواجهتها للدول التي استمرت في تقديمه، مما أحرج الداعمين وعرقل دعمهم المستمر. وساهمت التحقيقات الصحافية في فضح طرق الإمداد القادمة من تشاد وليبيا، بينما مارست القوى الدولية ضغوطا على العواصم المتورطة في تمويل وتسليح الميليشيا. ونتيجة لذلك، أصبحت الإمدادات أكثر صعوبة والتدفقات المالية أقل استدامة، مما دفع "الدعم السريع" إلى الاعتماد المتزايد على النهب، وزاد من تفككها الداخلي مع تراجع قدرتها على الصمود عسكريا.

كل هذه العوامل ربما تكون قد ساهمت، بدرجات متفاوتة، في نجاح الجيش السوداني في تحقيق تقدم عسكري مطرد مؤخرا، مما عزز موقفه في ساحة المعركة وقلّص نفوذ "قوات الدعم السريع". ومع ذلك، تظل هذه الحرب نتاجا لتشوهات سياسية عميقة، أبرزها وجود "الدعم السريع" كميليشيا شبه رسمية موازية للجيش، وهو ما شكل اختلالا هيكليا في توازن السلطة داخل الدولة السودانية. ولذلك، فإن التفوق العسكري وحده لا يكفي لإنهاء الحرب بشكل نهائي، إذ لا يزال الحل السياسي ضرورة حتمية لضمان تفكيك الوجود المؤسسي لـ"الدعم السريع" بطريقة سلمية ومستدامة. ومن دون معالجة الجذور السياسية لهذا الصراع، فإن احتمالات استمرار الحرب بأشكال مختلفة، أو إعادة إنتاج الميليشيات بصيغ أخرى، تظل قائمة، مما يجعل السلام الدائم هدفا لا يزال بعيدا عن التحقق.

font change